على هامش الاحتفالات الجماهيرية الواسعة بالذكرى الأولى للانتصار على "داعش" وكنسها من الموصل وبقية المدن العراقية، بعد أن كلفت العراق (88) مليار دولار، لإعادة أعمارها، وعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى،  وشروخ اجتماعية يصعب معالجتها في المستقبل المنظور، لاسيما وأن الانتصار العسكري الباهر لم يقترن بإجراءات سياسية واقتصادية اجتماعية تعيد الى العراقيين شيئاً من تماسك النسيج الاجتماعي، وتحيي الأمل بتجاوز الكارثة، وتحصن المواطن من الوقوع مجدداً في فخ الفكر المتطرف، والإرهاب المنفلت، ولذلك عاد القلق والترقب، ليظهرا من جديد، بعد أن رأى الناس بأم أعينهم، كيف استطاعت بقايا "داعش" التي يقدر عددها بين 500 – 600 عنصر فعلي، وهم يقومون بعمليات إرهابية في العديد من مدن العراق، شمالاً وغرباً.

ولا يقتصر الأمر على هذه العمليات التي تنتمي إلى حرب العصابات بعد أن غيّر الداعشيون تكتيكاتهم القتالية، بسبب عدم قدرتهم على مسك الأرض، ومواجهة قواتنا المسلحة الباسلة، فالأخبار تحمل في طياتها العودة إلى الأساليب التي مهدت لاجتياح داعش نفسها ، وخاصة تفشي الفساد المالي والإداري الذي يمثل بؤرة الفشل والتواطؤ والانصياع إلى ما يمليه الآخر، وان كان عدواً للعراق وشعبه.

 الحديث يدور عن مصادرة أراض وسط مدينة الموصل وبيعها بأسعار "متهاودة" لا تقل عن سبعين مليون دينار، رغم أنها لا تزيد على المائتي متر، ورشاوي لم يسمع بها أحد من قبل.

يستحوذ عليها بعض المنتسبين إلى الأجهزة المعنية بحفظ الأمن، وإعادة الحياة الطبيعية إلى سابق عهدها، فضلاً عن التعامل السيئ مع بعض المواطنين في عدد من الإحياء السكنية.

"والأقمش" من كل ذلك أن تقديرات السياسيين بشأن خطورة الأوضاع في المناطق المحررة من "داعش"، تختلف ، بل تتقاطع كلياً، مع تقديرات العسكريين والضباط المسؤولين عن حماية أمن الموصل والمدن الأخرى.

أن كبار السياسيين، يحذرون مما يجري هناك، ويقارنون بصورة لا لبس فيها، بين الفترة التي سبقت اجتياح داعش في 10 حزيران 2014، وبين الفترة الحالية، بينما يصرح العسكريون بالضد تماماً، وأن الأمور تحت السيطرة الكاملة، وكل ما يذكر خلاف ذلك، هو مجرد أضغاث أحلام، ولهذا لم نعد نعرف "البركة بيا حبايه"، كما يقول المثل الشعبي، وضاعت، الحقيقة في دهاليز التصريحات المتضاربة.

لقد تحولت "داعش" إلى ورقة ابتزاز سياسي، تتجاذبها أطراف عديدة، وتوظفها لتمرير مشاريعها الخاصة، وأغلبها لا علاقة له بالمصلحة العامة، وإنما ترتبط ارتباطاً مصيرياً، ومشدودة بألف خيط، بكرسي السلطة، وما يوفره من ظروف مواتية وأجواء، لا تتوفر للصوص العاديين!

أن الحل لا يكمن في القبول بالوضع الراهن، وتنفيذ أملاءات القوى السياسية المجربة، التي أثخنت العراق شعباً ووطناً بالجراح، وهي جراح لا يمكن أن تلتئم أو تشفى إلا بتشكيل حكومة وطنية، كفوءة، ومخلصة للشعب العراقي، حكومة لا تكتفي بالنصر العسكري على أهميته، بل تردفه بإجراءات وقرارات ينتظرها الناس بفارغ الصبر، وفي طليعتها الخلاص من المحاصصة والطائفية السياسية، ومحاربة الفساد دون خوف من أحد، مهما عظم شأنه، ومعاقبة الذين تواطؤوا مع "داعش"  وسلموها ثلث الأراضي العراقية بقصد أو بدونه.

أنه الدرس الأهم في مسيرة شعبنا المبتلى برجال الصدفة وعديمي الكفاءة فهل استوعبناه؟!

عرض مقالات: