إيران الدولة القومية وليست النظام لم تولد من رحم المعاهدات والاتفاقات الدولية على نسق ولادة الكيان الصهيوني او غيره من الدول الحديثة بل هي امتداد لإمبراطورية عرفت في التاريخ بثقلها الجيوبولتيك بغض النظر عن طبيعة النظم التي حكمتها وقد شكلت عبر وجودها أحد عوامل الاستقرار او اللا استقرار استنادا إلى تقاطع المصالح مع النظام السائد ونظم المنطقة والعالم.
النظام الإيراني الحالي يشكل نموذج يجمع بين المسحة العقائدية المتمثلة بنظام ولاية الفقيه وبين براجماتية للحوار مع العالم الخارجي، وخلال ما يقرب من خمسة عقود تعامل النظام الإيراني وتحالف مع نظم مختلفة تغاير مسحته العقائدية كما شكل أذرعا له تطابقه شكليا لتنفيذ اجندته في المنطقة كما زرع الخوف والقلق لدول جواره وساهم في عدم استقرار المنطقة وتشديد قبضة الصراعات الطائفية السياسية ولكن انطلاقا من بعض براجماتيته استطاع التعايش مع دول الجوار رغم الحذر الشديد.
لقد استطاعت إيران الدولة بفعل عوامل تاريخية وقدرات اقتصادية وموارد طبيعية وبشرية وجغرافيا شاسعة ان تفرض حالة من الاستقرار الحذر والمشوب بالمواجهات العلنية والسرية استنادا إلى طبيعة النظام في تصدير الثورة والتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية بواجهات عقائدية لا يوجد عليها إجماع مجتمعي مما أسهم في احتقانات سياسية واجتماعية في تلك البلدان.
إيران مجتمع متعدد القوميات والإمكانيات. تضم إيران عدة قوميات رئيسية، أبرزها الفرس، الأذريون، الأكراد، اللور، البلوش، العرب، والتركمان. الفرس هم الأغلبية، بينما يشكل الأذريون أكبر أقلية عرقية. الأكراد يتواجدون في غرب إيران، واللور في جنوب غربها. البلوش يسكنون جنوب شرق البلاد، والعرب يتواجدون في مناطق مختلفة بما في ذلك محافظة خوزستان. التركمان يعيشون في شمال شرق إيران.
اما بالنسبة للأديان والمذاهب ففيها غالبية مسلمة شيعية إلى جانب أقلية مسلمة سنية، بالإضافة إلى أقليات دينية أخرى مثل المسيحيين، واليهود، والزرادشتيين، والبهائيين.
ومن اهم المعادن الموجودة في إيران: النفط، الغاز، الحديد، النحاس، الذهب، الفضة، الزنك، الرصاص، النيكل، الكروميت، المنغنيز، التيتانيوم، اليورانيوم، الفحم، القصدير، أحجار كريمة مثل الفيروز، الرخام، الجص، الإسمنت والملح. وتحتل المرتبة الخامسة عالميا في الموارد الطبيعية والمنجمية وما قيمته 27.5 تريليون دولار وقد تفتح هذه الموارد شهية ترامب للعمل العسكري المباشر ضد إيران.
اثبت أحداث السابع من أكتوبر إلى جانب محاور المقاومة وفي مقدمتهم ايران ان هناك فروقا في تكنولوجيا الحرب وفي المعلومات الاستخباراتية وعنصر المباغتة يميل إلى جانب العدو الغاشم إلى جانب استخدامه اسلوب الإبادة الجماعية وكذلك قدرات حلفائه في الاستمات في الدفاع عنه رغم كل ما اصاب بنيته العسكرية والاقتصادية وخسائره البشرية التي تلقاها من محور المقاومة إلا ان افرازات ذلك اطالت المحور بشكل عنيف مما سبب في تدمير لبنان وسقوط نظام الأسد وانهاك اليمن وبنيته التحتية ووضع العراق في صراعات داخلية تهدد استقرار النظام السياسي في العراق.
إلى جانب ان دول المحور تعاني من اشكالية بنيوية عميقة في نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصراعات في جبهتها الداخلية في الموقف الواضح من الكيان الغاصب إلى مشاكلها في الفقر والبطالة وانعدام الخدمات الإنسانية وجميعها عوامل لا تحسم الصراع لمصلحة القضية الفلسطينية وان هذه الدول لا تقاتل باسمها بل من خلال ميليشيات انفردت في قرار مقاتلة العدو واتهمت أنها تستجيب لمصالح ايران ودورها وسياساتها في المنطقة مما اضعف الأجماع العربي حول الحرب الدائرة إلى جانب الدول العربية المطبعة في السر و العلن مع الاحتلال الصهيوني.
وعلى الرغم من انشغال المجتمع الدولي في القضية الفلسطينية ومحاولات للحد من سلوك إسرائيل الهمجي إلا أنه لم يفلح واكتفى فقط بنداءات للكيان بوقف عملياته الإجرامية إلى جانب التحالف الغربي مع إسرائيل رغم ما ارتكبته من مجازر فاقت أحداث أكتوبر أضعاف حيث تم تشريد الشعب الفلسطيني مجددا من أرضه وتعريضه للإبادة والجوع والقتل الجماعي
الآن وجدت إسرائيل حجتها ومعها أمريكا والعالم الغربي لتشديد الخناق على النظام الإيراني في قضية التخصيب والسلاح النووي والصواريخ الباليستية مما أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل للهجوم على إيران وبنيتها التحتية الاقتصادية والعسكرية مستغلة الفراغ الذي حصل في محور المقاومة، إلى جانب المراهنة على الاستياء الداخلي في إيران الناتج من الحصار طويل الأمد وتوقف التنمية الشاملة وعسكرة الحياة حتى باتت الدعاوى لأسقاط النظام هو هدف إسرائيل وامريكا والتحريض على الفوضى داخل إيران.
أن الهدف المعلن من العمليات العسكرية ضد إيران هو إسقاط النظام في ظل نظام سياسي عقائدي عمل لعقود على فرضية إسقاط المعارضة من معادلته السياسية فهل هذه العمليات تؤدي إلى إسقاط رأس النظام؟ قطعا لا بل لأسقاط الدولة وتدمير مؤسساتها ومواردها وتركها فريسة الصراعات الأثنية والطائفية والمكوناتية في بلد متنوع الأعراق والقدرات وأن حصل ذلك فأن المنطقة بكاملها ستدخل في دوامة الفوضى والاقتتال الداخلي ولكن حق الشعب الإيراني في تقرير مصيره وفي شكل نظامه القادم هو حق مصان ولعل التفاعلات الداخلية السريعة هي من يحسم الأمر وليست نتنياهو المجرم وحليفه ترامب النرجسي المريض.