يتأكد، يوماً بعد يوم، أن الهدف الحقيقي للرئيس الأميركي في الشرق الأوسط حالياً هو الدفع نحو إقامة المزيد من علاقات التطبيع بين الدول العربية والإسلامية، من جهة، وإسرائيل، من جهة ثانية، وأن سعيه الحثيث إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة كان بمثابة خطوة تمهيدية لبلوغ "الشرق الأوسط الجديد" الذي يطمح إليه، كما كان تعبيراً عن رغبته في "إنقاذ إسرائيل من نفسها"، من خلال وقف سيرورة العزلة الدولية المتفاقمة التي صارت تعاني منها جراء استمرار حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة، فضلاً عن تراجع نفوذها وسط المجتمع الأميركي وداخل الكونغرس، وهو ما اعترف به دونالد ترامب صراحة. وبغية تحقيق هدف التطبيع، عبّر الرئيس الأميركي عن معارضته الحازمة قيام إسرائيل بالضم العلني للضفة الغربية المحتلة، وهي المعارضة التي تبناها مبعوثوه الذين توافدوا خلال الأسبوع الماضي على إسرائيل.

"إنقاذ إسرائيل من نفسها"

في المقابلة الصحفية التي أجراها مع مجلة "تايم"، ونُشرت في 23 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أكد دونالد ترامب أنه ضغط على بنيامين نتنياهو كي يوقف الحرب على قطاع غزة، وذلك لوقف تدهور مكانة إسرائيل على الساحة الدولية، وقال للصحافي الذي أجرى المقابلة: "قلت له خلال مكالمة هاتفية: بيبي، لا يمكنك محاربة العالم أجمع؛ يمكنك خوض معارك فردية، لكن العالم كله ضدك، وإسرائيل دولة صغيرة جداً مقارنة ببقية العالم". وتوجّه إلى الصحافي بالقول: "كما تعلم، أوقفتها، لأنها كانت ستستمر، كان من الممكن أن تستمر لسنوات، وأوقفتها، واتحد الجميع عندما أوقفتها، كان الأمر مذهلاً". ووصف الرئيس الأميركي محاولة إسرائيل استهداف قادة حركة "حماس" في قطر بأنها "خطأ فادح"، لكنه قال "إنها ساهمت في خلق زخم للاتفاق"، وأضاف: "عندما ارتكب [نتنياهو] ذلك الخطأ التكتيكي، ذاك الذي ارتكبه مع قطر، كان خطأً فادحاً، لكن في الواقع، وقد قلتُ هذا للأمير [القطري]، كان ذلك أحد الأمور التي جمعتنا جميعاً، لأنه كان خارجاً عن المألوف لدرجة أنه دفع الجميع إلى القيام بما يجب القيام به".

وكان بنيامين نتنياهو قد نفى في 19 من هذا الشهر، خلال ظهوره على القناة 14، وهي قناة موالية له، أن يكون الرئيس الأميركي قد فرض عليه التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وقال: "ترامب لم يفرض عليّ الهدنة؛ الحرب ستنتهي عندما تنزع حماس سلاحها"، وأعلن "نُصر على تنفيذ الاتفاق بكامله، بما في ذلك إعادة جميع الأسرى القتلى ونزع سلاح حماس"، مسلطاً الضوء على دوره في صياغة خطة الرئيس الأميركي المكونة من عشرين نقطة، وقال: "لم يفرض عليّ هذا الاتفاق، لأنني تعاونت معه في صياغته"، مضيفاً أنه "أجرى تغييرات إيجابية للغاية عليه لصالح دولة إسرائيل" حتى أثناء وجوده في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأنهى حديثه بالقول: "قال ترامب إنه لم يسبق أن كان هناك مثل هذا التنسيق الوثيق بين رئيس أميركي ورئيس وزراء إسرائيلي، وهو محق".

"لا لخطط الضم"

في 25 أيلول/سبتمبر الفائت، أعلن دونالد ترامب، في رد غير مباشر على وزراء إسرائيليين طرحوا فكرة ضم الضفة الغربية بعد قيام عدة دول غربية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، أنه "لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية"، وأضاف: "لا، لن أسمح بذلك، وهذا لن يحصل"، وأعاد القول: "لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، هذا يكفي، وحان الوقت للتوقف عن ذلك الآن"[3].

وفي المقابلة المذكورة التي أجرتها معه مجلة "تايم"، وقيل إنها سُجلت في 15 من هذا الشهر، حذّر الرئيس الأميركي إسرائيل من أنها "ستفقد دعم الولايات المتحدة إذا ضمت الضفة الغربية". وعندما سُئل عن خطط الضم هذه، أجاب: "لن يحدث ذلك، لن يحدث لأنني وعدتُ الدول العربية... لقد حظينا بدعم عربي كبير، ولن يحدث لأنني قطعت وعداً لتلك الدول، وإذا ما أقدمت إسرائيل على ذلك، فستفقد كل دعمها من الولايات المتحدة"، وأضاف مخاطباً الإسرائيليين: "لا يمكنكم فعل ذلك الآن؛ ستفقد إسرائيل كل دعم الولايات المتحدة إذا حدث ذلك".

وكان نص هذه المقابلة قد نُشر في الوقت الذي عبّر فيه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الذي كان يزور إسرائيل، عن استيائه الشديد من تصويت الكنيست، في 22 من هذا الشهر، على دراسة مشروعي قانونين يهدفان إلى توسيع السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وقال "إنه شعر بالخداع، بعد أن قيل له إن الخطوة رمزية فقط"، وأضاف، في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام: "كان الأمر غريباً جداً، وشعرت بالحيرة الشديدة. أُخبرت مراراً أن التصويت رمزي، ولا يُقصد به سوى كسب نقاط سياسية داخلية؛ إذا كان ذلك صحيحاً، فهو تصرّف غبيّ حقاً، وأنا مستاء منه". وكانت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي صادقت بالقراءة التمهيدية، على مشروعَي قانونين ينصّان على فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية، وعلى مستوطنة "معاليه أدوميم"، وذلك بأغلبية 25 صوتاً، في مقابل 24 صوتاً معارضاً.

من جهته، حذّر وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، من أن إقرار الكنيست الإسرائيلي مشاريع قوانين تهدف إلى توسيع السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية قد "يهدد" الهدنة في قطاع غزة. وقال للصحافيين أثناء مغادرته إلى إسرائيل، في 22 من هذا الشهر: "أعتقد أن الرئيس (دونالد ترامب) حرص على ألا ندعم هذا الأمر في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أن ذلك "سيهدد" وقف إطلاق النار وسيكون "غير مثمر". وأضاف روبيو: "هذه ديمقراطية، سيصوتون...لكن في الوقت الحالي، نعتقد أن هذا قد يأتي بنتائج عكسية". ورداً عن سؤال حول تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، قال: "نحن قلقون بشأن أي شيء يهدد بزعزعة استقرار ثمار جهودنا".

الثقة باستئناف انطلاق قطار التطبيع

في المقابلة نفسها مع مجلة "تايم"، أعرب دونالد ترامب عن ثقته في أن المملكة العربية السعودية ستُطبّع العلاقات مع إسرائيل بحلول نهاية هذا العام، وقال رداً عن سؤال حول تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل: "أعتقد أننا قريبون جداً [من ذلك]، أعتقد أن السعودية ستقود الطريق"، وأضاف: "كانت لديهم مشكلة مع غزة وأخرى مع إيران؛ الآن، زالت هاتان المشكلتان...لم يعد هناك تهديد إيراني (بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية في الربيع). لدينا سلام في الشرق الأوسط"، مؤكداً أنه "كان يعلم أن الدول ستنضم بسرعة كبيرة إلى اتفاقيات إبراهيم". وعندما سُئل عما إذا كان هذا سيحدث قبل نهاية هذا العام، أجاب: "نعم، أعتقد ذلك"[7]. وكان الرئيس الأميركي قد أعلن، في الخطاب الذي ألقاه في الكنيست في 13 من هذا الشهر، أن انتهاء الحرب في قطاع غزة، ستمثل "نهاية لعصر الإرهاب والموت"، وأن العصر الجديد "سيكون عصراً ذهبياً لإسرائيل والشرق الأوسط"، وخاطب الإسرائيليين بقوله: "إسرائيل حققت كل ما يمكن تحقيقه بالقوة العسكرية، والآن حان الوقت لتحويل هذه الإنجازات ضد الإرهابيين في ساحة المعركة إلى الجائزة الكبرى؛ السلام والازدهار في جميع أنحاء الشرق الأوسط"[8]. وأعلن بنيامين نتنياهو، من جانبه، عزمه على مواصلة مسار "اتفاقيات إبراهيم" مع دونالد ترامب، وخاطبه بقوله: "تحت قيادتك، يُمكننا إبرام معاهدات سلام جديدة مع الدول العربية في المنطقة والدول الإسلامية خارجها". وفي قمة شرم الشيخ، التي عُقدت في اليوم نفسه، كرر دونالد ترامب رغبته في رؤية "الجميع يلتزمون باتفاقيات إبراهيم".

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده في إسرائيل يوم الجمعة في 24 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، كان وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أكثر وضوحاً عندما أثار إمكانية حدوث المزيد من التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي عقب وقف إطلاق النار، قائلاً إن التطبيع الإقليمي الأوسع "قد يكون نتيجة طبيعية للتقدم المحرز". وفي إشارة إلى "اتفاقيات إبراهيم" لسنة 2020 بين إسرائيل وأربع دول عربية، قال إن واشنطن تريد "ضم أكبر عدد ممكن من الأعضاء" من بين الموقعين، وأضاف: "ما نقوم به هنا يمكن أن يُسهم في خلق زخم لمزيد من الاتفاقيات"، رافضاً تحديد الدول التي قد تُطبّع علاقاتها مع إسرائيل قريباً. وأوضح قائلاً: "لن أذكر أسماء؛ فالأمر متروك لكل دولة للإعلان عنه؛ هناك بعض الدول التي يُمكننا إضافتها الآن إذا أردنا، لكننا نريد القيام بذلك بطريقة طموحة ومستدامة - هذا ما نعمل عليه".

هل رفض الضم نهائي أو هو مؤجل الآن؟

يلفت نظر المحلل أن رفض الرئيس دونالد ترامب خطط الضم ترافق مع كلمة "الآن"، إذ قال في 25 أيلول/سبتمبر الفائت، ثم في المقابلة مع مجلة "تايم": "لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، هذا يكفي، وحان الوقت للتوقف عن ذلك الآن"، وخاطب الإسرائيليين بقوله: "لا يمكنكم فعل ذلك الآن". وفي الاتجاه نفسه، قال وزير خارجيته، ماركو روبيو، للصحافيين أثناء مغادرته إلى إسرائيل، في 22 من هذا الشهر: "أعتقد أن الرئيس (دونالد ترامب) حرص على ألا ندعم هذا الأمر في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أن ذلك "سيهدد" وقف إطلاق النار وسيكون "غير مثمر".

وهكذا يبدو أن رفض إدارة دونالد ترامب قيام إسرائيل بضم الضفة الغربية هو رفض ظرفي، وذلك إلى أن يتم ترتيب هندسة "الشرق الأوسط الجديد"، عبر توسيع اتفاقيات التطبيع العربية والإسلامية مع إسرائيل.

وما يزكي هذا الاستنتاج أن مسألة ضم الضفة الغربية، واحتمال تأييد هذه الإدارة له، كانت مسألة مطروحة منذ ولاية دونالد ترامب الرئاسية الأولى، ذلك أن السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان وهو مؤيد متحمس للاستيطان اليهودي، اعترف، في 9 حزيران/يونيو 2019، بحق إسرائيل في ضم "جزء" من الضفة الغربية المحتلة، وقال: "آخر ما يحتاجه العالم هو دولة فلسطينية فاشلة بين إسرائيل والأردن"[11]. وعشية تنصيبه للولاية الرئاسية الثانية، دعا دونالد ترامب زعماء المستوطنين في مجلس المستوطنات (مجلس يشع) إلى واشنطن لحضور حفل تنصيبه، ثم أصدر أمراً تنفيذياً يقضي بإلغاء العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن على غلاة هؤلاء المستوطنين، وأوكل وزارة الخارجية إلى ماركو روبيو، الذي صرّح في إحدى المناسبات، بصفته عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، أن المستوطنين "الذين يعيشون بصورة شرعية في وطنهم التاريخي ليسوا العائق أمام السلام"، كما عيّن لدى إسرائيل سفيراً، هو مايك هاكابي، الحاكم السابق لولاية أركنساس، الذي لا يؤيد ضم الضفة الغربية فحسب، بل ينكر كذلك وجود الفلسطينيين بصفتهم شعباً. وفي مطلع شباط/فبراير 2025، طرح الرئيس دونالد ترامب إمكانية ضم إسرائيل الضفة الغربية، مؤكداً على صغر حجمها مقارنة بجيرانها. وفي حديثه مع الصحافيين، استخدم عرضاً بصرياً لتوضيح وجهة نظره، فقال: "انظروا إلى هذا القلم، هذا القلم الجميل؛ إذا كانت طاولتي تمثل الشرق الأوسط، فإن هذا القلم - رأس القلم - يمثل إسرائيل"، وأضاف: "هذا ليس جيداً، أليس كذلك؟ هناك فرق كبير جداً... إنها قطعة أرض صغيرة جداً"، وأعرب عن إعجابه بإنجازات إسرائيل رغم هذا القيد الجغرافي بقوله: "من المذهل ما تمكنوا من تحقيقه عندما نفكر في الأمر، لديهم قدرات فكرية هائلة، لكنها قطعة أرض صغيرة، لا شك في ذلك". وصرّح، في الخامس من ذلك الشهر، أنه سيتخذ قراراً بشأن ضم إسرائيلي محتمل للضفة الغربية خلال الأسابيع الأربعة المقبلة.

دعم الاستيطان اليهودي والتأكيد على علاقات التحالف الوثيق مع إسرائيل

خلافاً للإدارات الأميركية السابقة، لا تنتقد إدارة الرئيس دونالد ترامب مخططات الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة بل تدعمها، وآخرها المخطط الذي أقرته حكومة بنيامين نتنياهو، في آب/أغسطس الماضي، والقاضي ببناء 3400 وحدة سكنية في المنطقة الواقعة إلى الشرق من مدينة القدس المحتلة، الذي سيفصل شمال الضفة عن جنوبها ويقطع التواصل بين القدس والحدود الأردنية، ويحول بالتالي عملياً دون إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً. وعلى الرغم من التباين في المواقف الذي يظهر أحياناً بين إدارة دونالد ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو، فإن مسؤولي هذه الإدارة لا يفوتون فرصة للتأكيد على التحالف الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا ما أكد عليه الرئيس دونالد ترامب بوضوح خلال خطابه أمام الكنبيت، وما أكد عليه وزير خارجيته، في 23 من هذا الشهر، خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما أشار إلى الزيارات الأخيرة لستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر، ونائب الرئيس، التي سبقت زيارته إلى إسرائيل، ورأى فيها تجسيداً لـ "الرغبة المشتركة في تعزيز الشراكة الأميركية الإسرائيلية خلال هذه الفترة المفصلية". بينما رأى فيها نتنياهو "علامة على الصداقة والشراكة"، التي "تُظهر قوة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة"، وأضاف: "نواجه أياماً حاسمة؛ معاً، يُمكننا مواجهة التحديات الأمنية واغتنام الفرص".

وكان مارك روبيو قد رفض في 24 من هذا الشهر، في المؤتمر الصحفي الذي عقده في "مركز التنسيق المدني العسكري الأميركي الإسرائيلي" في كريات غات، الذي يشرف على تنفيذ وقف إطلاق النار في قطاع غزة، فكرة أن إسرائيل ستحتاج إلى "تفويض" أميركي لاستئناف القتال ضد حركة "حماس" إذا استمرت هذه الحركة "في تشكيل تهديد"، واستبعد أي مشاركة لوكالة "الأونروا" في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، واصفاً الوكالة الأممية بأنها "تابعة لحماس"، وأشار إلى أن إسرائيل يجب أن "تكون قادرة على التعامل بارتياح" مع "قوة الاستقرار الدولية" التي تُرابط قواتها على الأرض. وفيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، أقرّ روبيو "بضرورة الإصلاح قبل أن تُمنح دوراً في غزة"، مضيفاً أن هذا الاحتمال "لم يُحدد بعد، إن كان لها دور أصلًا"، وأن "الحكم المستقبلي لغزة يجب أن يُطوّر بصورة جماعية مع إسرائيل والشركاء الإقليميين؛ ولكي ينجح هذا، يجب أن يشارك الجميع".

 

عرض مقالات: