ان اسوأ ما يواجه الدول النامية يكمن في علاقة عدم التكافؤ فيما بين الدول المتقدمة بقدراتها وسيطرتها والدول النامية بما تعانيه من مشكلات يصعب تجاوزها لتحقيق التنمية ، فالدول المتقدمة تسيطر على مقدرات التجارة الخارجية وتمتلك التكنولوجيا وادواتها ، وتتحكم في المساعدات الاجنبية وحركة رؤوس الاموال العالمية ،وجملة هذه الامور تكرس السيادة والتبعية للدول المتقدمة على حساب الدول النامية فالمشكلة ليس لان الاولى مالكة بقدر تبعية الثانية فعملية نقل التقنيات الحديثة الى الدول النامية يجب ان تتوافق مع ظروفها وإلا فقدت جدواها واصبح العائد فقط للدول المتقدمة ، بالإضافة الى مشكلة محاكاة النمط الاستعماري للأنظمة الدراسية والهياكل التعليمية ، واستيراد الهياكل التنظيمية والادارية على الاسلوب الغربي الذى لا يتناسب مع الاساليب السائدة لديها ،ومشكلة تعميم الانماط الاجتماعية والاقتصادية السائدة في الدول المتقدمة على الدول النامية في النواحي المعيشية بدافع التقليد ، وهو مما يزيد من عمق الفجوة بينهم ، ويؤدى الى سيطرة الفساد ونهب اقتصاد الدول النامية وعرقلة جهود التنمية لصالح الدول المتقدمة ، ويتضح هذا الامر في جذبها للعمالة المدربة والخبرات العالمية للأفراد الذين تم تأهيلهم والانفاق على اعدادهم بدولهم الاصل إلا ان خبراتهم تحرم منها وتصب في مصلحة اقتصاد الدول المتقدمة بما يطلق عليه استنزاف العقول دوليا “هجرة الادمغة” وفى ظل هذه التعقيدات في العلاقة الغير متكافئة وزيادة النفوذ والسيطرة واتساع نطاق التدخل تفقد الدول النامية قدرتها على وضع هياكلها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية بما يتفق مع ظروفها ، وتفقد قدرة توجيه وادارة شؤنها ذاتياً. والوضع يزداد تعقيداً في ظل ضعف القوى التفاوضية بين الدول المتقدمة والنامية وخاصة في ظل تحكم الدول المتقدمة في نقل تقنياتها وتقديم مساعداتها بشرط توجيه سياسات المؤسسات الانمائية العالمية لخدمة مصالحها السياسية واستخدام الضغوط الاقتصادية والسياسية والتقنية ، بل يمتد الامر احياناً لاستخدام القوة العسكرية ، واساليب المقاطعة ، وعلى سبيل المثال فقد شرّعت الولايات المتحدة الامريكية قانون المقاطعة سنة 1996 ضد الشركات الاجنبية التي تتعامل مع كوبا والذى يعد في حد ذاته تدخل في السيادة الوطنية للدول ذات العلاقة الاقتصادية مع كوبا. وكان الامر ممتداً الى مطالبة الدول بإجراء تحولات هيكلية من خلال سياسات مالية ونقدية وتجارية ، والخصخصة وفرض سياسات الاستثمار والاطر القانونية والمؤسسية لإعادة بناء الاسواق ، وذلك بهدف ادخال الدول المطبقة لهذه السياسات الى النظام الاقتصادي الرأسمالي ، فيما سمى آنذاك سياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة .والذي يدخل في سياق التناقض . ان ما يتم فرضه على الدول النامية من سياسات لفرض الاندماج فى الاقتصاد العالمي لا تطبقه الدول المتقدمة ذات التوجهات الليبرالية في اقتصادياتها مثل ملكية الاجانب ، ومنح التسهيلات لدى المستثمرين الاجانب ، واهمية القطاع الحكومي في توجيه سياساتها في حين تضع شروطها على الدول النامية بإجراء التحول وفق نماذج لا تتفق وهياكلها بل تزيد من عمق المشكلات وتفقدها القدرة على صياغة هياكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما يتفق مع اوضاعها الداخلية وتوفير متطلباتها ذاتياً. والعلاقات التاريخية بين الدول النامية والمتقدمة وخاصةً الاقتصادية منها ، جاء توصيفها بالادبيات الاقتصاديه ما بين اعتبارها سببا للتخلف ، وبين التوجهات الاخرى التي اعتبرت أن ضعف هياكل تلك الدول لاتؤهلها لتحقيق التنمية . لذلك فإن حالة التبعية في إطارها النظري والتعرف على ابعادها ومظاهرها التاريخية يكشف الكثير عن واقع الحالة المعاصرة ، ويوضح التشابه في مضامين العلاقات الغير متكافئة والتي تبرزه مؤشرات التنمية والتبعية ، والآليات الفعلية لعلاقات الاقتصاد العالمي وأدواته الحالية والمتمثلة في المؤسسات الدولية التي تدير الجانب الاكبر من هذه العلاقات . ارتبطت غالبية الدول النامية بخلفية تاريخية طويلة مع الاستعمار الغربي، وكان لذلك الأمر انعكاساته على الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث افقدها الاستعمار جزءاً كبيراً من القدرة الذاتية على الخروج من دائرة التخلف والاستخدام الأمثل للموارد، وأصبحت مسلوبة الإرادة في التخلص من الأفكار والأسس التي تشكلت بها هياكل الدولة في المدى الطويل والذي جعلها عرضه للاستمرار في الاستغلال السياسي والاستعمار في شكله الجديد. وتختلف استراتيجيات التنمية من دولة لأخري بالاعتماد علي طبيعة وهيكل القطاع الأولي الزراعي والقطاع الصناعي وقطاع الخدمات المتمثل في التجارة والتمويل والنقل ودرجة الاعتماد المتبادل بينهما ، بالإضافة إلي أن نجاح مجهودات التنمية يتوقف علي مستوي الاعتماد الخارجي سواء في التجارة الخارجية أو الجوانب الفنية والتقنية وأنماط الاستهلاك والمعيشة ، ويمتد هذا الاعتماد إلي مجالات أخري مثل النظم التعليمية والثقافية والفكرية . تشترك غالبية الدول النامية في ارتفاع نسبة الامية على الرغم من محاولاتها في توفير الخدمات التعليمية ، وخاصة في مراحل التعليم الابتدائي ، ومحاولات محو الامية بين الكبار ، وما يتم تحقيقه من انجازات كمية لا ينفي التخلص من الامية لديها ، ولاتزال نسب الامية مرتفعة وتنتشر بين شرائح كبار السن ، والمشكلة الاهم ان التغير مازال غير ملموس وخاصة في نوعية التعليم وجودته والتي لا تتناسب مع متطلبات المرحلة التنموية ، وابتعاد هذه المناهج عن الجوانب التطبيقية والمهنية ، بالا ضافة الى اقتباس ونقل اساليب لا تتفق وطبيعة الحالة التي عليها هذه الدول مما يشكل اهدار كبير من الموارد المالية بالا نفاق على التعليم دون الحصول على نتائج في تحقيق التنمية.
منذ تسعينيات القرن العشرين يشهد العالم مجموعة من التغيرات الدولية والإقليمية التي كان لها الأثر الواضح في شكل وطبيعة النظام الدولي عامة، وفى الوطن العربي بشكل خاص، كان من أبرزها وعلى المستوى السياسي انهيار الاتحاد السوفيتي، والطموح الأمريكي المتمثل في النظام الدولي الجديد، وانهيار النظام الإقليمي العربي، والذي ظهر بديلا عنه الإستراتيجية الغربية وخاصة الأمريكية والإسرائيلية التي بدأت تتبنى مفهوم الشرق الأوسط كمفهوم أمنى واقتصادي وسياسي، والشراكة الأورو- متوسطية، ومجموعة من التحالفات الأمنية العسكرية التي انعكست سلبا على واقع الأمن القومي العربي. بدأ الفكر السياسي العربي في الاهتمام بصياغة محددة ومفهوم متعارف عليه في منتصف السبعينيات، وتعددت اجتهادات المفكرين العرب من خلال الأبحاث والدراسات والمؤلفات سواء في المعاهد العلمية المتخصصة، أو في مراكز الدراسات السياسية، والتي تحاول تعريف الأمن القومي. الأمن الوطنى للدولة تهدده امور عدة، منها ما يقع داخل حدودها ومنها ما يقع خارج حدودها ، و هنالك مهددات داخلية للأمن الوطني لكنها ترتبط بعوامل خارجية مما يستدعي تدخل الدولة فى دول أخرى لحماية أمنها الوطني ، والجديد في إعادة التعريف لمفهوم الأمن الوطني أن دولاً أصبحت تعتبر الأمن الوطني لدول أخرى هو امتداداً لأمنها الوطني ، و قد برز تعبير الأمن الوطني على المستوى السياسي فى العقود الماضية ليشير للأحداث العسكرية على وجه الخصوص والتوازنات الاستراتيجية وصراعات القوى، غير أنه في عصرنا الراهن أصبح يشمل تلك التهديدات الجديدة لحياة الإنسان وهي تهديدات ترتبط بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة ذاتها ، مثلا نجد أن الدول النامية يشكل التصحر في بعض مناطقها خطرا كبيرا على أمنها الوطني اعظم من الخطر الذى يشكله الغزو العسكري على أرضها ، كما يشكل الانفجار السكاني قلقا كبيرا للحكومات لأنه قد يصل إلى مرحلة تدمير العلاقة بين الإنسان والبيئة التي يسكنها ويمزق هيكلها ونسيجها الاجتماعي ، أما بالنسبة للدول الصناعية المتقدمة فيشكل النضوب السريع المتوقع لاحتياطيات البترول تهديدا للأمن الوطني أخطر من التهديدات العسكرية التقليدية التي تتعرض لها ، و من الطبيعي أن تتكون هذه التهديدات الجديدة نتيجة الضغط البشري المتزايد على طبيــعة الأرض التى نعيش عليها سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر مثل نقص المواد الغذائية ومصادر الطاقة وتغيرات الأحوال الجوية وكلها تترجم إلى ضغوط اقتصادية على اﻟﻤﺠتمعات البشريـــة مثل التضخم والبطالة ونقص رأس المال ، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى قلق واضطراب اجتماعي يعقبه توتر سياسـي وعدم استقرار عسكري. يشمل الأمن الوطني أبعادً متعددة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية، ذات مكونات عديدة. وهي الأبعاد الرئيسية للأمن الوطني. يرتكز الأمن الوطني على قوى متميزة لحمايته، وهي في مفهومها الأولي عسكرية، إلاّ أنه من الممكن أن تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
وقد بلغ التطور في مفهوم السيادة درجة جعلت الدولة القومية نفسها مهددة تحت مسميات كثيرة مثل عولمة الاقتصاد ،القومية والاثنية ،الضغوط الدولية من أجل حقوق الإنسان، والاعتبارات فوق القومية كمهددات للدولة القومية. وطبقا لتقرير الدفاع الاستراتيجي للناتو في سنة1998 يجب أن تعطى الأولوية للاهتمام بالمخاطر التي تؤثر على الاستقرار، مثل انقسام الدول وما ينشأ عنه من نزاعات دولية أو عبر الحدود ومخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة وانتهاك حقوق الإنسان وانتشار أسلحة الدمار الشامل وتصرفات الدول التي لاتدور في فلك الغرب. وعلى عكس فترة الحرب الباردة حيث كان الاهتمام بالدول القوية التي تؤثر في ميزان القوى أضحى الاهتمام الآن بالدول الأضعف أو الدول المنهارة لارتباطها بالإرهاب والهجرة وعدم الاستقرار. وهناك تطور آخر وهو أن التدخل العسكري نفسه أصبح مصحوبا بآليات وإجراءات قضائية، مثل المحاكم الجنائية. تبعا لتطور المفهومين السابقين تطور مفهوم حق الدفاع عن النفس. أصبح في العالم نتيجة لتلك التطورات قوة أحادية عسكرية ونتيجة لذلك أصبح من حق بوش الابن أن يحلم بشأن الشرق الأوسط والمناطق الأخرى ساعده عاملان على ذلك:أولهما لم يعد هناك خوف من أن تقود التوترات الإقليمية إلى مواجهة بين القوى العظمى،وثانيهما لم يعد من الواجب على الولايات المتحدة الدخول في نزاع مع دول تزيدها شراسة . إضافة لذلك برزت تحولات أساسية في المفاهيم وهو باختصار سيادة الدولة على أراضيها وحقها في اتخاذ القرارات والسياسات والتشريعات فوق أراضيها،وحقها في الحصانة من التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية. شهد مفهوم السيادة استقرارا نسبيا في النظام الدولي -طوال فترة الحرب الباردة-أما في المرحلة الحالية فقد شهد تطورات نوعية إذ تم تدويل السيادة، إذ أصبح على الدولة أن تلبي شروط المجتمع الدولي لتتمتع بالسيادة على أرضها، فتقلصت حدود السيادة السياسية وزاد التدخل الدولي لمبررات كثيرة منها التدخل الإنساني، حقوق الإنسان، حماية الأقليات وغيرها وتنامى دور المنظمات غير الحكومية. لقد بات التدخل إجباريا على الدول عبر المنظمة الدولية أو حتى خارج مظلتها، كما حدث من حلف الناتو في كوسوفو. بل وتم وضع دول ذات سيادة تحت الإدارة الدولية مثلما حدث في كوسوفو وتيمور الشرقية اللتين وضعتا تحت إدارة دولية انتقالية.
والقيم الداخلية للمجتمع، بكافة أنواعها، هي الأولى بالحماية. أما البعد الخارجي فيتصل بتقدير أطماع الدول العظمى والكبرى والقوى الاقليمية في أراضي الدولة ومواردها، ومدى تطابق أو تعارض مصالحها مع الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتحكمه مجموعة من المبادئ الاستراتيجية التي تحدد أولويات المصالح الأمنية. وكذلك البعد الاقتصادى الذى يعنى توفير احتياجات الشعب الاساسية والوصول إلى حد الكفاية ثم الرفاهية الاقتصادية كذلك الحفاظ على البعد الاجتماعى الذى يهدف إلى توحيد المجتمع وازالة الانقسامات بين افراده وجماعاته المختلفة ومناهضة خطابات الكراهية والتحريض والاستئصال المجتمعى بما يساعد على تنمية الاحساس بالولاء والانتماء للدولة بين كل افرادها كذلك ضرورة الحفاظ على البعد المعنوى المتعلق بحماية حرية المعتقد الدينى والفكرى وممارسته وتأمين الدعوة إليه دون تمييز بين معتقد وآخر ولا بين أغلبية وأقلية وأخيرا الحفاظ على البعد البيئى الذى يوفر تأمين البيئة والحفاظ على الموارد والثروات ومحاربة مسببات التلوث التى تهدد الدولة فى الحاضر والمستقبل. ولا يمكن الادعاء بحماية الأمن القومى اذا لم يتم الحفاظ على البعد السياسى ويتمثل فى الحفاظ على الكيان السياسى للدولة وأليات تداول السلطة وسلميتها دون تزييف لارادة الجماهير ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة. وأصبحت حقوق الإنسان شأنا عالميا وليس محليا وأصبح انتهاكها مبررا مقبولا للتدخل الدولي السياسي والاقتصادي والعسكري. وأصبحت حماية حقوق الإنسان والشفافية والديمقراطية مطالب سياسية تدخل في علاقات المؤسسات الاقتصادية العالمية مع الدول (مثل اتفاقية كوتونو-برنامج الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا وقبلها وثيقة السوق الأوربية التي ربطت المعونات بالحكم الديمقراطي، احترام حقوق الإنسان ومحاربة الفساد والديمقراطية وحرية الصحافة). وظهرت مقاييس جديدة في تصنيف الدول منها مقياس أو مؤشر حرية الشعب. فى الوقت الذى أخذ فيه النظام الدولى يشهد تطورات مهمة فى هيكليته منذ سقوط النظام ثنائى القطبية، بدخول فواعل جدد نظام عالمى يجمع بين عضويتة الدول من ناحية، والعديد من المنظمات والهيئات ذات التأثير القوي فى السياسة الدولية مثل المنظمات الإقليمية والشركات متعددة الجنسية ومنظمة التجارة العالمية، ومجموعة العشرين من ناحية أخرى، فإن النظام العالمى الجديد الذى أخذ طابع القطبية الأحادية، أملاً فى أن يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، شهد بروزاً مهماً لدور الأقاليم على حساب قيادة النظام العالمى وأيضاً حساب دور الدولة الوطنية، بحيث أخذت تفاعلات الدول داخل أقاليمها الخاصة تتنافس، وأحياناً، تتفوق على علاقتها بقيادة النظام العالمى ومنظمته العالمية (الأمم المتحدة). فلم يعد التهديد هو العدوان العسكري المباشر المعلن بل تطور ليشمل التهديد المحتمل والذي قد يكون مثلا، امتلاك أسلحة دمار شامل أو إيواء جماعات إرهابية أو غيرها. وتطور هذا الحق ليشمل مفهوم الحرب الاستباقية لمنع التهديد المحتمل. ولم يعد هذا الحق يتم عبر الأمم المتحدة حالة الناتو في كوسوفو. الوجود العسكري الأجنبي لقوات بزعامة الولايات المتحدة الامريكية في مواضع عدة من بلدان الخليج العربي ومياهها الإقليمية. وعلى هذا الاساس ، يمكن أن نقرأ الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، بوصفها أهم المداخل لدراسة وتحليل التحولات الجذرية في المنطقة. فالولايات المتحدة هي الأداة المسيطرة على المنطقة، والقوة القابضة على ميزان القوى فيها، وعلى ضبط توازنه فلا تختل القوى بما لا يرضي الإستراتيجية الأميركية. وكان يمكن الإستراتيجية الأميركية أن تخفف من ثقلها العسكري في المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال خطر المنافسة السوفيتية. ولكن أسباباً عديدة مثل -الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي، وحماية إسرائيل، واحتكارها السلاح النووي، والعمل لتأصيلها في المنطقة وتمهيد السبيل أمام بسط هيمنتها على المنطقة، وبخاصة في البعدين الاقتصادي والأمني، من خلال تفكيك الرابطة القومية العربية، وتذويب مقومات هويتها، وإعادة تركيب المنطقة من قوميات ولغات وعروق متعددة، وتدمير أية قوة عربية تنحو نحو التمرد على الإستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية، والسيطرة على منابع النفط وممراته – دعت الولايات المتحدة إلى تبني مشروع النظام الشرق الأوسطي، القائم على مبدأ تشارك وتقاسم المسؤوليات الأمنية بين دول المنطقة، واهمها إسرائيل و تركيا.
وأما معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والموقعة عام 1950م، قد أشارت إلى التعاون في مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى "الأمن"، ونصَّت المادة الثانية منها على ما أطلق عليه "الضمان الجماعي"، والذي حثَّ الدول الأعضاء على ضرورة توحيد الخطط والمساعي المشتركة في حالة الخطر الداهم كالحرب مثلاً. لقد كان لغياب الإستراتيجية العربية الموحدة من ناحية، وتنامي القوى السياسية لدول المنطقة العربية بسرعة من ناحية أخرى، وميل كل منها نحو صناعة عمق استراتيجي لقوتها من ناحية اخرى، الأثر البالغ في تقسيم العمق العربي الكبير إلى وحدات إقليمية أصغر، مما ساعد على توفير المناخ المناسب لتركيا من الضغط على الشمال الشرقي للمنطقة العربية لصناعة عمق استراتيجي لها، وتقوم إسرائيل بتعقيد خريطة الصراع على العمق الدفاعي والاستراتيجي بتعميق الخلافات والصراعات وتفريغ المنطقة العربية من إمكانات التنمية من ناحية، ومحاولة تحطيم الآلة العسكرية للقوى المتنامية من ناحية ثانية، وصناعة عمق أمني لها وقت السلم، ونقل ساحة المعارك إلى أراضى الدول العربية المجاورة وقت الحرب، ومراقبة الصراع على العمق العربي من ناحية أخرى... مما جعل مفهوم الأمن القومي العربي يتراوح بين الأماني القومية ، والأحداث التي أثبتت عدم وجود هذا المفهوم. غياب الدور الفاعل للمؤسسات، قضية المركزية الشديدة، صغر حجم النخب السياسية الحاكمة،عدم وجود أحزاب سياسية فاعلة في معظم الدول العربية إضافة إلى عدم الشفافية السياسية وأزمة تفعيل النظام والقانون وانحياز أنظمة الحكم للأعراف والممارسات المتكررة التي تحمل معنى التراضي للتخلص من قيود النصوص الدستورية والقانونية وجمود الهياكل السياسية وضعف وسائل المشاركة والرقابة الجماهيرية إلى جانب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. إن شمولية الأمن تعني أن له أبعادًا متعددة.. البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.والبُعْد الاقتصادي.. الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.والبُعد الاجتماعي.. الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.و البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي.. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.والبُعْد البيئي.. الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظا علىً الصحة العامة.