المقدمة 

       تمنحنا الحياة دوما الوسائل والوسائط التي يتيح استخدامها، إمكانية الخروج من الأزمات والاختناقات التي تسد طريق النمو والنهوض، وبحكم أن هذه الأدوات التي يراد لها أن تكون منقذة من هذه الاختناقات إلا إن هذا الخروج  لا يكون دائما بنفس الوتيرة من النجاح بحكم اصطدامه بآلية  إسلوف الإنتاج ألرأسمالي وحركته وقوانينه الموضوعية التي هي خالقة ومسببة لهذه الاختناقات .فقد دأب كل الذين حاولوا معالجة تلك الاختناقات، على أن تدور معالجاتهم تلك  في فلك الحلول التي تطرحها آلية السوق ألرأسمالية، وتميل إلى طرح المزيد من فيض السكان النسبي وتسريح المزيد من القوى العاملة عن العمل، ربما قد تؤدي بعض هذه الحلول إلى نهوض عدد من المؤسسات الاقتصادية وانتعاشها ولكن سرعان ما يصيبها الركود والأزمة مرة أخرى نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي العام وانخفاض الناتج المحلي ألإجمالي لعدة أشهر متتالية ألأمر الذي يؤدي إلى فشل الأعمال التجارية وانهيارات البنوك والنمو البطيء في الإنتاج وارتفاع جديد في معدلات البطالة وإلى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية وإلى الفشل في إدارة المؤسسات والشركات. دون أن ينتبه واضعو الحلول إلى النقص في عملهم الذي كان يعيد إنتاج المشاكل بعد فترة وجيزة. 

 وحدث ما لم يكن في حسبان هؤلاء، إذ حدثت في العالم معجزتان كبيرتان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد خرجت كل من المانيا واليابان من هذه الحرب وهما محطمتان تماما، من الناحية البشرية والاقتصادية، وكانت هناك ضرورة قصوى لإعادة بناء وإعمار هاتين الدولتين وإعمار وبناء أوربا التي تضررت هي الأخرى من الحرب. 

  المعجزة الألمانية. 

   ونعني بها عملية النهوض التي جرت في المانيا بعد خروجها محطمة من الحرب العالمية الثانية سمي هذا النهوض باسم " مدرسة فرايبورغ أو السوق الحرة الاجتماعية”. يرجع الدور الرئيسي بها إلى العالم الألماني الفذ " والتر أوكن " الذي بنيت أفكاره على أساس مبدأ السوق الحرة الاشتراكية والسماح للدولة بالتدخل وبالذات في وضع القوانين الصارمة التي تجنب البلاد نشوء الاحتكارات، والقوانين التي تضع نظام رعاية اجتماعية لحماية الأفراد الذين يكونون في الحالات الاقتصادية الصعبة. ثم يليه أحد تلامذته ألبارزين ويدعى " لودفيج أيرهارد " الذي أصبح يعرف باسم " أبو المعجزة الاقتصادية ألألمانية " 

  خطوات أيرهارد: 

 1) سك عملة ألمانية جديدة، فالعملة القديمة كانت قد فقدت قيمتها، وسمح تبديل العملة من سحب نسبة عالية من العملة التي كانت متكدسة لدى الناس، وهذا أدى إلى الحد من التدهور المالي لدى الأشخاص والشركات. 

2) تخفيض الضرائب لزيادة الإنفاق والاستثمار 

هاتان الخطوتان دعت التجار والناس إلى إعادة الثقة بالعملة الجديدة التي لها قيمة حقيقية فانتعشت التجارة وتم القضاء على المقايضة والسوق السوداء وتم توظيف الأوضاع الدولية في أعقاب سقوط المانيا الهتلرية وسطوع قوة الاتحاد السوفيتي ودوره الكبير في هذا السقوط وولادة دول المنظومة الاشتراكية وبروز سياسة الحرب الباردة على المسرح الدولي، حيث قدمت أمريكا المساعدات المالية لدول أوربا وغيرها من خلال خطة مارشال التي أمدت المانيا المنكوبة (وقتها) بالمساعدات التي وظفتها بالشكل البناء. 

المعجزة الاقتصادية اليابانية 

سميت هذه المعجزة بالظاهرة التاريخية سارت هذه المعجزة عبر طريقين :

ألطريق الأول والذي كان هو الطريق الرئيسي وهو طريق التدخل الاقتصادي للحكومة اليابانية الأمر الذي مكن من صمود الاقتصاد الياباني أمام الركود الكبير، فما كان من الحكومة اليابانية التي وعت دورها في دفع النمو الاقتصادي في القطاع الخاص أولا فسنت القوانين وتشريعات الحماية التي حدت من الأزمات الاقتصادية، وتوجهت لاحقا إلى توسيع التجارة وضبطتها. 

الطريق الثاني والذي ساعد جزئيا في النمو وهو الاستفادة من الحرب الباردة ومن مساعدات ومعونات الولايات المتحدة جراء خطة مارشال وخاصة بعد نهاية الحرب الكورية. 

الخلاصة: 

في هاتين المعجزتين لاحظنا التأثير الكبير الذي لعبته الدولة في تدخلها المباشر في سنها القوانين البناءة وفي تحديد المسار المؤثر لهذه القوانين لا سيما وإن كلا من المانيا واليابان وكذلك قارة أوربا كانوا محطمين اقتصاديا وبشريا وأبنية تحتية وإن اليابان نفسها ضربت بقنبلتين ذريتين في هيروشيما وناكازاكي. 

 فما الذي فعلته الدولة؟ 

  • فرض رسوم كمركية على الواردات 
  • حماية البضائع التي تواجه منافسة من الواردات الرخيصة 
  • تشجيع الإنتاج المحلي في الزراعة والصناعة 
  • تقليل الضغط على العملات ألأجنبية 
  • إدارة الأزمات بحكمة والتعامل الناجح مع الملفات الاقتصادية 
  • التنبؤ بحدوث الأزمة قبل وقوعها. 

بذلك انتبه الكثير من المنظرين الرأسماليين وكذلك الأمم المتحدة إلى أهمية الدور الذي تقوم فيه الدولة سواء أثناء الأزمات أو بدونها. 

 عموما إن ذلك أجبر الرأسماليين ومفكريهم على الرجوع لأهمية الدور المنقذ للدولة خاصة عند حدوث الأزمات، رغم أن غالبيتهم من المنادين بآلية اقتصاد السوق وبابتعاد الدولة عن الاقتصاد، إلا أنهم أصبحوا مضطرين إلى الإقرار بدور الدولة وخاصة في أعقاب الأزمة التي المت في النظام الرأسمالي والعالم في 2008 م التي أثارت الشكوك على قدرة النظام الرأسمالي على الصمود. 

ابتدأ تدخل الدولة لرأسمالية في الاقتصاد المأزوم في حده الأدنى، حيث عادوا إلى تعاليم الاقتصادي ألإنكليزي المشهور آدم سميث سنة 1776م الذي أكد " إن السوق هو أفضل أداة لتحقيق النمو وتحسين الرفاه إنه يتعين على الدولة على الدولة القيام بدور تنظيمي من خلال توفير السلع العامة وسن القوانين والتشريعات وحفظ الأمن والنظام والدفاع " 

وعجلت أزمة الكساد الكبير سنة 1929م والسنوات التالية لها من تطور دور الدولة في الفكر الاقتصادي، حيث حدث تحول في دور الدولة من الدولة الحامية للنظام إلى الدولة الفعالة في النشاط الاقتصادي نفسه اعتمادا على الإنفاق الحكومي في المجالات الائتمانية ورفع مستوى الطلب الفعال ومن خلال التكامل في دور الدولة وآليات السوق بحيث يتم: 

 * في حالة فشل آليات السوق تتدخل الدولة 

*وعندما تبرز مظاهر فشل الحكومات، تلعب قوى وآليات السوق دورا محوريا. 

 فكان التحدي الحقيقي لإمكانية ومقدرة النظام ألرأسمالي على التكيف مع الظروف الصعبة وتجاوزها هو إيجاد التوازن المعقول بين دور الدولة في مقابل آليات السوق وبين النشاط الحكومي وغير الحكومي. فأسفرت البحوث عن المضي في الدراسات المتعلقة في إمكانيات الدولة والحاجة اليها وإلى دورها حتى في غير أيام الأزمات فوصلت الينا البحوث عن الحكم الرشيد وعن الحوكمة الرشيدة. وعن التنمية المستدامة لاسيما بعد أن زال الحذر لدى العديد من المنظرين الرأسماليين من الخوض في مسألة الدور الاقتصادي للدولة، فكيفوا عددا من المفاهيم التي تدور في مواضيع إدارة المؤسسات والشركات العامة لتكون ملائمة أيضا لتدل على الدور الفاعل للدولة اقتصاديا في الاقتصاد ألرأسمالي ووجدوا ضالتهم في أرشيف المعالجات الرأسمالية في هذا الموضوع الشائك بالنسبة لهم. 

 كيف ظهر إلى العلن مفهوم التنمية المستدامة؟ 

     لدينا تواريخ مهمة ورد خلالها ذكر هذا الموضوع عالميا، التاريخ الأول في عام 1972م جاء الحديث عن التنمية المستدامة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية الذي عقد في السويد، حيث تبنى المؤتمر عددا من أهداف التنمية المستدامة ذات الصلة المباشرة بالبيئة وهي كما جاءت في البيان: 

الهدف 6: مياه نظيفة وصرف صحي 

الهدف 7: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة 

الهدف 11: مدن ومجتمعات مستدامة 

الهدف 12: استهلاك وإنتاج مسؤولان 

الهدف 13: العمل المناخي 

الهدف 14: الحياة تحت الماء 

الهدف 15: الحياة على الأرض 

وفي عام 1980م ورد ذكر للتنمية المستدامة في منشور أصدره الاتحاد الدولي من أجل حماية البيئة، هذا الاتحاد الذي اسس في عام 1948م أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ليعالج آثارها البيئية. 

وأتخذ مفهوم التنمية المستدامة  بعد عام 1987م  أبعادا جديدة ، خاصة عندما  جاء ذكره في تقرير " مستقبلنا المشترك " في نفس العام وهو الذي قدم من قبل ( غيرو هارلم بروندتلاند ) رئيسة وزراء النرويج. حيث أصبح شعارا لكافة المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية 

فما هي التنمية المستدامة؟ 

إنها التنمية التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية لأي جانب والأبعاد الاقتصادية لحسن استغلال الموارد المتاحة لتلبية حاجات الأفراد مع الاحتفاظ بحق الأجيال ألقادمة ومواجهة خطر التدهور البيئي مع عدم التخلي عن التنمية الاقتصادية وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. 

 إذن التنمية المستدامة تتطلب تحسين ظروف المعيشة لجميع الأفراد، دون الزيادة في استخدام الموارد الطبيعية. 

فهي إذن: 

  النمو الاقتصادي 

حفظ الموارد الطبيعية والبيئة 

التنمية الاجتماعية 

 وعندما ندقق مليا بهذه المهام سنجدها من مهام الدولة وبالذات الدولة التي تضع مصلحة الناس فوق كل اعتبار دون أن تهمل المصالح الأخرى. من الأمور الأخرى التي جرى الخوض بها هي مسألة الحكم الرشيد. 

هذا المفهوم القديم كان أول ظهوره في اللغة الفرنسية في القرن الثالث عشر كمصطلح مرادف لمصطلح الحكومة، ثم ظهر كمصطلح قانوني في 1978م ليستعمل في نطاق واسع معبر عن تكاليف التسيير (charge de gouvernance)  من هنا يتضح ألأصل الفرنسي للكلمة. ومن هنا يتضح أيضا وخاصة من الكلمة gouvernance) ا) لتي تعبر عن أسلوب أو طريقة للحكم تسيير أعمال منظمة قد تكون دولة أو مجموعة من الدول أو مؤسسات عمومية أو خاصة.  

فالحكم الرشيد هو مفهوم يعبر عن موضوعة سياسية حديثة في الإدارة وفي إدارة المجتمعات بحكمة ورشاد وهو يعني 

  1. قيم ومؤشرات الجودة السياسية 
  2. الاستثمار الأمثل للموارد البشرية والمادية والمصرفية 
  3. الكفاءة والشفافية والفاعلية 
  4. سيادة القانون 
  5. التناوب في الحكم  
  6. الرقابة والمحاسبة والمساءلة 

وعند الربط ما بين معطيات الحكم الرشيد وبين التنمية المستدامة سنجد إن الحكم الرشيد يتكامل بها. وكذلك سيتكامل بالديمقراطية وبحقوق الإنسان المساواة والعدالة ومنع الفساد ومكافحته، لذلك فإن الحكم الرشيد هو أساسا عملية تقوم بموجبها ألمؤسسات العامة والدولة ومؤسساتها بتسيير الشؤون العامة وإدارة الموارد العامة بشكل مستدام وضمان أعمال حقوق الإنسان. وبذلك فإن تسيير الشؤون العامة يكون وفق الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، والمشاركة الفعالة، وسيادة القانون، والشراكات المتعددة للجهات الفاعلة ووفق التعددية السياسية، وحق الحصول على المعلومات، والمواقف والقيم التي تعزز المسؤولية الفردية والجماعية التضامن والتسامح. إضافة لما ورد ذكره من صفات

الحوكمة 

ظهر هذا المصطلح في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين الماضي وحتم ظهوره وتطور استعماله وتوسع هذا الاستعمال نتيجة الأزمات المتكررة في النظام ألرأسمالي العالمي، وخاصة الأزمات الاقتصادية الدورية المتكررة. ونتيجة العجز الواضح والتقصير في نظم إدارة المؤسسات والشركات الرأسمالية، فقد رأى المنظرون وصناع القرار، إن العطل يكمن في كيفية إدارة هذه المؤسسات، غاضين النظر عن عيوب الملكية الفردية لوسائل الإنتاج وسعيها المحموم للاستحواذ على عمل المنتجين الحقيقين ونتاج هذا العمل. فوجدوا الحل في هذه الكلمة السحرية " الحوكمة " وبحثوا في جذورها التاريخية، ولكن قبل التوغل في الجذور التاريخية هذه، أود أن أوضح إن جوهر الحل الذي أوجدوه يكمن في الدور الفاعل للدولة في العمليات وفي تصريف شؤون البلد المعني، هذا الدور الذي ينكره النظام الرأسمالي العالمي، ويتعمد منظروه استبعاده.   

   تعريف الحوكمة. 

  هناك عدة تعاريف لها ولكن كلها تجمع على إنها الأسلوب أو الطريقة التي يتم بها التعامل مع المؤسسة وكيفية إدارة شؤونها. والإشراف عليها بشكل عام. وهذه التعاريف لها نفس الجوهر الذي هو حماية لأقلية وحماية المساهمين. 

التعريف الأول:  

  هو تعاون بين ثلاث مجموعات من الجهات الفاعلة التي هي الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص في تصريف شؤون البلد على جميع المستويات، ولو وقفنا مدققين في عناصر هذا التعريف التي هي: 

الدولة. 

التي يجب وبالضرورة أنها دولة سليمة تعبر عن الحكم الرشيد.........1 

الدولة السليمة تعني: 

  1. مشاركة جميع المواطنين في صنع القرار 
  2. سيادة القانون والعدالة من دون تفرقة 
  3. الشفافية وتطبيق حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات 
  4. تساوي المواطنين في فرص تحسين معيشتهم 
  5. المساءلة أي أن يكون صناع القرار مسؤولين أمام رأي الجمهور العام   
  6. الرؤية الاستراتيجية أي فهم الماضي لبناء المستقبل  

المجتمع المدني: 

 هو في حالتنا هذه كل من له مصلحة في الأداء الناجح والسليم للمؤسسة، فلذلك فإن هذا المجتمع يشمل كل المتعاملين والمستفيدين منها وما يسمون أصحاب المصلحة بما فيها المؤسسات الأخرى التي يتم التعاون معها .......2 وهو كذلك كل المنظمات والجمعيات والنوادي والنقابات......الخ  

القطاع الخاص 

   المجموعة الثالثة من الجهات الفاعلة في تصريف البلد على المستويات الاقتصادية والقانونية والإدارية وتأمين السلامة العامة من المخاطر والتنمية البشرية ورفع الكفاءة وتطوير المعارف. 

 وهو هنا يشمل كل حملة الأسهم وكل العاملين في الإدارة .

التعريف الثاني: 

إنها نظام متكامل فصلت عناصره وآلياته في تعريف الأمم المتحدة: 

" ميزت الأمم المتحدة ثمانية عناصر أساسية للحوكمة " هي 

  1. المشاركة في اتخاذ القرارات 
  2. التوافق بين الجهات المشاركة في إدارة شؤون الدولة .......3 
  3. المساءلة  
  4. الشفافية 
  5. الاستجابة لمتطلبات الناس 
  6. الفعالية والكفاءة 
  7. الإنصاف والشمول.......(العدالة الاجتماعية ...علي) 
  8. سيادة القانون 

 التعريف الثالث 

  وهو التعريف الذي قدمه الدكتور شرف جمال مدير معهد الحوكمة في فيديو مفيد يمكن الحصول عليه من الجوجل  أو اليوتوب 

" هي النظام الذي من خلاله يتم توجيه أي مؤسسة والإشراف عليها بشكل عام" 

ولكون الحوكمة كما توضح في اعلاه لها أبعاد مختلفة منها القانوني، ألإداري والمالي وتأمين السلامة من المخاطر وهي في نهاية الأمر منظومة متكاملة لتوجيه أي مؤسسة من أجل الإشراف والرقابة عليها من أجل النجاح والاستدامة. 

ما هي المنظومة المتكاملة: 

هي المنظومة التي: 

  1. لها صلاحيات واسعة في المؤسسة 
  2. لها قيادة عليا 
  3. لها قيادة تنفيذية 
  4. لها قيمة إشراقية ورقابية 
  5. لها إطار تشريعي في هذه المؤسسة 
  6. هناك آليات خاصة في تحديد المخاطر التي تتعرض لها المؤسسة 
  7. لها آليات خاصة في التعامل مع أصحاب المصالح المختلفين سواء أكانوا عملاء أو متعاملين أو مؤسسات أخرى تتعامل معها المؤسسة أو مع الجهات الحكومية. 

هنا يجب التأكيد على مسألة هامة وهي إن الحوكمة تختلف من مؤسسة إلى أخرى وفقا لنوع المؤسسة ومجال عملها ونقاط تشريعها ولذلك فإن لكل مؤسسة نظام خاص بها يتناسب مع النظام التشريعي لها والإشراف الخاص بها. 

تعاريف أخرى للحوكمة  

هذه التعاريف لها نفس المدلول في الإطار العام: 

  • هي الممارسة الرشيدة لسلطات الإدارة من خلال الارتكاز على معايير وقوانين وقواعد منظمة 
  • هي النظام الذي يتم من خلاله توجيه أي مؤسسة والإشراف عليها بشكل عام 
  • هي تدعيم ومراقبة نشاط المؤسسة ومتابعة مستوى أداء القائمين عليها 
  • هي نظام متكامل يجمع بين السياسات والعمليات والهياكل التنظيمية يتم من خلاله توجيه وإدارة المؤسسات بفعالية ونجاح. 

 أصل الكلمة: 

 استعملت هذه الكلمة منذ القدم، ووجد لها استعمال في اللغة اليونانية القديمة مشتق من الفعل (kubernao)  اليوناني الذي يعني توجيه. وفي اللغة العربية صيغ هذا المصطلح مقابل اللفظ ألإنكليزي (governace)  وولد مصطلح "الحوكمة " على وزن فوعلة كما هي العولمة والحوسبة ، وجاءت هذه الكلمة الحوكمة للدلالة على النشاط الذي تقوم به الإدارة من القرارات التي تحدد التوقعات والأداء وكل ما جرى بحثه وما سيجري لاحقا من أمور الأدارسة والقيادة، وفي مجال أوسع يمكن التمييز بين معنى الحكومة ومعنى الحوكمة: هو ما تقوم به الحكومة من أنشطة. 

وانطلاقا من هذا المفهوم يمكن لنا أن صيغ سؤالا مهما عن مدى إمكانية الاستفادة من موضوع الحوكمة لمعالجة الأزمات والمشاكل المستفحلة في بلادنا العراق والخروج من هذا الموضوع بحلول ناجحة لوضع البلاد على مسار التنمية المستدامة وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون. لاسيما وأن تجربة بلادنا في موضوعة الحوكمة، استعمالاتها، فهي تظهر وتبدو واضحة في كل عملية تسيير أمور مؤسسة ما، أو مديرية من المديريات العاملة في البلد فلا بد أن يكون لها نظام أو قواعد معينة تدير بها شؤونها وشؤون العاملين بها، اعتاد عليها ألعاملين بها وأصبحت من ضمن التقاليد العامة، وبذلك تصبح عملية تطبيقها على الدولة وعلى آلياتها أكثر معقولية وسهولة، وفي العراق يبدو إن آلية تغيير وتبديل القوى المسيطرة على الحكم، ترتبط بعملية الانتخابات لمجلس النواب ونتائجها. 

وهذه ألآلية ترتبط أيضا بالعرف الذي جرى التوافق عليه بين القوى المتصدرة لإدارة الدولة، حيث قسمت وظائف إدارة الدولة بين المكونات الطائفية والأثنية. فأصبحت رئاسة الوزراء من نصيب " الشيعة "، ورئاسة الجمهورية من نصيب " الكرد " ورئاسة مجلس النواب من نصيب " السنة ". ولكل رئيس من هذه الرئاسات الثلاثة نائبان أو أكثر توزع حسب ضرورة الموقف بين المكونات المختلفة حسب الأهمية. وهناك جمع من المستشارين لكل رئيس ولكل نائب رئيس حسبما تقتضيه الضرورة وما تتطلبه حالات التوازن والإرضاء وبوس اللحى. 

هذه التشكيلة الغريبة أدت فيما أدت الية إضافة لعوامل أخرى متعددة إلى الإخلال بالعملية الديمقراطية وظهور المحسوبية والمنسوبية وإلى الفساد والكوميشونات وغيرها. 

 ويتصدر المشهد العراقي صعود الطائفية والعودة إلى العشائرية وبروز الميليشيات والتنظيمات العسكرية وانتشار الأسلحة وتجارتها وحيازتها خارج سلطة الدولة، وعدم خضوع معظم هذه المليشيات لسلطة الدولة، بل إظهار العلنية في العداء للدولة وقراراتها في غالب الأحيان 

 وأصبح المجتمع يعاني معاناة قاسية من البطالة، ومن السلاح الخارج عن سيطرة الدولة، ومن سيادة الجهل والخرافات في المجتمع ومن شيوع تجارة المخدرات وسيطرة مافيات الفساد، ومن القوانين المتخلفة والمجحفة لمكونات المجتمع 

ويعاني البلد من النزاعات الخفية بين المسيطرين على الدولة والحكم، ومن هضم حقوق المواطنين المعدمين غير القادرين على دفع الرشاوي والتكلفة العالية لإنجاز معاملاتهم، ومن الاستيلاء على عقارات الدولة وممتلكاتها، وعقارات الأقليات الدينية، غير المدعومة بالقوة 

 إن هذا الواقع ينبئ عن بنية غريبة وعن قوى كاسحة تربعت على الحكم في العراق، غير مهتمة بكل التطورات الجارية في العالم وبكل ما جادت به الجهود العلمية والعملية للنهوض والتقدم، لاسيما وإن العراق يمتلك المقومات المادية لهذا النهوض، من ثروة مالية ضخمة ومن كفاءات بشرية بمختلف الاختصاصات وإداريين قادرين على استيعاب مختلف النظريات وطرق التنمية. 

وإن التجربة التاريخية للبلد كفيلة بتذليل الصعاب وإزالة كل العقبات والتعقيدات التي زرعتها الجهات الفاسدة والفاشلة في طريق قوى التجديد والنزاهة والتطور، وسنتوقف عند الحوكمة كإحدى السبل لتحقيق التنمية الرشيدة والحكم الرشيد الذي أصبح معيارا ومؤشرا على قدرة الحكومات في إدارة الدولة وسنجد عند التمعن إن عناصر الحكم الرشيد هي  

  1. الدولة                  2) القطاع الخاص        3) المجتمع المدني. 

وهي نفس مكونات التعريف الأول للحوكمة. الذي سنجد فيه تفصيلا كامل لكيفية النهوض بالبلد في كل المتطلبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والأمنية وتحقيق الرفاه والعدالة الاجتماعية والمسواة. 

ومن خلال هذا الترابط الوثيق بين الحوكمة والحكم الرشيد الذي من شأن تطبيقه على يد أنظمة سياسية كفوءة تشرع في تطبيق وتفعيل عناصر وآليات الحوكمة التي وردت في تعريف الأمم المتحدة المتكونة من النقاط الثمانية والتي وردت اعلاه وما ورد في التعاريف الأخرى، يمكن لنا إضافة إن للحوكمة دور في ترسيخ الديمقراطية السياسية وفي تبيان إن للديمقراطية آليات وقواعد وهي ليست فقط عملية الانتخابات مع إن هذه العملية تشكل جانبا هاما من الديمقراطية، كما إن الحوكمة قادرة على تخليص بلدنا من الفساد المستشري فيه. فهي توفر مناخا ملائما وبيئة خصبة للتنمية المستدامة. 

 الحوكمة ومكافحة الفساد 

  للحوكمة آليات واضحة لتخليص البلد من الفساد، ويتم ذلك عبر الديمقراطية وحرية الرأي والمساواة والعدالة والشفافية والمحاسبة، ووضع البنك الدولي برنامجه لقياس جودة الحكم وهي: 

  1. السيطرة على الفساد 

2.فعالية الحكومة  

  1. الاستقرار السياسي 

4.جودة التشريعات وتطبيقها 

5.سيادة القانون 

6.المشاركة والمساءلة 

وبالمقابل عرف البنك الدولي معنى الحكم السيء " إنه شخصنة السلطة وعدم احترام حقوق الإنسان واستشراء الفساد ووجود حكومات غير منتخبة وغير ممثلة للشعب. 

تعريف المنظمات الدولية للفساد 

تعريف البنك الدولي: 

"هو إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص   وهو تعيين الأقارب-سرقة أموال الدولة مباشرة" 

ويشترك كل من صندوق النقد الدولي، البرنامج ألإنمائي للأمم المتحدة، ومنظمة الشفافية الدولية في التعريف التالي: 

"إساءة استخدام السلطة لتحقيق مكاسب خاصة " .

 إذن تصبح الأمور واقعية أكثر حينما تقود الدولة الحكومة الرشيدة التي تتمتع بثقة المواطنين من جهة وتكون تشريعاتها واضحة وخاضعة للمساءلة والرقابة وغاية في الشفافية، يصبح تفاعل العناصر الستة التي صاغها البنك الدولي عن جودة الحكم مع عناصر وآليات الحوكمة، يؤدي حتما إلى مكافحة الفساد والمفسدين، فكل عنصر من هذه العناصر يفي بالغرض المطلوب منه فعندما تكون الحكومة فعالة وقوية وقادرة فعليا على أتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة الناس ،وجادة في تنفيذ هذه القرارات ، تكون قادرة فعليا في التصدي للفساد وللمفسدين وللمرتشين، لاسيما في حالة تمتعها بالاستقرار السياسي، فهي تكون قادرة على تحقيق رغبات وأماني المواطنين وقادرة على السير بطريق التنمية المستدامة ، وفي التنمية البشرية ، فالحكومة الرشيدة هي التي تعمل في سبيل العدالة الاجتماعية والمساواة وخاضعة للمساءلة الجماهيرية . 

 الهوامش 

إن المصادر التي اعتمدت في الموضوع هي مجموعة من المقالات الإلكترونية عن المواضيع التي ضمنت في الموضوع نفسه عن دور الدولة الاقتصادي، وعن التنمية المستدامة، وعن الحكم الرشيد أو الحكم الراشد عن الحرب الباردة وإعادة إعمار المانيا وإعادة أعمار اليابان بعد دمارهما في مجريات الحرب العالمية الثانية 

وفيما يتعلق الوضع في العراق مجموعة من وثائق الدولة العراقية ووثائق أحزاب المعارضة العراقية.