(قبل دقائق وأنا أعبر جسر الأحرار فوجئت بشاب ثلاثيني يعتلي سياج الجسر محاولاً الانتحار.. غير ان شابين عابرين امسكا به واحبطا محاولته.. لينهار على الأرض مجهشاً بالبكاء..! هل سألتم انفسكم أيها الممسكون بزمام البلد لماذا ينتحر العراقيون من الشباب والأمهات الصغيرات مع اولادهن؟ للآن جسدي وروحي يرتعشان فزعا وأسىً).

بهذه الكلمات عبر الشاعر حميد قاسم في صفحته على الفيس بوك، عن مشاعر الالم على شاب فقد الامل من جانب، وعن السخط والغضب على الطغمة الماسكة بالسلطة، التي احبطت بسوء ادارتها وعبثها بالموارد وفساد رموزها، آمال الشباب في فرص عمل، وسدت عليهم آفاق المستقبل.

لا اعتقد ان احدا من المسؤولين والمعنيين بالامر، قد توقف عند هذه الحالة وكلف نفسه السؤال عن حالة هذا الشاب، والدوافع التي جعلته يحاول الانتحار. وقطعا هذه ليست اول محاولة انتحار يقدم عليها شاب وهو في ريعان شبابه، فقد سبقتها محاولات ومحاولات.

والبطالة هي اليوم أحد اهم اوجه الازمة العامة التي تنعكس على حياة الشباب ومعيشتهم. وإذا عدنا الى نسبة البطالة بين الشباب في الفئة العمرية بين 15 و29 عاما والبالغة، حسب الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط في إحصائية اجراها نهاية العام الماضي، 22.6 في المائة، فسنجد انها نسبة لا تعكس الرقم الحقيقي للبطالة. بل ان نسبة البطالة أكبر في الواقع بكثير، وقد ذكر صندوق النقد الدولي في أيار 2018، انها تزيد على 40 في المائة.

ان هذا التفاقم لمشكلة البطالة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، يعكس بوضوح عجزا في البنى الاقتصادية وخللا اجتماعيا على الصعيد الوطني، فالبطالة آفة اجتماعية تعطل القدرات البشرية وفرص النمو والرفاه الاقتصاديين.

وتتفاقم هذه المشكلة باضطراد، حيث يتخرج سنويا من الجامعات آلاف الطلاب دون ان يجدوا فرص عمل، مما يجعل نسبة البطالة في تصاعد مستمر وسط غياب الحلول والمعالجات، وفشل برامج التنمية، وتراجع الاداء الاقتصادي، وتعقّد سياسات الاستثمار، وتزايد دور الفساد في خلق بيئة طاردة للاستثمار، وانسحاب الدولة تدريجياً من ميدان الانتاج، اضافة الى تأثير نهج المحاصصة ونتائجه الكارثية، وغياب الخطط الحكومية الهادفة الى توفير فرص عمل للعاطلين من خلال تنويع اقتصاديات العراق.

والمشكلة لا تتمثل فقط في غياب فرص العمل للشباب، انما في غياب أيّ أمل عند ثلثي سكان العراق، وهي نسبة الشباب في مجتمعنا. وان التغاضي عن حل هذه المشكلة هو امعان في انتاج الاحباط واليأس وفقدان الثقة بالمستقبل.

ان الشباب رأس مال كبير وثروة هائلة، يمكن لها إنْ تم استثمارها في إطار عملية تنموية صحيحة، ان تنتج خيرات مادية كبيرة للبلد. كما ان استبعادهم من العملية الاقتصادية لا يعني فقط سلب حقهم في العمل، وغلق الباب امام طموحاتهم، انما يعني ايضا مصادرة قدرة المجتمع على البناء والتعمير والتطوير.

ان امام الحكومة مسؤولية استثنائية تتمثل في التوقف عند هذه الظاهرة التي تتسع وتكبر دون توقف، والاسراع في خلق فرص عمل للشباب، عبر تنفيذ برنامج تنمية شامل، يرافقه تنفيذ قانون الحماية الاجتماعية، وزيادة المنحة، وتشريع قانون الضمان الاجتماعي من قبل البرلمان.

فحياة الانسان وكرامته هما الهدف الأسمى.

عرض مقالات: