يعود البرلمان إلى محاولة تنشيط هياكله التي ترهلت وفشلت في مهمة تشريع القوانين الهامة كقانون النفط والغاز مثالا او التغاضي عن ممارسة الرقابة البرلمانية عن أداء السلطة التنفيذية وما يجري من فضائح عن سرقات كبرى للمال العام او المصادقة على ترشيح من أجل تعيين سفراء بلا كفاءات مهنية دبلوماسية او لغوية بل فضيحة قرابة الدم والمصاهرة كذلك وبالمقابل نجده يواصل اهتمامه بالاستحواذ على المكاسب والمنافع وخوض الصراعات من أجل الامتيازات ومثال لذلك شراء السيارات الفارهة وهو على أبواب نهاية الدورة البرلمانية الحالية .
إن إعادة محاولة تشريع قانون حرية التعبير عن الراي بالصيغة المطروحة في المشروع لمرات عديدة منذ الدورة الثانية مع ثبات تعارضه مع الاطار الدستوري الضامن لحق حرية التعبير في المادة 38 واعتراضات ومقترحات منظمات المجتمع المدني المهتمة والمتخصصة العراقية كذلك الدولية المتخصصة أيضا مثل منظمة ارتكل 19 ومنظمة العفو الدولية، والتي توصلت إلى أن المشروع المطروح بنسخه وتعديلات متعددة على المشروع منذ سنة 2010 يحد من ممارسة المجتمع والناشطين بما في ذلك الإعلام والدراسات في ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم بحيث يدعو إلى طلب الإذن عن القيام بفعالية معينة كذلك يصر على تشكيل لجنة خاصة من لتكون مسئولة عن الفعالية إضافة إلى تحديد الأماكن وساعات القيام بالفعاليات كل هذه القيود لا تتفق مع اصل حق التمتع بحرية التعبير.
وهنا لا بد في نفس الوقت ان نشير إلى أن مقترحات التعديل على الصياغات الاصلية لمشروع القانون من قبل لجنة حقوق الانسان البرلمانية او لجان أخرى والتي ارفقت مع الصياغات الاصلية في النسخة الأخيرة قد جاءت حصيلة لقاءات وورش عمل مشتركة بين منظمات معنية بحقوق الانسان ودراسات جادة فعلا، لكننا نرى ان المشروع المقدم ما زال يتعارض مع الاطار الدستوري ومبادي حرية التعبير وهي جوهر الديمقراطية.
بما إن العراق مقبل على الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني القادم حيث يتحكم بها المال السياسي دون ضوابط لا من قبل المفوضية العليا للانتخابات ولا توجد تعليمات خاصة تحد من تزييف إرادة الناخب من قبل سلطات أخرى في الدولة ، كذلك ما زال سلاح المجموعات خارج الدولة تساهم في المشهد الانتخابي حيث لا يتم تطبيق المادة 9 من الدستور و التغاضي عن تطبيق قانون الأحزاب الذي يمنع المجموعات المسلحة من المشاركة في الانتخابات إضافة إلى استخدام المتنفذين ضمن السلطات وسائل وإمكانات اداراتهم واموالها للدعاية لهم او الترهيب فضلا عن شراء البطاقات الانتخابات التي وصلت قيمة البطاقة الانتخابية أسعارا خيالية . لذلك فإننا نجد أن تشريع القانون بصيغته الحالية وفي هذا التوقيت بالذات له دلائل واضحة تستهدف التضييق مقدما وتكميم افواه الاعتراضات ضد الخروقات والانتهاكات التي شهدتها وما زالت تشهدها الحملات الانتخابية بصورها المتعددة من تزوير او شراء ذمم او استخدام النفوذ والسلاح وغير ذلك.
في هذه الأجواء السياسية الملبدة بالصراعات بأدوات الطائفية والمال المسروق والممنوح سياسا – انتخابيا تتم محاولة تشريع قانون حرية التعبير التظاهر السلمي من أجل كتم الانفاس المعترضة لأسباب باتت جلية ومستدامة عن ضعف الخدمات ، انكماش اقتصادي، تضخم مالي، بطالة مستشرية بسبب سياسات اقتصادية تمعن بالاستيراد العشوائي دون بادرة حقيقية للتصنيع حتى للمواد الاستهلاكية، اما بخصوص موضوع الانتخابات يضاف اليها هيكلية المفوضية العليا للانتخابات التي تتنازعها المحاصصة الحزبية والقومية لكل ذلك يتم طرح مشروع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي بهدف استباق الاحتجاجات والتحركات المطلبية التي يمكن ان تتحول إلى مطالب بتغيير نهج المحاصصة وانهاء السلاح خارج الدولة واتباع سياسة اقتصادية للتصنيع وإيقاف الهدر الممنهج لأموال الدولة.
لذلك لا بد من تأجيل التصويت على المشروع إلى الدورة القادمة السادسة للمزيد من النقاش والتعديل وفق اصل حق ممارسة حرية التعبير حيث يتواصل رفض المسودة المطروحة والاعتراضات من المنظمات الحقوقية والمختصين في قضايا حقوق الانسان مع نشطائهم محليا ودوليا .