في 15 شباط 2024، أقدمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على خطوة بدت تاريخية، بإصدار ضوابط صارمة لترصين النشر العلمي والاشراف على طلبة الدراسات العليا. كان الهدف المعلن لهذه الضوابط نبيلا وضروريا: مكافحة السرقات العلمية، والنشر المفترس، وشراء البحوث من المكاتب التجارية، لضمان مستقبل أكاديمي نزيه وذي مصداقية.

 وضعت تعليمات صارمة تضع حدا قاطعا لممارسات الانتحال والسرقات وتزوير النصوص والنتائج، وفرضت عقوبات رادعة على المخالفين، تتراوح بين منع التدريسي من ممارسة التدريس أو البحث أو المشاركة في اللجان لعدة سنوات، وترقين قيد الطالب الذي يثبت عليه شراء البحوث أو لجوئه للمكاتب التجارية.

 لقد طال انتظار تطبيق هذه الضوابط، خاصة مع استفحال السرقات العلمية وشراء الاوراق البحثية، ووصول بعض هذه الفضائح الى العالمية. المثير للدهشة، وربما الصادم، هو أنه لم ير حتى اليوم أي مزيف أو سارق أو مخالف لضوابط النشر يحاسب أو تطبق عليه هذه العقوبات الرادعة.

 هنا يبرز التساؤل المُلح، ويثير استغرابا عميقا: هل كانت هذه الضوابط والتعليمات مجرد خطأ ارتكبته السلطات، كونها تتناقض مع سياسة غير معلنة لتشجيع النشر الفاسد والمسروق؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك بكثير، وربما كشف عن تورط مسؤولين واداريين كبار في عمليات التزوير وقيادتها، مما أدى الى طمس الفضيحة والتستر عليها بالكامل؟

 أليس من حقنا، بل واجبنا، أن نتساءل: لماذا يتم إصدار مثل هذه الضوابط إذا لم يتم تطبيقها وتنفيذها؟ هل راود الوزارة شك في أنها ارتكبت خطأً كبيرا سيؤدي الى "قطع رؤوس" العديد من قيادات البحث العلمي، ففضلت التراجع والتغاضي عن التطبيق؟ هذا التساؤل ليس مجرد استفهام عابر، بل هو صرخة استغراب وشك، تلقي بظلالها على مصداقية المنظومة الأكاديمية برمتها. فهل ستظل هذه الضوابط حبرا على ورق، أم أن هناك من سيجرؤ على تطبيقها وإنقاذ ما تبقى من سمعة البحث العلمي؟

بروفسور متمرس ومستشار دولي

عرض مقالات: