ماذا ارادت هيئة الاعلام والاتصالات ان تقول بكتابها المؤرخ في ٢٤ /١٠/٢٠١٨، والذي عممته على وسائل الاعلام ونشرته عدة مواقع منها، ملزمة إياها فيه "بضرورة إيقاف اي اساءات تصدر بحق الرموز الوطنية والدينية"؟
وشددت الهيئة في كتابها ايضا على "ضرورة تبني الموضوعية والشفافية في نقل الأحداث"، وتوعدت بـ"اتخاذ الاجراءات القانونية بحق الجهات المخالفة"!
فهل ان هذا الكتاب ومضمونه يعبران عن توجه الحكومة الجديدة في التعامل مع وسائل الاعلام؟ وهل كانت الهيئة مطلعة مسبقا على البرنامج الحكومي الذي أعلنه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، فعمدت الى ترجمة فقرته التي تقول بـ "التصدي بقوة لمنع سوء استخدام الحريات والاضرار بالمال العام" على هذا النحو غير المقبول، بل والمرفوض?! علما ان هذه الفقرة حمالة الاوجه في وضع بلدنا الملتبس قالت ايضا "مع التأكيد على توفير الحماية لكل وسائل التعبير التي صرح بها الدستور باعتبارها حقا أساسياً من حقوق الشعب".
وبالعودة الى كتاب الهيئة المثير للجدل في توقيته وفِي مضمونه، نسأل: من هي "الرموز الوطنية والدينية" التي عنتها الهيئة، وهل تندرج ضمن المعصومين؟! إن كان المقصود بالشخصيات الوطنية الاشخاص الذين يمارسون السياسة، فهؤلاء يمكن لهم ان يصيبوا وان يخطئوا، وعليه فهم معرضون للنقد والتصويب في اَي وقت. واذا ارادوا تجنب ذلك، فعليهم مغادرة المسرح السياسي.
أما ما يخص الشخصيات الدينية فمعروف مدى الاحترام والتقدير الذي تتمتع به في بلدنا، لكن حال من يدخل منهم عالم السياسة لا يختلف عن حال الساسة الاصلاء، فهم ايضا قد يصيبون وقد يخطئون، واذا حدث ان تعرضوا الى نقد فليست لذلك علاقة بالدين قدر تعلقه بفعل سياسي ما، قد يكون فيه عدم صواب او ما هو مضر بالمصلحة العامة وفيه نفع شخصي.
اما اذا بقيت الشخصية الدينية بعيدة عن معترك السياسة، فسيختلف الأمر تماما.
وبهذا المعنى فان كتاب هيئة الاعلام والاتصالات يثير أمورا ويولد حساسيات وتأويلات لا نفع فيها، بل وفيها ضرر. وطالما ان الدستور قد حسم الامر فلا ينبغي اَن يكون هناك ما يتقاطع مع ما جاء فيه عن حماية حق التعبير والرأي في أية وسيلة.
فهل تريد الهيئة تحت ذريعة عدم "الإساءة الى الرموز" من قبل وسائل الاعلام، ان تتوقف هذه الوسائل عن ممارسة دورها التنويري والناقد البناء الإيجابي؟ ام تريدها ان تسكت، بالذريعة نفسها، عن ملاحقة الفساد والفاسدين وكشف الملفات، السابقة والجديدة، وما ظهر منها وما بطن، وعن تبيان مواطن الخلل في اداء الدولة ومؤسساتها؟ او تريد من وسائل الاعلام الا تقول، مثلا، ان في الحكومة الجديدة عناصر اشارت تقارير الى مواطن ضعف عندها، ويتوجب على رئيس الوزراء معالجة الامر بأسرع وقت؟!
ان من غير الجائز تقزيم الحرية والممارسة الديمقراطية بأية حجة من الحجج، وتحويل اي منهما الى مجرد "كوة" للتنفيس، فهما حق وواجب ومسؤولية. وان على الحكومة الجديدة توفير كل المستلزمات الضرورية لأداء وسائل الاعلام دورها الرقابي على السلطات الثلاث.

عرض مقالات: