أصدرت السلطات الفرنسية المعنية بالمرور، قبل سنوات، قرارا يقضي بإلزام اصحاب السيارات العمومية والخاصة وضع سترة بلون اصفر فسفوري داخل السيارة، لارتدائه عند حدوث عَطَل أو أية مشكلة تستوجب خروج السائق من مركبته.  والقانون ( حتى في الدول المتقدمة) يطبق أول ما يطبق على الشرائح الفقيرة في المجتمع. نعم، هو يشمل الأغنياء بطبيعة الحال، ولكن "الغني" في مأمن من هكذا قانون لأنه اذا لم يكن لديه سائق خاص، فإنه سيغلق أبواب سيارته ويتصل بأقرب شركة للتصليح!

من هنا جاءت فكرة تشكيل مجموعات اصحاب "الجاكيتات" الصفراء ، فهي لا تخلو من مضمون اجتماعي طبقي. واتخذ القرار من قبل مجموعة من المواطنين الفرنسيين المتضررين من ارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية، إثر زيادة سعر الكاز اويل الذي يستخدم في السيارات بدلا من البنزين, وزيادة سعر النفط الأبيض الذي يستخدم في تدفئة المنازل، بحجة الحفاظ على البيئة من التلوث بفعل احتراق هاتين المادتين! ومن المفيد أن نذكر في هذه الحالة أن اصحاب الدخل المحدود غالبا ما يسعون لشراء السيارات التي تسير بالغاز لكونهما، السيارة والوقود، ارخص من تلك التي تسير بالبنزين! أكثر ابناء القرى والأرياف يدفئون منازلهم بالنفط الأبيض لأنه ارخص بكثير من تلك المدفئات التي تعمل بالغار الطبيعي أو بالكهرباء.

انطلقت التظاهرات في منتصف الشهر الماضي من خلال التحشيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي في قلب العاصمة باريس، ، بمساهمة واسعة من مختلف المدن الفرنسية.  وسرعان ما جرى اختيار متحدث رسمي لحركة " الجاكيتات الصفراء ".  ثم تطورت مطالب المحتجين من رفض زيادة أسعار المحروقات إلى فرض ضريبة خاصة على الأثرياء(كان قد رفعها عنهم الرئيس الحالي ماكرون)، ورفع الحد الأدنى للأجور.  وطالبوا ايضا باعتماد "الاستفتاء"، خاصة في القضايا التي تخص مصالح الناس الجوهرية، وطنية كانت أو محلية. وبالرغم مما رافق هذه التظاهرات. من مساس بالممتلكات العامة والخاصة، إلا ان المراقبين المستقلين يتهمون جماعات من اليسار المتطرف واليمين المتطرف وبعض اصحاب السوابق بـ " التكسير" وبالسرقة، وهذا لا يعفي اتهام أفراد من الشرطة، بلباس مدني، بأعمال العنف هذه لغايات في نفس يعقوب! حالهم حال تلك القنوات الفضائية، فرنسية أو اجنبية، التي لا تبث إلا صور العنف والاعتداءات!

أما ما قيل عن القتل في الشوارع الفرنسية ، كما شاهدنا في بعض مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، فهو محض افتراء! لان مقطع الفيديو المشار إليه هو مشهد مقتطع من احد الافلام السينمائية!

ان الحركة ترمي، بشكل عام، إلى تحسين الوضع المعيشي للمواطن الفرنسي، الذي خسر كثيرا من قدرته الشرائية في السنوات الأخيرة. ولهذا حظيت الحركة بدعم النقابات العمالية والطلبة والاتحادات الفلاحية، واذا ما استطاع هؤلاء تحقيق اضراب عام فإنهم يستطيعون ايضاً إسقاط الحكومة أو إرغامها على التراجع عن قراراتها على اقل تقدير.

هذا هو جوهر العمل الخلاق للتظاهرات التي تطالب، بطريقة سلمية، بتحقيق مطالب الشرائح المكتوية بقرارات الحكومات المنتخبة! 

وما أكثر هذه القرارات في عاصمة الرشيد!!

عرض مقالات: