تشير معطيات الاقتصاد العراقي الى ان معدل التنمية اخذ في التناقص ويكاد يساوي او يقل عن معدل النمو السكاني الذي يقدر بـ9 2,7 وهذا يعني عدم قدرته على مواجهة الاحتياجات الاجتماعية المتزايدة باستمرار. كل ذلك وبالرغم من امتلاك العراق ما يكفي من الموارد الطبيعية والبشرية فضلا عن الثروة النفطية واحتياطيها الكبير فان الحكومات العراقية المتعاقبة تصر على سد هذه الفجوات عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي ما يعني انها قد ادمنت اللجوء الى الاقتراض.
ان الاتجاهات الحكومية كما تظهرها المعطيات لا تزال تدور في الاقتصاد الاستهلاكي حيث توجه معظم الموارد المتاحة نحو الانفاق الجاري فلم تشكل النفقات الاستثمارية اكثر من 5 في المائة مما يدلل على ان معظم القروض الحكومية وظفت لتغطية الانفاق الجاري واحتلت عمليات التنمية الاقتصادية درجات متأخرة وتشير البيانات الحكومية الى ان ميزانية عام 2018 بنيت على انفاق كامل للموازنة الجارية.
ان العجز في الموازنات السنوية مصمم على ارقام افتراضية بينما الواقع يشير بوضوح الى ان الموارد المالية قد اخذت في التزايد لا سيما بعد ارتفاع اسعار النفط بأسعار تفوق عن الاسعار المقدرة في موازنة 2018 وفي موازنة 2019 ففي الاولى كان سعر البرميل 46 دولارا فيما كان في الثانية 56 دولارا بينما في الواقع كان سعر البرميل في الحالتين اعلى وهذا يعني ان فائضا ماليا حصل بالفعل وهو كاف لتغطية العجز الافتراضي السنوي واذا ما استمرت حركة الاقتصاد تدور في نفس الحلقة فستظل الحكومة العراقية تمارس هوايتها في الاقتراض الخارجي الذي وصل بالإضافة الى الاقتراض الداخلي الى 123 مليار دولار لغاية عام 2017.
وباستعراض سريع لموازنة 2019 نجد ان الاندفاع الى الاقتراض الخارجي قد شمل 21 جهة بين مصارف ووكالات مالية اجنبية واذونات خزينة وصندوق نقد دولي وبنك دولي وصناديق ودول عربية بقيمة تصل الى 200 مليون دولار او ما يزيد على 237 مليار دينار عراقي. ولكن سياسة انفاقية رشيدة وادارة كفؤة لعملية الانفاق وتخفيض الرواتب المرتفعة في العديد من المستويات الحكومية العليا كفيلة بالتعويض عن هذه القروض وبالتالي التخفيف من التكاليف التي تتكبدها الدولة في تسديد القروض وخدماتها خاصة اذا ما علمنا ان مقدار هذه التكاليف في موازنة 2019 قد بلغت 10 مليارات دولار وتشكل 10 في المائة من حجم النفقات الجارية لعام 2019. تخيلوا معي كم عدد المدارس والمستشفيات والمشاريع الخدمية واعادة بناء البنى التحتية المدمرة ستنجز بهذا المبلغ الكبير؟
اذا وجدت الحكومة ان المبالغ المخصصة للانفاق غير كافية لتغطية نفقات جهاز الدولة من رواتب وكلف تشغيلية فعليها ان تبحث في اروقة ودهاليز المباني الحكومية ستجد عشرات الالوف من الوظائف غير الضرورية استحدثت لاعتبارات عائلية وحزبية وقرابية وجهوية ومحاصصاتية تتمظهر برواتب ومخصصات لم يحظ بها عشرات الالوف من اولئك العاملين في مصانع الدولة ممن يعانون قلة الرواتب وشظف العيش وغياب الضمانات بسبب الاهمال المتعمد لمصانعهم الانتاجية او مشاريعهم الخدمية. مما تقدم يتضح ان امام الحكومة فرص حقيقية لتقليص النفقات لعامة الى الحد الذي لا تجد فيه حاجة الى الاقتراض الخارجي ودون ان تحمل الاقتصاد تكاليف غير مبررة وبهذا الخصوص نقترح ما يلي:
1.
السعي لانشاء صناديق سيادية خاصة بالديون الخارجية واخرى لتنشيط حركة الاستثمار سبيلا لرفع معدلات التنمية الاقتصادية وايجاد مصادر تمويل تعزز موارد الموازنات السنوية ولسد العجز الحقيقي الذي يمكن ان يحصل في ظروف طارئة.
2.
ربط مستويات الديون من خلال تحليل المؤشرات الاقتصادية الى نسبة التصدير والاستيراد والناتج المحلي الاجمالي وربطها ببرنامج التدبير الاحتياطي عن طريق تخفيض الديون لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي.
3.
اعادة تقييم شامل لنشاط مشروعات القطاع الحكومي العام والقطاع الخاص والوقوف على المشاكل المالية والادارية والتكنولوجية وتطبيق نظم ادارة الجودة وفق المقاييس العالمية وتقليص ما يمكن من التكاليف غير الضرورية الناتجة عن الهدر المالي والفساد.

عرض مقالات: