للصناعات البتروكيمياوية اهمية استرتيجية في تكوين الدخل الوطني لما تتمتع به من دور حيوي في تنمية جميع القطاعات الاقتصادية الاخرى. وعلى الرغم من امتلاك العراق امكانيات وطاقات تكريرية اهلته في سبعينات القرن الماضي لاطلاق صناعات بتروكيمياوية متقدمة الا انها شهدت تراجعا كبيرا بسبب الحروب والاهمال الحكومي استنادا الى منطلقات وتصورات خاطئة . ومن الجدير بالذكران هناك العديد من الشركات والمصانع التي ترتبط بوزارة الصناعة كانت تمارس دورا كبيرا في تغطية احتياجات الوزارات العراقية والسوق بوجه عام من المنتجات البتروكيمياوية من السلع الاستهلاكية والسلع الوسيطة يمكن لها ان تمارس الدور نفسه فيما لو توفرت الارادات الحكومية الجادة في اعادة تاهيلها وتحديث خطوطها الانتاجية عبر ادخال التكنولوجيا والارتقاء بقدرتها التنافسية مع المنتج الاجنبي الذي يسعى الى الهيمنة على السوق العراقي .
ولا يبرر هذا الاهمال المتعمد لاعادة تاهيل المصانع الحكومية التي لعبت دورا كبيرا في المساهمة في الانتاج المحلي الاجمالي وتحويلها الى هياكل متآكلة وغير مربحة، المزاعم الباطلة بكون هذه المصانع فاشلة بطبيعتها اذ ان الامر في جوهره يعود الى طبيعة السياسة الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة القائمة على نمط الاقتصاد الحر في عملية الانتاج وحرية حركة راس المال والسياسة الاستيرادية العشوائية التي لم ترتكز على حاجة السوق والاقتصاد العراقي الفعلية، بل الانفتاح التام على حركة الاقتصاد المعولم الذي تسبب في خنق الصناعة الوطنية وافقدها القدرة على منافسة الشركات متعددة الجنسية التي دخلت السوق كمنافس خطير للصناعة الوطنية وعلى سبيل المثال انشاء معمل جديد للبتروكيمياويات برعاية شركة شل النفطية ذات الاصول البريطانية الهولندية بعقد كلفته (11)مليار دولار ولمدة خمس سنوات مقابل عدم اعادة تأهيل معمل البتروكيمياويات في البصرةالذي كان واحدا من ابرز المعامل في منطقة الشرق الاوسط وبتكاليف اقل .
ان مظاهر التحول في السياسة الاقتصادية من الصناعة الى التجارة لم تكن بعيدة عن دوافع سياسية تمارسها الادارات الاقتصادية بدعم من قوى سياسية نافذة عبر التوجه نحو استبدال الانتاج الوطني باستيراد المنتجات البتروكيمياوية من دول الجوار وخاصة ايران وتماهيا مع هذه السياسات تسعى ايران الى الاستثمار الامثل للمجمعات العشرة للبتروكيمياويات الواقعة في المحافظات الغربية من ايران في كرمنشاه وايلام ولورستان الغربية القريبة من الحدود العراقية واستغلال الامكانيات المتاحة لتصدير منتجاتها الى العراق عبر الممرات الاقتصادية لتغطية حاجة السوق العراقية جاعلة منها سوقا مفتوحة لكافة المنتجات الصناعية والزراعية والحيوانية وعلى هذا المنوال تسعى دول الجوار الاخرى التي تمتلك الطموح نفسه في الاستحواذ على ما يتسع لها من السوق العراقية .
اننا نعتقد ان الوقت قد حان لمراجعة تلك السياسات البائسة التي اسهمت في تدمير الاقتصاد العراقي وفقدانه استقلاليته، والتي جعلت من بلدنا مكبا للنفايات المستوردة ونافذة لخروج العملة الصعبة التي وفرتها الموارد البترولية، ووضع حد لمخاطر الاقتصاد المعولم عبر خيار استقلال الاقتصاد الوطني باتباع منظومة من الاجراءات الممنهجة على وفق استرتيجية واضحة في اهدافها واولوياتها نذكر منها :
1. اجراء عملية مسح للمنظومات الاقتصادية الانتاجية كافة وتحديد اهميتها في عملية الانتاج وامكانية تحولها الى شركات مربحة واعادة تاهيلها عن طريق الاستثمار المباشر والشركات التي لا جدوى من بقائها مع الاخذ بالاعتبار ضمان توفير فرص العمل لعمالها او توفير الضمانات الاجتماعية لمعيشتهم 
2. التنسيق بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومؤسسات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي التابعة لوزارات الدولة بما فيها وزارة الصناعة وهيئة البحث والتطوير الصناعي وهيئة المسح الجيولوجي في وزارة الصناعة وتشكيلات البحث في القطاع الخاص.
3. تفعيل الخطط الخاصة بانتاج الغاز الذي يعد العمود الفقري للصناعات البتروكيمياوية التي تعد من اهم موارد التنمية واكثر القطاعات الاقتصادية اهمية بعد صناعتي النفط والغاز .
4. توطين التقنية عبر تاهيل وتدريب الكادر الوطني وتحويل الافكار الخلاقة الى سلع منتجة في خلق الدخل القومي والتقليل من هجرة الكفاءات والتي تمتلك الخبرة الكافية .

عرض مقالات: