لم تشهد عملية تشكيل الحكومة في العراق منذ التغيير عام ٢٠٠٣ حتى الان ارتباكا وتلكؤا، كالذي شهدته وتشهده حكومة السيد عادل عبد المهدي، التي لم يكتمل تشكيلها بعد رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على التكليف يوم ٢ تشرين الاول ٢٠١٨، وانقضاء أكثر من شهرين منذ تصويت مجلس النواب على المنهاج الوزاري يوم ٢٤ من الشهر نفسه.
والمفارقة ان السيد عبد المهدي حصل على دعم لم يحض به أي من رؤساء الوزراء بعد التغيير، ولم يستثمره كما يجب. فقد اتفق الجميع على منحه الثقة، ولم تعترض المرجعية في النجف على تسميته، ان لم تكن قد رجحت ترشيحه كما يتردد. فيما وضعت تحالفات سائرون والحكمة وبدر والنصر استحقاقاتهم الانتخابي تحت تصرفه، ليختار من يشاء من الوزراء لتنفيذ برنامج الإصلاح دون تدخل منها. وتطلع العراقيون الى رسائل إيجابية من الحكومة وخطوات إصلاحية تسهم في ترميم الثقة، التي تصدعت نتيجة سوء أداء الحكومات السابقة وعدم تقديمها منجزا، وبفعل الفشل في توفير الخدمات الى جانب اتساع ظاهرة الفساد.
والحقيقة اننا كنا نأمل ان تكون تسمية وزراء حكومة السيد عبد المهدي، على وفق معايير صارمة غير قابلة للمساومة، ومنها صفتا الشجاعة والحزم اللتان يعد توفرهما في شخص الوزير تحصيل حاصل، باعتبارهما من اهم الصفات التي على اساسها تمت تسمية رئيس الوزراء. كما جرى التأكيد على معايير أخرى أساسية، منها الكفاءة والنزاهة وابتعاد الوزير عن التحزب والاستقطابات الطائفية.
وهناك كذلك معيار في غاية الأهمية، هو قدرة الوزير على إعادة بناء الثقة المتصدعة. اذ لم يعد المواطنون يثقون بالكثير من الشخصيات التي حكمت، بسبب تلكؤها في أداء الواجب واعتمادها المحسوبية، وبفعل الفساد الذي يتجلى أحد أبرز أوجهه في بيع وشراء المناصب الحكومية. وهذا ما يبدو انه يتكرر للأسف في الوزارة الحالية، حيث أعلن أحد النواب ان منصب مدير عام عرض للبيع. وقد اكتفى رئيس الوزراء بتوبيخ الوزير المعني، حسبما أشيع، ولكن حتى الان لم يتم التحقق من دقة المعلومة. فاذا تأكدت صحتها فتجب إقالة الوزير، وان لم تصح فلا بد من محاسبة النائب.
اما طريقة اختيار الوزراء فاتسمت في الغالب بالارتجال، حيث لم يتم التدقيق المطلوب في اوضاعهم، وجرى عرضهم كمرشحين للتصويت دون منح النواب وقتا كافيا للتعرف على سيرهم الذاتية. وسرعان ما أثيرت على بعض الوزراء إشكالات ذات صلة بالمساءلة والعدالة وشبهات فساد، وفق ما أعلن عدد من النواب في وسائل الاعلام، وأخيرا أثير موضوع ترشيح وزيرة التربية الحالية وقضية انتماء عائلتها الى داعش!
والسؤال الآن هو: كيف يمكن لحكومة تشكلت على النحو المشار اليه، باستثناء بعض الوزراء المهنيين والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، ان تنهض ببرنامج الإصلاح الذي يتطلع اليه المواطنون؟
ليس هناك متسع من الوقت، بل ان المجال ضيق وعلى رئيس الوزراء ان يستثمره لاستكمال تشكيل الوزارة من كفاءات وطنية نزيهة ومهنية وقادرة على تقديم منجز حقيقي. كما لا بد من الاسراع في إجراء تقييم جدي لبقية الوزراء الذين دار حولهم كثير من الكلام، والذين تتوجب الاجابة الشفافة على ما يطرح بشأنهم من امور تتعلق بشبهات الفساد، وحسم ملف اوضاعهم لدى المساءلة والعدالة.