ملاحظة: هذه المقالة هي جزء مقتطف من مشروع كتابة أولية تتناول حياة الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم). آمل ان أتمكن من انجازه والتحقق والتوثيق مما أجمعه. مما دفعني للانكباب على هذا العمل هو كثرة الاخطاء والتناقضات في بعض ما ينشر من معلومات -أحيانا حتى في صحافة الحزب- تتناول حياة ونشاط قادة الحزب دون التحقق من صحتها، بما في ذلك حياة الشهيد. لذلك حاولت قدر الامكان الاعتماد على ما توفر لدي من مصادر، لتوثيق المعلومات وخاصة تواريخ الاحداث. وإن وجدت اختلاف في المصادر، حينها اعتمد على المعلومة التي ذكرها أكثر من مصدر بما فيها مخطوطات شقيق الشهيد والدي -علي محمد الشبيبي واختيار ما هو أكثر واقعية ومنطقية. وسأكون ممتنا وشاكرا لكل من يرسل تنبيها أو تصحيحا موثقا لتجاوز ما هو خطأ، كذلك أوجه شكري مقدما لكل من يرسل لي (وأخص هنا رفاق الشهيد في قيادة الحزب الشيوعي العراقي) وثيقة أو كراسا وإن كان مصورا يخص الشهيد صارم مثل (في الجبهة الوطنية، الاستقلال والسيادة الوطنية، الجبهة الوطنية الموحدة طريقنا وواجبنا التاريخي، أحاديث عن الأدب، وغيرها من كتابات نشرت في الصحافة -القاعدة، الشرارة، مجلة المجلة، الأساس.. وغيرها) لكي استفاد منها في كتابتي.

الاعتقال الأخير:

 

كانت الفترة التي أعقبت سقوط وزارة توفيق السويدي قاسية وثقيلة على الحركة الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي بمنظماته وجماهيره. فبدأت وزارة العمري (1 حزيران 1946- 3 أيار 1946) بتوجيه الضربات إلى الحزب الشيوعي ووجهه العلني حزب التحرر وعصبة مكافحة الصهيونية. وكشف النظام الملكي عن وجهه الحقيقي المعادي للديمقراطية والوطنية، والعمل بنشاط مشبوه على المشروع الانكلو-أمريكي في تصفية القضية الفلسطينية -مع بدء الحرب الباردة-! وذلك من خلال لجنة التحقيق الانكلو-امريكية والعمل على تمرير مقترحاتها، التي عارضتها جميع القوى الوطنية وفي مقدمتها حزب التحرر الوطني وعصبة مكافحة الصهيونية، وفضحت نواياها في التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني. ثم جاءت وزارة نوري السعيد (21-11-1946) لتكمل مشوار قمع ما تحقق من حريات نسبية في زمن وزارة توفيق السويدي. وتواصل ممارسة موجة الارهاب الجديدة الذي بدأته وزارة أرشد العمري، ضد القوى الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي ووجهه العلني حزب التحرر الوطني وعصبة مكافحة الصهيونية.

فعندما اعلنت حكومة نوري السعيد التاسعة (21 تشرين الثاني 46 - 11 آذار 1947) نيتها لأجراء الانتخابات النيابية، بادر حزب التحرر الوطني برئيسه الشهيد حسين الشبيبي إلى عقد اجتماع خطابي حسب القانون في قاعة سينما الفارابي في المربعة من شارع الرشيد يوم 10-12-1946، وحصل على رخصة قانونية لهذا الاجتماع. وأعد الشهيد حسين لذلك خطابا، تم طبعه بعنوان (موقفنا من الوزارة الحاضرة، والدعوة للجبهة الوطنية) [27] وسيجد القارئ الكريم صيغة الخطاب في الملحق مع عرض لمذكرة حزب التحرر الوطني حول الجبهة الوطنية التي قدمها بتاريخ 21/10/1946 إلى الاحزاب الوطنية (الحزب الوطني الديمقراطي، حزب الاتحاد الوطني، حزب الشعب، عصبة مكافحة الصهيونية).

عندما حضر المدعون للاجتماع يوم 10/12/1946 تفاجأوا بشرطة بهجة العطية وقد أغلقت قاعة سينما الفارابي وأوقفت عليها شرطة مسلحة، كما أنها أرسلت شرطتها وصادرت الكراس في المطبعة؟! فأوعزت قيادة حزب التحرر الوطني إلى المدعوين بالتجمع هناك، وأعلنوها مظاهرة احتجاج صاخبة على موقف الحكومة ذي الوجهين إذ هي أجازت الحفل ثم أرسلت شرطتها لتغلق قاعة الاحتفال وصادرت الكراس في المطبعة؟! واعتقلت الخطيب (حسين الشبيبي) وبعض زملائه [28]. كذلك أشار إلى ذات الحادثة المناضل الراحل زكي خيري في كتابه "صدى السنين" ص 126، وأكد اعتقال حسين الشبيبي في التظاهرة وأضاف ان حزب التحرر قدم مرشحيه للانتخابات وعلى رأسهم حسين الشبيبي (ص 126)! ولكن من اطلاعي على كلمة الشهيد حسين (موقفنا من الحكومة الحاضرة، ... )، التي كان من المفروض إلقائها في الاجتماع استنتج منها أن حزب التحرر كان يرفض المشاركة في الانتخابات، لا كما ذكر زكي خيري في "صدى السنين"، كما أنه لا توجد في مخطوطات الوالد -شقيق الشهيد- أية إشارة إلى أن الشهيد قد رشح للانتخابات النيابية، لا بل ذكر شقيقه ما يلي: (أما حزب التحرر الوطني فإنه لم يكتف بالمقاطعة - ويقصد مقاطعة الانتخابات/الكاتب -، بل قاد مظاهرة صاخبة احتجاجا على أساليب الوزارة السعيدية). كما أن حزب التحرر الوطني بلسان رئيس الهيأة حسين الشبيبي قال في كتاباته كما ذكرت "القاعدة" في 24/12/1946: (فنحن أذن ننبه المواطنين إلى خطر الأخذ بزعم انتخابات حرة، وإلى خطر الاشتراك في هذه الانتخابات التي يراد بها الإتيان بمجلس ووزارة مكلفة بتبرير بقاء النفوذ والامتيازات الأجنبية، ومكلفة بالتصديق على المشاريع، والخطط الاستعمارية التي يراد إعطاؤها الصفة الشرعية. إن الإنكليز هم الذين أوحوا بمجيئها لأحكام سيطرتهم على مقدرات البلاد) [29].

كان اعتقال الشهيد يوم 10-12-1946 في تظاهرة الاحتجاج على موقف الحكومة من منع الاجتماع الخطابي في قاعة سينما الفارابي، فرصة لحكومة نوري السعيد للتخلص من حسين الشبيبي وحزبه - التحرر الوطني -. وكان اعتقاله فرصة لحكومة نوري السعيد للحد من نشاطه السياسي الشبه علني كرئيس لحزب "التحرر الوطني" -الذي لم ترفض إجازته لغاية تاريخ اعتقاله- وخاصة نشاطه في دعوته الصادقة من أجل الجبهة الوطنية الموحدة، وتحركه النشط بين الاحزاب الوطنية لتحقيق الوحدة الوطنية، إضافة لما سببه نشاطه وتحركه الوطني وقيادته للتظاهرات الشعبية الاحتجاجية من نهوض شعبي زاد من متاعب النظام وحكوماته المستبدة المتعاقبة. ويجب أن لا ننسى بأن جميع نشاطات حزب التحرر وعصبة مكافحة الصهيونية كانت بإشراف الحزب الشيوعي العراقي وبمشاركة فعالة من أعضائه وكثير منهم هم أعضاء في حزب التحرر الوطني. وأن حزب التحرر وعصبة مكافحة الصهيونية هما الوجهان العلنيان للحزب في تلك الفترة القصيرة والتي شملت الفترة (ايلول 1945- حزيران 1946). وهي الفترة التي رافقت بداية إعلان حكومة وزارة الباجه جي (29 آب 1946- كانون الثاني 1946) نيتها بإجازة الاحزاب الوطنية ولنهاية وزارة توفيق السويدي. حيث تمت فيها إجازة بعض الاحزاب والمنظمات الوطنية بما فيها عصبة مكافحة الصهيونية. لذلك كله أقدمت حكومة نوري السعيد إلى اعتقاله. وكان هذا الاعتقال الأخير للشهيد قبل محاكمته ثم تنفيذ حكم الاعدام به وبرفاقه (فهد، زكي بسيم، ويهودا صديق). ولم يثنه الاعتقال من النشاط السياسي بل زاده تصميما وإصرارا على النضال وكشف مساوئ الحكم وسلبياته. فبعد أيام، ومن معتقله قدم الشهيد حسين مذكرة إلى وزير الداخلية بتاريخ 21 كانون الاول 1946 عن الهيئة المؤسسة لحزب التحرر أدان فيها الاساليب الغير ديمقراطية والغير وطنية التي تسير عليها الوزارة[30]. من مجريات الأحداث وما توفر لدي من معلومات وما سمعته من الأهل تأكد لي بأن الشهيد حسين تمت محاكمته ثلاث مرات!

المحاكمة الأولى:

كانت بعد أيام من اعتقاله يوم 10-12-1946 خلال تظاهرة الاحتجاج ضد غلق قاعة الفارابي ومنعه من إلقاء خطابه. حيث تم تقديمه إلى محكمة جزاء بغداد بسبب تظاهرة الاحتجاج على غلق قاعة الفارابي ومنع الاجتماع الخطابي، مما اضطر المجتمعين إلى التظاهر ضد اجراء السلطة التي سبق ومنحت حزب التحرر الوطني الإجازة لعقد الاجتماع الخطابي، إضافة لخطابه الذي صادرته الشرطة من المطبعة، وحكمت عليه بسنتين. وهذا الحكم والاعتقال أكده شقيق الشهيد -علي الشبيبي- في إحدى مخطوطاته (صورة رقم ب) حيث ذكر: (في كانون الثاني 1947 اعتقل فهد وزكي وعزيز عبد الهادي وإبراهيم شميل، أما حسين فقد كان معتقلا ومحكوما قبلهم بأشهر)، وأكد الحكم في مذكراته، فكتب: (....وأعيد "حسين" وبعض رفاقه وكثيرون من قبض عليهم في المظاهرة -المقصود في مظاهرة الاحتجاج/الكاتب- إلى السجن. وحكم على حسين -بعد حين- بست سنين بسبب المظاهرة والخطاب) [31]. أما الراحل مكرم الطالباني فقد أكد ما ذكره شقيق الشهيد ولكن اختلف معه بمدة الحكم والسبب، فكتب في مقال له: (...  اما الرفاق حسين الشبيبي ومحمد حسين ابو العيس وسالم عبيد النعمان. كانت محكمة جزاء بغداد سبق ان حكمت عليهم بالحبس لمدة سنتين لمشاركتهم في مظاهرة حزيران عام 1946 فالحقوا الآن بهذه الدعوى ايضاً) [32]، والمقصود "بهذه الدعوى" دعوى محاكمة فهد ورفاقه الأولى التي سأتناولها في السطور التالية. ويظهر أن الراحل مكرم الطالباني خانته الذاكرة بعد هذه السنين، فذكر أن الحكم بسبب تظاهرة حزيران، بينما شقيق الشهيد يؤكد أن الحكم كان بسبب تظاهرة الاحتجاج و الخطاب المعد لإلقائه في قاعة الفارابي الذي صادرته الشرطة من المطبعة. المهم أن كل من مكرم وشقيق الشهيد يؤكدان أن حسين صدر عليه حكم بالحبس قبل اعتقال فهد، أي بالفترة (10 حزيران 1946- 18 كانون الثاني 1947)، ولو أنهما اختلفا بمدة الحبس وأسبابه. وأعتقد ان الحكم كان سنتين كما ذكر الراحل مكرم الطالباني ولكن شقيق الشهيد أضاف إليها أربع سنوات من الحكم الذي صدر عليه يوم 23 حزيران 1946 في محاكمته مع فهد، فأصبح المجموع ست سنوات.

عرض مقالات: