كان المواطن العراقي وما زال إذا ما وجد " كسرة" خبز على قارعة الطريق فإنه يرفعها ويضعها في مكان نظيف، وفي أحيان كثيرة يقبلها ويمررها على جبهته، ولا يرمي المتبقي من المأكولات في كيس القمامة. وهذا الاعتبار الايجابي للخيرات اختلطت فيه مفاهيم دينية ودنيوية، وفي كلتا الحالتين كان للتربية، سواء داخل البيت أو خارجه، عامل أساسي في تشبع المواطن بهذا التقدير العالي لقوته اليومي.

فهل نستطيع أن نأخذ بيد المواطن ونجعله يعامل " الاثار" كما يتعامل مع قوته اليومي؟! خاصة أن العراق، اليوم، يبذل جهودا كبيرة من أجل ضم آثاره البابلية التاريخية إلى قائمة التراث العالمي (كما حدث مع الاهوار في الامس القريب)، من أجل الحفاظ عليها من الاندثار، فالشعب الذي لا يحافظ على تراثه، لا يمكن أن يبني مستقبلا حضاريا!

لقد عانت آثارنا من الاهمال لفترات طويلة، ويتحمل مسؤولية هذا الاهمال الحكومة بالدرجة الاولى، والمواطن بالدرجة الثانية. فلم يحدث في كل العالم أن تساهم الحكومة أو بعض مسؤوليها في تهريب آثار بلدها كما حدث في حقبة" البعث" المقبور! وبعد السقوط وفي فترة تدنيس "داعش" لأراضينا حيث تمت سرقة الآثار وتحطيم الكثير منها بدوافع طمس معالم الحضارات العراقية القديمة!

لقد ساهمت أطراف خارجية وداخلية بسرقة وتهريب عدد كبير من القطع الأثرية التي بدأت تسترجع من سارقيها من خلال التنسيق مع الجهات المعنية. ولكي لا نتقوقع في ما حدث في الماضي، علينا أن نفكر في الحاضر والمستقبل، وأن نبني سياسة تربوية استراتيجية من أجل الحفاظ على اثارنا التاريخية. وهذا يحتاج إلى تعاون وتكاتف كل المعنيين بهذا الشأن وبالأخص وزاراتي التربية والتعليم والثقافة. فلابد من رسم سياسة تربوية سليمة تتضمنها البرامج التعليمية المدرسية ابتداء من المراحل الأولى في المدرسة، وهذا يحتاج أيضا إلى ورشات تثقيفية للمعلمين والإدارات تتمركز حول أهمية الآثار للوطن الذي يطمح الى بناء مستقبله بشكل سليم. وتنظيم زيارات دورية من قبل التلاميذ الى المتاحف بهدف تعميق الوعي بأهمية التراث.

أما وزارة الثقافة والسياحة والاثار فتتحمل قسطا وفيرا من المسؤولية وعليها أن تكون مكملا للجهود التربوية من خلال تبني إنتاج برامج وأفلام ابداعية تتناول قضية الآثار كما تفعل الدول المتقدمة، مثل فرنسا وألمانيا وانكلترا وغيرها من البلدان التي تفتخر بتاريخها. اللافت للنظر أن هذه الدول الثلاث لا تعتز بآثارها فقط، بل بكل التراث العالمي. وقد تم، على سبيل المثال لا الحصر، إنتاج فيلم وثائقي طويل عام 2008 عن اثار بابل بثلاث لغات " ب..مثل بابيلون" ( وضع له عنوان مترجم " بابل من جديد " من قبل الجزيرة الوثائقية ) وهو من تنفيذ المخرج الفرنسي جورج برنارد،  وعرض هذا الفيلم في اروقة متحف اللوفر على مدار عام كامل، وما زال هذا الفيلم يعرض في بعض المدارس الفرنسية لاطلاع الطلبة وتثقيفهم بالآثار العالمية!

في فيتنام يتعاملون مع آثارهم وتاريخهم كتعاملنا مع كسرة الخبر، فحين تدخل المتحف، تاريخيا كان او طبيعيا، عليك ان تخلع حذاءك، قبل الدخول!

اين نحن من هذه الشعوب؟!

عرض مقالات: