توسعت الهوة بين الشعب والطبقة السياسية المتنفذة ، وغدت الثقة بالحكم نكتةً سَمجة ، وأمست القدرة على تسوية المسارات  قضية تناهز المستحيل ، كون الفساد الإداري والمالي ، قد اجتاح مساحات واسعة في أجهزة الدولة والمجتمع ، حتى أصبح ليس استثناء في المألوف ، وإنما كأنه أمرٌ طبيعي ، وليس ممارسة شاذة ومرفوضة، وذلك بسبب عدم إدانة الفساد والوقوف ضده ، من قبل لا الحكومة ولا القضاء وأجهزته القانونية ، عليه استأسد الفساد وصار وحشاً كاسراً لا طاقة للعراقيين لتحمل عواقب وحشيته المنفلتة ،التي أتت على إمكانيات العيش الطبيعي للناس ، ومن هنا تتأتى كل ضرورات واستحقاقات التغيير بل وحتميته ، بيد أن هناك مصالح لقوى دولية وإقليمية ، تتصارع  بينها وتسعى كل منها ، الى تنصيب حلفائها على دست الحكم ، وهذه الإرادات الأمريكية والتركية و الإيرانية والخليجية ، و امتداداتها من أطراف العملية السياسية ،التي تتمترس كل منها خلف مليشيات مسلحة بشكل جيد .

كل هذه القوى الجبارة ، هي التي تقف بوجه التغيير الذي ينشده الشعب، وكل تلك الإرادات ، رغم صراعها في وحدة المصالح ، تقف بكل قوة وشراسة ضد إرادة الشعب .

وهذا الصراع الدائر بين الشعب العراقي وتلك القوى، يتجلى ويجد تعبيره الفاقع ، منذ عام 2010 في الاحتجاجات والتظاهرات ، واليوم نراه يتطور إلى إعتصامات ، وغداً إلى عصيان ، وبعدها الى إضرابات تشل سير الأمور في البلاد ، لأن السبب الذي أدى الى خروج الناس للتظاهر والاحتجاج  منذُ ذلك الحين الى راهن الظرف ، ظل كما هو ، وسقط الرهان على صبر الناس ، التي تجلدها سياط الفقر والإملاق كل يوم ويزداد ضيمها وهوانها ، الأمر الذي دعاها الى ان تنفض كل أيديها من الطبقة السياسية الفاسدة ، حيث وجدت الناس إنه من غير الممكن أن يأتي منهم ويتكفل عملية التغيير في النظام ، لأنهم سيفتحون ملفات فساده ، من هنا بات من الصعوبة بمكان ، أن يضحي أحد  منهم بحياته من اجل الشعب والوطن ، ويترك الجاه والثروة والامتيازات وينتحر !!  

 ومع بقاء الطبقة السياسية على سابق تفكيرها وإعتقادها بأن سياسة الترهيب والترغيب سوف تنفع في حل الأمور، تظل الأبواب مشرعة لتغيير النظام، بعد ان استحال التغيير في النظام، وهو أمرٌ مرهون بوعي   الشعب ، إذا أراد أن لا يموت بالتقسيط  سوف  يطور الفعاليات الجماهيرية ، من المطالب بالخدمات ، الى مطالب سياسية تنادي بتغيير النظام ، كونه لا يتجاوب مع مطلبها في العيش الكريم ، وظل سادراً في غيه السياسي دون ان يلتفت لما تطلبه جيوش اليتامى والأرامل التي تزداد باستمرار  .

عموم الحال الذي سيسبق تنبؤات المحللين السياسيين وتعداد إحتمالاتهم التي ما انزل الله فيها من سلطان ، كون الحركة الاجتماعية هي اعقد حركات المادة ، لذلك من العسير ضبط السياقات العامة وتحديد صيغة وزمن التغيير القادم في العراق . لكن الأكيد هو وجود وتطور أسباب التغيير وصولً الى حتميته، ولا يكفي الرهان فقط على درجة الفقر، وانما الرهان على وعي المجتمع للفقر ..