تشكل معظم الصناعات العراقية التي تعمل حاليا ببطء شديد، باستثناء الصناعة الاستخراجية المرتبطة بصناعة النفط والغاز، قاعدة الصناعة التحويلية التي تعتبر اساس التنمية الاقتصادية في تكوين الناتج المحلي الاجمالي وتحتل منتوجاتها قاعدة الصادرات المؤمل توسيعها وتمكينها من استيعاب العمالة العراقية العاطلة عن العمل وتحقيق التقدم التكنولوجي.
ويمكن قراءة وجهة الحكومة العراقية في هذا القطاع الحيوي من خلال فحص البرنامج الحكومي في هذا القطاع وإدراك القاعدة النظرية التي استندت اليها في رسم هذا البرنامج، فالمتابع لمصفوفة وزارة الصناعة يتبين له ان معظم الصناعات المشمولة فيها والتي تتكون الفقرة (1) فيها من (35) بندا قد تم اخضاعها للاستثمار والشراكة من دون توضيح ما اذا كان هذا الاستثمار تأهيليا ام انتاجيا والوقت اللازم لهذا الاستثمار وشكل الملكية اللاحق. كما لم تتبين نسبة مشاركة القطاع الخاص في هذه المشاريع ومن بينها الصناعات البتروكيمياوية والسمنت والفوسفات والكبريت. ونعتقد ان ادخال هذه الصناعات ذات الطبيعة الاستراتيجية على هذا النحو يضعها على سكة الخصخصة في المستقبل مع ان الدولة تتحمل مسؤولية اكبر في هذه المرحلة من عملية التنمية الاقتصادية التي تشكل الصناعة قلبها النابض لما لها من تأثير عضوي في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويبدو بوضوح ان الاهمال الحكومي لقطاع الصناعة ما زال واضحا في منهج الحكومة الجديدة فلم تزد نسبة التخصيصات الرأسمالية في الموازنة السنوية لعام 2019 على 25 في المائة من مجموع النفقات العامة على الرغم من ان صناعات القطاع الحكومي كانت مزدهرة ومساهمتها في الانتاج المحلي الاجمالي تزيد على 14 في المائة رغم المعوقات التي واجهتها في تلك الفترة، فيما لا تزيد هذه النسبة عن 5 في المائة حاليا وان نسبة منشآت القطاع العام الكبيرة الى مجموع المنشآت الصناعية هي بحدود 15 في المائة في عام 2012 فيما لم تشكل نسبة القطاع المختلط سوى 2 في المائة على العكس من القطاع الخاص الذي تبلغ نسبته 85 في المائة وان معدل نمو رواتب العاملين في القطاع الحكومي 0،03 في المائة حسب احصاءات (الجهاز المركزي للاحصاء).
ان الحكومة تعرف تماما المشكلات الكبرى التي واجهت الصناعة قبل وبعد عام 2003 وما لحق بها جراء الحروب والاوضاع الامنية المتدهورة التي اسهمت في تخريب قاعدتها التحتية وخاصة ما فعله الاحتلال الامريكي انطلاقا من رؤيته الليبرالية المعولمة والسعي لتغيير التركيبة الطبقية لتكون للبرجوازية الطفيلية واخواتها هي المهيمنة في توجيه العملية الاقتصادية ودور المحاصصة في تعيين الادارات الفاشلة والفاسدة وغيرها الكثير.
وبناء على ما تقدم فان الارتقاء بالقطاع الصناعي وتصويب منهجيته يتطلب تهيئة المستلزمات الاولية لخلق بيئة مناسبة لاصلاح الصناعة الوطنية وتحديد اهم مرتكزات تطورها وتجاوز ازمتها من قبل الدولة عبر رؤية واضحة لبناء قطاع صناعي تحويلي متطور قادر على منافسة المنتجات المستوردة عبر منظومة من الاجراءات الفاعلة، وفِي هذا السياق نقدم المقترحات الآتية:
1. ضرورة تحديد معايير الشركاء القادرين ماليا على تطوير الصناعة الوطنية والتأكد من عدم وجود فساد في تاريخهم المهني كي لا تتحول هذه المشاركة الى وسيلة لغسيل الاموال المسروقة اصلا من اموال الدولة ومن قبل الذين تلاحقهم القوانين النافذة.
2. اعادة تأهيل الشركات الحكومية من خلال الاستثمار الحكومي المباشر او من خلال الاستثمار عبر عقود الخدمة بهدف اعادة الحياة للشركات والمصانع المهمة والمربحة لتعود مزدهرة كما كانت واعادة النظر في اداراتها باختيار الكوادر المعروفة بكفاءتها واهليتها وخبرتها العالية.
3. اعادة توزيع المنشآت الصناعية القائمة او المزمع انشاؤها على المحافظات كافة على اساس حجم البطالة وتوافر المواد الاولية ويعتبر نشر المدن الصناعية في المحافظات الاسلوب الافضل لهذا التوزيع.
4. العمل على تمكين القطاع الخاص من المساهمة في توسيع القاعدة التصنيعية وخاصة في المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة من خلال التسهيلات المصرفية بفوائد ميسرة ولآجال طويلة ويمكن للجهاز المصرفي لعب دور كبير في ذلك.