عندما تسمع إيتمار بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي في وزارة بنيامين نتنياهو. سليل حركة كاخ العنصرية التي أسسها العنصري الصهيوني مئير كاهانا، وهو ينفث سمومه العنصرية وحقده الفاشي على الفلسطينيين والعرب عموماً، وتوعدهم بالإبادة الشاملة مبتدئاً بأطفالهم، لابد وان تشمئز وتتيقن بصواب المقولة القديمة التي أطلقها مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان فهد: " الصهيونية والنازية توأمان لبغي واحدة هي العنصرية ربيبة الاستعمار".

بن غفير ولد في القدس سنة 1976 وهو من اصول عراقية كردية، ودرس في مدارسها التلمودية وجامعاتها حتى تخرج ليصبح محامياً يُرافع دفاعاً عن قتلة الفلسطينيين ومنهم حارقي أسرة الدوابشة أحياءً في قرية دوما محافظة نابلس بالضفة الغربية.

وقد اشتهر بوضعه صورة منفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي، باروخ غولدشتاين، على جدار منزله في مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي الخليل، التي راح ضحيتها 29 مصليا في 25 فبراير/شباط 1994، ووصفه بـ" البطل".

يُقال إنه رضع التعصب العنصري من والدته التي كانت منظّمة في حركة الشباب التابعة لتنظيم " إيتسل " الذراع العسكري للتيار اليميني الإصلاحي للحركة الصهيونية.. وقد اعتقلها البريطانيون وهي في سن الرابعة عشر. ( صحيفة الشرق الأوسط /10 يوليو 2024 ).

 أسباب التطرف

 أسباب التطرف الاجتماعية متعددة، أحدها: اضطراب الشخصية - البارانوي، الشخص المتعالي، عندما يرى نفسه أفضل من الآخرين، ويحق له ما لا يحق لغيره.

وقد أطلق تصريحات عنصرية تدخل في المعنى أعلاه، عندما قال: " إن حقه في الحياة يفوق حق العرب الفلسطينيين في التنقل في يهودا والسامرة ( الضفة الغربية ) ".

صحيفة هآرتس الاسرائيلية قالت: " وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ليس أب الفصل العنصري، فالأصح أن يٌقال إنه ابنه… وإن لغة الفصل العنصري لغته الأم… لا يعرف غيرها. لقد نشأ على أفكار التفوق اليهودي…".

ومن أسباب التطرف الاخرى، التعرض لصدمة نفسية خلال مرحلة الطفولة.. وما من مؤشرات معروفة، فقد ولد بعد فترة الحروب الكبرى - حرب أكتوبر 1973، حيث شهدت دولة الاحتلال استقراراً.

حقيقة، لم أطلّع على حدوث هجمات " فرهود " في مدن عراقية أخرى غير بغداد، وخاصة في الشمال العراقي، قد تكون قد دفعت اسلافه للهروب من العراق واللجوء إلى إسرائيل وتبني الفكر الصهيوني العنصري!

تبقى احتمالية مناخ التطرف الديني العائلي الذي شكّل وعيه العنصري.

بن غفير - النازية

تجاوزت تصريحات بن غفير في فاشيتها وصراحتها تصريحات النازيين الألمان وجرائمهم، الذين كانوا لا يصرحون بخططهم لإبادة الآخرين بما فيهم اليهود، فمعسكرات الاعتقال النازية الرهيبة التي ضمت إضافة إلى اليهود أسري الجيش الأحمر والغجر والأنصار المقاومين للاحتلال من شعوب البلدان الاوروبية الاخرى، مثل" أوشفنسيم وميدانك " في بولونيا ظلت طي المجهول حتى وصلها وتفاجأ بها الجيش الأحمر السوفيتي بعد تحريره لبولونيا وانصدم العالم بصور الهولوكوست والحقائق واللقاءات المباشرة مع سجنائها. وكذلك معسكر " فايمار " في ألمانيا الذي دخله الجيش الامريكي.. وهناك معسكرات أخرى منتشرة في انحاء اوروبا التي احتلها هتلر، تشير التقديرات إلى أن الألمان أسسوا 15000 معسكر اعتقال في المناطق المحتلة.

بينما الفصل العنصري للمدن العربية ومحاصرتها بالمستوطنات وغزة المحاصرة بسياج أمني لم يشهد مثله التاريخ البشري، شيء معلن ومكشوف ويجهر به الإسرائيليون ولا يخجلون من الاعتراف به والعالم يعرف ذلك ويصمت!

مأساة يهود العراق

 وقد قامت المنظمات الصهيونية العاملة في العراق، بهجمات إرهابية ضد كُنس (مجموع كنيس) يهودية في بغداد، بالخصوص، ترادفت مع جريمة " الفرهود " أعمال النهب والتدمير والقتل التي حدثت ضد المواطنين اليهود وبيوتهم ومحلاتهم ومصالح التجار منهم، بعد الفورة القومية المتأثرة بأفكار الاشتراكية القومية (النازية الألمانية). لدفعهم للهجرة لإسرائيل وذلك ليس بعيداً عن تنسيق الأدوار بين منظمات الإرهاب الصهيونية العاملة في العراق وسلطة الاحتلال البريطاني وتأييد القوى القومية (رشيد عالي الكيلاني) المقترن بتصاعد دور الطابور الخامس والدعاية النازية وتواطؤ السلطات الملكية التي أصدرت قانون اسقاط الجنسية العراقية عن اليهود لرفد دولة الاحتلال الإسرائيلي الناشئة في فلسطين بالكوادر والخبرات والكثافة البشرية.

الضد النوعي

وعلى الضد من ذلك كان كفاح " عصبة مكافحة الصهيونية " التي تأسست في العراق عام 1946 من يهود عراقيين شيوعيين وعرب هدفها مكافحة النشاط الصهيوني وعصاباته في العراق الرامية لدفع اليهود العراقيين للهجرة إلى فلسطين وبالخصوص بعد وعد بلفور وإعلان دولة إسرائيل. وخاطبت العصبة من خلال منشوراتها وصحيفتها " العصبة " الشعب العراقي: " أن وعد بلفور هو لتحويل نضال العرب الموجه ضد الاستعمار نحو جماهير اليهود" و " لو كان المستعمرون يعطفون على اليهود، حقاً، لعاملوهم معاملة طيبة في أوروبا " *...

وقامت بنشاطات وفعاليات توعية للجماهير اليهودية العراقية… وقد استشهد أحد أعضائها وعضو الحزب الشيوعي العراقي في مظاهرة تأييد لفلسطين وضد وعد بلفور في بغداد قمعتها السلطات الملكية بالرصاص. ( مراجعة كتاب الباحث الدكتور فائق بطي الموسوم " الصحافة اليسارية في العراق ").

اليهود كمكون أصيل من الشعب العراقي

وأشير إلى ما أورده الباحث القدير صادق حسين السوداني في مؤلفه القيّم " النشاط الصهيوني في العراق 1914 - 1952 " عن مكانة ودور اليهود في الاقتصاد العراقي وتعاملاتهم التجارية قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها وبعدها، وهي نسب مؤثرة (صفحة 24). كما أشار إلى مساهماتهم في الحياة الثقافية والفنية والسياسية وإدارة الصحف مثل نعيم قطان الذي كان المسؤول عن المقال الافتتاحي لجريدة الأهالي التابعة للحزب الوطني الديمقراطي. مراد العماري الذي كان يشرف على السياسة الخارجية في نفس الصحيفة. وكان اليهودي جاكسون مشرفاً على صحيفة التايمز العراقية، وسليم بصون المشرف على صحيفتي الشعب والبلاد…

أما من الحزبيين، فشالوم درويش الذي كان مرشح الحزب الوطني الديمقراطي عن الطائفة اليهودية في العراق، فضلاً عن وجود عدد لا بأس به من اليهود مسؤولين ومتنفذين في صفوف الحزب الشيوعي العراقي (السري) وتنظيماته، من بينهم على سبيل المثال يهودا ابراهيم صديق، يوسف زلوف، حنينة هارون زلخة مسؤولة تنظيم النساء في السليمانية …

ومن أبرز الشخصيات اليهودية التي اشتهرت في العراق، ساسون حسقيل الذي تسلم منصب وزير المالية لأكثر من مرة ". ( صفحة 26-27 من نفس الكتاب ).

أن هذه الحقائق وغيرها الكثير تؤكد بأن هجرة يهود العراق لم تكن طوعية بل بالقسر والقهر والتضييق القانوني.

تأصيل ثقافي

 رواية " المطيرجي " لليهودي العراقي إيلي عميرام سطرت احداث تلك الايام وما كان يعتمر في بواطن المجتمع اليهودي في العراق من صراعات وأن وتعدد التيارات الفكرية والسياسية التي تمور داخله، من علمانية وشيوعية وصهيونية، اضافة إلى مقام الحاخام الأكبر باشي وسلطته الدينية ونفوذه لدى الأوساط الحكومية والبلاط الملكي، والبرجوازية التجارية والمالية والصناعية اليهودية، علاقاتها فيما بينها وتوتر الأوضاع مع المحيط، حيث لم يكن لليهود كمجموعة إثنية عراقية أصيلة دور في تأجيجها، بل بالعكس كانوا ضحيتها. وأسهم في ذلك قيام الكيان الإسرائيلي وصراع المصالح وتأثيرات سلطات الاحتلال البريطاني.

الكثير من يهود العراق لم يكونوا يودون مغادرة العراق، حتى بعد إصدار قانون إسقاط الجنسية عنهم، وهذا لا يشمل فقط الوطنيين والشيوعيين منهم بل أوساط شعبية اخرى، لها جذورها وتاريخها ومصالحها الذي لا تريد التخلي عنها، لتبدأ من جديد في بيئة غريبة، حيث تورد الرواية نماذج متعددة منهم، حتى أن أحد اليهود الذي سجنته السلطات الامنية بسبب حيازته للسلاح للدفاع عن ممتلكاته ضد رعاع الفرهود قال: " لا أريد أن تجلس يهوديتي في مقعدٍ خلفي! "، وهذا دليل تمسك بكيانه ووطنه وحقوقه.

وفي وقتنا الراهن حيث حملات الابادة والحقد العنصري جارية على قدمٍ وساق ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، هناك من هو مستعد للوقوف صفاً لإنشاد ال " هاتيكفاه " النشيد الوطني للكيان الاسرائيلي عالياً.

بينما سبق وقال الشاعر اليهودي الألماني المعادي للنازية والذي عاش لفترة في فلسطين، لويس فورنبيرغ:

 " كالأفعوان يتلوى الصليب المعقوف

ليصبح نجمة صهيون ".

فما بالك لو أنه سمع خطابات الحقد العنصرية التي يطلقها الفاشي بن غفير، الآن.

عرض مقالات: