كلاهما: ثابت حبيب العاني وعزيز شريف من أخلص الذين اعتصموا بزهرة الرمان كلاهما من الذين ساهموا بصياغة أحلامنا، حتى الخطوة الأخيرة وهما فوق هذا الأديم العراقي الذي يخضوضر بالتضحيات والمكابرة نحو غد ٍ أجمل.. منذ سنوات وأنا أعاود قراءة أسفار المناضلين الشيوعيين العراقيين وأثناء نزهاتي في هذه الأسفار، بخفوت عذبٍ يغمرني صوت شقيقي خريج سجون البصرة وبغداد ونكرة السلمان محمد مسعود وهو يحدثني عن هذه الأسماء الساطعة التي تحدت الطاغوت العراقي وبالوقت نفسه محمود مسعود ينفض تراب الجلادين في المقابر الجماعية ويوصيني بزهرة الرمان.. تبتسم هذه الزهرة الشامخة التي ما فارقتها ولا خذلتها ولم أتوقف عن سقياها يوما من الأيام منذ 1972 حين صار لي اسما جديدا وما زلت رايتي زهرتنا الشامخة وما زالت البطلة الرابطية منى مسعود التي ساهمت كل هذه السنوات تشارك وتتابع مجريات النضال وهي على سريرها.. منى مسعود الشيوعية المناضلة التي حملت وتحملت مسؤولية الحفاظ على زهرة الرمان يانعة في عوالم أسرتنا. قبل شهرين عاودتٌ قراءة مذكراتهم وقررت.. أن أقطف من كل كتاب زهرة ً واحدة ً أهبها لأحفادنا وحفيداتنا وللرفاق الذين اقتسموا معي الهجير والغبش النضالي في مقالتي هذه لا توجد مخيلة الشاعر أو الروائي. بل دقة اقتباس المثبّت في كتب المناضلين
(*)
م: 1965 قررت اللجنة المركزية في اجتماعها التوجه نحو أستلام السلطة، وجرى التأكيد على قرار اللجنة المركزية اللاحق في 1967أما في اجتماع اللجنة المركزية عام 1968 وتحديدا بعد انقلاب البعث، لم تتطرق اللجنة المركزية إلى شعار إسقاط السلطة؟!!
ث: يبتسم بخفوت وبصوت هامس يخاطبني: بل جرى التطرق إلى المطالب الشعبية وكيفية تحقيقها.
م: أليس ذلك يعني تراجعا؟
ث: بل ضمن الظروف العراقية اللجوء إلى النضال السلمي
م: والنتيجة...؟
ث: تم إطلاق سراح الموقوفين والسجناء واعادة المفصولين ما عدا العسكريين، تم تنسيبه في دوائر مدنية
م: من هو (حامد مقصود)؟ ولماذا رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر، قال لقيادة حزبنا (ممكن نعفو عن أي شخص ما عدا حامد مقصود؟
ث: حامد مقصود متهم بقتل جاسم التكريتي أحد قادة انقلاب 8 شباط. لكن حزبنا هرّبه من السجن، حامد مقصود كان من المؤيدين للقيادة المركزية، أعني لا ينتسب للجنة المركزية، لكنه كان من رفاقنا القدماء قبل ثورة 14 تموز1958 وكان يعمل في مقر عبد الكريم قاسم، كما كانت له علاقة معه. وفي يوم 14 تموز منعه عبد الكريم قاسم من النزول حتى لا يخبر الشيوعيين العسكريين الموجودين في الجيش. أرسل حزبنا حامد مقصود إلى كردستان لكي يلعب دوره في توطيد العلاقة مع البرزاني، كما سعى الحزب إلى أرساله للدراسة في الخارج. وتبنيتُ أنا شخصيا الموضوع، وقدمت أوراقه، ولكن جرت الموافقة على طلب زوجته، ولم تتم الموافقة على طلبه مما أثار بعض التوتر في علاقته مع الحزب متصوراً أن الحزب وقف ضد دراسته في الخارج. لهذا السبب التحق بالبرزانيين وأصبح ضمن قواتهم
م: علاقتك متينة مع الرفيق عزيز شريف: هل حقا تم استيزار عزيز شريف عن طريق اذاعة بغداد؟
ث: حدث ذلك في 1969 كنا في اجتماع المكتب السياسي للحزب وقد اقتصر الحضور على زكي خير وباقر إبراهيم وأنا، لعدم وجود الرفاق الآخرين في بغداد، وبالصدفة فتحنا الراديو، وسمعنا خبر تعيين عزيز شريف في الوزارة. بحثنا الموضوع بالمكتب السياسي وقررنا أن نعارض مشاركة عزيز شريف
م: ماهي كيفيات معارضتكم؟
ث: كُلّفت ُ أنا بلقاء عزيز شريف. ذهبتُ.. ولم يكن موجوداً في داره، طلبتُ من عائلته إخباري في حالة وصوله واعطيتهم رقم تلفوني.
م: ماذا حدث بعدها...؟
ث: مساءً اتصلوا بي وعرفت منهم فذهبتُ إلى بيت فاضل الخطيب
م: ماذا كنت تريد من عزيز شريف بالضبط...؟
ث: أنا لا أريد.. موقف المكتب السياسي للحزب هو اقناع عزيز شريف بالعدول عن الموافقة على منصب الوزير. خاصة وقد تم في ذلك اليوم أن أقسم اليمين بعض الوزراء، ولم يكن عزيز شريف من بينهم. وكان رفض قيادة الحزب، يستند على أن ذلك سيعرقل مشروع الجبهة الذي طرحه الحزب على الأطراف السياسية
م: هل كان الرفيق عزيز شريف وحده الذي اختارته حكومة البعث في 1969...؟
ث: لا.. اتصلت الحكومة بشخصيتين وطنيتين هما: عبد الوهاب محمود ومحمد حسن سلمان، طالبة منهما التعاون معها. فاتصلت هاتان الشخصيتان بحزبنا الشيوعي وطبعا هما من الشخصيات المستقلة
وقد أجابهما الحزب أن الرأي رأيكم، ولكم اتخاذ القرار في هذه المساهمة. وأنتم من الشخصيات الديمقراطية والتقدمية في الحركة الوطنية وبالنظر لمكانتكم فمن المفروض أن تطرحوا ضرورة إطلاق الحريات الديمقراطية وهو مطلب من المطاليب الأساسية ويشكل مبرراً أمام الجماهير لمشاركتكم.
م: لماذا اختلف خطابكم مع عزيز شريف...؟
ث: نعم.. كان رأي الحزب حول أستيزار عزيز شريف في الحكومة أكثر تشدداً. قلتُ له وجها لوجه وأنا في بيت فاضل الخطيب وبحضور عامر عبد الله. قلت لعزيز شريف: أنني باسم المكتب السياسي أود مناقشة قضية أستيزارك. فأجابني: (والله أنني فوجئتُ بالأستيزار)
م: وانتهى الكلام بينكما؟
ث: لم ينته ٍ.. طلب مني عزيز شريف أن أبدي رأي الحزب. فشرحتُ له رأي المكتب السياسي القائم على رفض المنصب الوزاري. وقلت ُ له أن عدم مفاتحتك بالتكليف الوزاري يمكن ان تجعله ذريعة كي ترفضه ُ فالحكومة لم تأخذ رأيك فيه، وأعلنته بدون سابق أنذر.
م: كيف كان ردود فعل الحاضرين أثناء كلامك هذا...؟
ث: عامر عبد الله لم يبد رأيه.. ألتزم بالصمت.. واصلت كلامي إلى عزيز شريف.. قلت ُ له: أنت منذ تولي سلام عادل قيادة الحزب، كنت مرشحا للجنة المركزية ولحد الآن ونحن في 1969 وأنت من المرشحين للمركزية وأنت شقيق الشهيد عبد الرحيم شريف وابن عمك الشهيد توفيق منير، وهؤلاء هم القتلة، فكيف لك أن تعمل معهم؟
م: كيف رأيت الرفيق عزيز شريف وأنت تخاطبه هذا الخطاب الذي يستهدف استعادة ذاكرة تاريخية شخصية لدى المناضل القيادي شريف؟
ث: في الحقيقة كان عزيز شريف في حيرة، فكيف يرفض الوزارة في تلك الأثناء اتصل عبد الخالق السامرائي وقال (أينك أبو عصام) نحن نبحث عنك.. أريد أن أراك فأجابه أبو عصام/ عزيز شريف: أنا أيضا أريد أن أراك.
م: وأنت بدورك كعضو مكتب سياسي ما هو رأيك لحظتها؟
ث: قلت له: شوف أبو عصام، ماذا سيكون موقف الحزب لو ذهبت وأقسمت اليمين؟ أليس من حق الحزب أن يصدر بيانا على أنك في قبولك لهذا المنصب لا تمثل الحزب؟ فأجابني (من حق الحزب أن يقوم بذلك)
م: والنتيجة الأخيرة...؟
ث: ذهب الرفيق عزيز شريف وأقسم اليمين
م: كيف ترى أنت الموقف، من خلال تجربتك العميقة؟
ث: أرى الموقف هكذا.. لم يكن يخطو خطوة ً بدون أخذ رأي السوفيت،
م: والحزب الشيوعي العراقي كيف تقبل الأمر؟
ث: اجتمع المكتب السياسي وأصدر بيانا يقول فيه (جرى تعديل وزاري ودخلت فيه عناصر جديدة ومن ضمنهم السيد عزيز شريف، وأن حزبنا لم يساهم في هذا التعديل)
م: ما الغاية من هذا البيان؟ لماذا(الرفيق) صار (السيد)...؟
ث: في هذا البيان أراد الحزب أن يؤكد أن عزيز شريف لا يمثلنا
فصدر البيان ووزعناه.. مجلة (الثقافة الجديدة) 1969: عزيز شريف الشخصية العراقية المرموقة رئيس حركة السلم العراقية وعضو في مجلس السلم العالمي في المجلة منشورة له مداخلة حول مؤتمر حركة السلم العالمية، المنعقد في طاشقند، يعلن عزيز شريف في هذا المؤتمر أنه شخصية مستقلة، مما جلب انتباهنا، ولم يكن لهذا الإعلان أي سبب، فاعتبرنا هذا الإعلان بمثابة تخليه عن الحزب. وفي أحد الأيام حاورناه، (فأجاب: في كل تلك السنوات كنت مرشحا للجنة المركزية.. ألا أستحق أن أكون عضوا في اللجنة المركزية)
م: فعلا.. سؤاله موجع جدا. كيف تفسر وأنت عضو في المكتب السياسي للحزب.. هذا الأمر؟
ث: نعم أورد عزيز شريف هذه العبارة بمرارة. وبتقديري كان هناك اجحاف بحقه
م: ماهي العبارة التي قالها عزيز شريف لك وما زلتُ تتألم من أجله لحد الآن؟
ث: العبارة التي قالها لي حين التقيته في موسكو عام 1971 قال:
(أنتم تتحدثون الآن عن (السيد) عزيز شريف، ولم تجدوا غير كلمة (السيد) لمخاطبتي؟ لم يؤذيني البيان الذي أصدرتموه، لأن البيان من حقكم. ولكن كلمة (السيد) اعتبرها إهانة لي، فلم تقيموا تاريخي ونشاطي وعملي.