عودة سريعة الى الانتخابات البرلمانية الاخيرة، والقاء نظرة على العزوف الواسع عن المشاركة فيها، توضحان بنحو لا شك فيه تراجع اصوات المتنفذين الى حد كبير، وخسارتهم الفادحة. ويبدو انها ليست مؤقتة، وانما خسارة دائمة يصعب جدا تعويضها، ان لم نقل انها قد تكون اكبر في الانتخابات المقبلة.

 بكلمة موجزة: المتوقع ان تكبر الهوة بين المتنفذين من جانب، ومن كانت تنطلي عليه ادعاءاتهم وخطابهم المداهن.  فالاسباب التي دعت ناخبيهم الى عدم تجديد التصويت لهم ما زالت قائمة، نظرا الى تمسكهم بنهج المحاصصة البغيض، الذي ادى الى الفشل الذريع.

ان عدم الثقة بالقوى المتنفذة وبأدائها وسلوكها، هو ما يكمن وراء تراجع التأييد الذي كانوا يحصلون عليه. وبطبيعة الحال لا يمكن اعادة بناء ثقة الناس بالمتنفذين، ما دام هؤلاء مستمرين في نهجهم المحاصصي، وفي دفاعهم عن الفاشلين، وتقديمهم غير الكفوئين.

لم تعد أساليب الكذب والتدليس والترويج للطائفية تفلح في استقطاب الاتباع. اما شراء الضمائر، فهو وان كان حضوره واضحا بعد، الا انه لا يحقق الغلبة. ذلك ان  من يبدي استعدادا لبيع ضميره، وتأجير وجدانه، لا يمكن ان يشكل رقما موثرا.

وان ما تقدم يعطي الارجحية لقوى الاصلاح على حساب الاطراف المتنفذة، وهذا بحد ذاته نصر ملموس وإن كان غير كافٍ لتأمين الغلبة النهائية لقوى الاصلاح، بما يمكنها من تنفيذ برنامجها دون معوقات وممانعات وعراقيل. والمطلوب التمسك بمشروع الاصلاح والتغيير، وتقديم منجزات ملموسة على هذا الطريق.

صحيح ان الاشارات التي بعثتها قوى الاصلاح ايجابية بوقوفها ضد المحاصصة، واصرارها على ان تكون الوزارت الامنية بيد كفاءات وطنية، ولاؤها للعراق وحسب، وبعيدة عن الاستقطابات الطائفية والحزبية. تضاف الى هذا المواقف الحريصة على الموارد والممتلكات العامة، التي تجلت في مجرى مناقشات الميزانية، ومنها الموقف المشرف بعدم تمرير المادة 14 التي تبيح بيع ممتلكات الدولة بسعر بخس.

هذه المواقف وغيرها مهمة، بل وضرورية لتعزيز الثقة بان ممثلي الاصلاح متمسكون بمشروعهم. فالمطلوب هو ترسيخ نهج الاصلاح، وعدم المساومة عليه في كل الاحوال. والمطلوب ايضا كسب الجمهور المحايد والمتردد، الذي لم يمنح صوته لممثلي الاصلاح في الانتخابات الماضية. كذلك العمل على استقطاب تأييد المواطنين، الذين كانوا مخدوعين بالمتنفذين وبخطابهم المخادع. وهذا لن يحصل بسهولة ويسر، وانما يتطلب من بين امور اخرى، التواصل مع الناس وادامة الصلة معهم، وتوفير المعلومات لهم، والاستماع الى مطالبهم والتعامل معها بجدية وحرص شديدين. كما يتطلب عدم المساومة والمهادنة في مسألة بناء دولة المواطنة والمؤسسات الدستورية، الدولة التي تحقق العدالة والمساواة، وتحترم المواطن وتوفر له الأمن والعيش الكريم.

عرض مقالات: