أكمل الفنان جواد الاسدي دراسته الجامعية في قسم المسرح لأكاديمية الفنون الجميلة جامعة بغداد، مطلع سبعينيات القرن الماضي.
وكانت بواكير اعماله مسرحية " العالم على راحة اليد " التي أخرجها لفرقة المسرح الفني الحديث -مسرح بغداد، وكان عملا ناجحا بامتياز وبمساهمة شباب الفرقة، آنذاك، مجسدا فكره العلمي والتزامه الفكري بالبحث عن عالم جديد خال من الاستغلال، مبشرا بحياة سعيدة تعم كوكبنا الكبير. وأضاف المعرض التشكيلي، الذي أقيم في صالة الانتظار لرفيق دربه الفنان قاسم الساعدي نكهة جديدة للعرض المسرحي. خاصة وأنه لم يمض وقت طويل على خروج الساعدي من أتون جحيم قصر النهاية! كان جواد الاسدي، وما زال، يعتز بانتمائه الفكري ولكنه لم يكن يوما " مؤدلجا" بمعنى الانطواء على الايديولوجيا أو الفكر، إذ أنه يستمد طاقته الإبداعية من تفاصيل الفكر الإنساني الخلاق حتى أصبح نجما متألقا في سماء المسرح العربي، بعد أن ترك العراق عام 1976، ليكمل دراسة الدكتوراه في جامعة صوفيا. ولم يستطع العودة الى وطنه، في تلك السنوات الساخنة، بسبب سياسة النظام المقبور ضد كل ما هو تقدمي! تنقل جواد الاسدي بين عواصم عربية وعالمية مختلفة، تاركا في كل منها أثرا مسرحيا متميزا، فكانت أهم تلك الاعمال على سبيل المثال وليس الحصر، اخراجه مجموعة من الاعمال المسرحية منها: رأس المملوك جابر. الخادمات. نساء في الحرب. حمام بغدادي. تقاسيم على العنبر. تقاسيم على الحياة، وقبل ذلك كانت مسرحية مجنزرة ماكبث، التي عرضت في بغداد باسم المسرح الفلسطيني، قبل انهيار النظام المقبور، وبطبيعة الحال من دون حضور المخرج! عاد جواد الاسدي إلى وطنه أكثر من مرة، بعد سقوط الدكتاتور ليتدفأ بشمسه ونهريه واحضان اهله وأصدقائه ومحبيه الذين غاب عنهم طويلا. ولكنه ومنذ منتصف العام الماضي عاد ليقدم عملا مسرحيا، من اعداده واخراجه، وهو تقاسيم على الحياة الذي وصفه النقاد بأنه " درس " في فن المسرح! وحاز على اعجاب كل من شاهده سواء في العراق او في بقية العواصم مثل تونس والقاهرة.
لقد أعاد جواد الى المسرح العراقي وجهه الناصع وبريقه الذي كاد أن يضيع بين الضائقة المالية للمؤسسات المنتجة وضعف الادارة وتردي الوعي الجمعي. لقد استطاع الاسدي ترميم ما أمكن ترميمه في فترة قياسية من خلال خبرته المتراكمة خلال ما يقارب الخمسين عاما ومن خلال تجربته الخلاقة بإدارة مسرحه الخاص في بيروت لسنوات عديدة!
فماذا يا ترى قدمنا للفنان جواد من مغريات البقاء؟!
الدول المتحضرة تحترم رموزها، والكفاءات المغتربة جديرة بالعودة، ولكن علينا ان نبذل كل الجهود من اجل عودتها، وأن نهيئ الأسس السليمة لهذه العودة، مهنيا وانسانيا!