مرحلة ما بعد خروج القوات البريطانية في اعقاب الحرب العالمية الثانية، وإسقاط حكومة الإنقاذ برئاسة الكيلاني حيث استهلت بتشكيل نوري السعيد لوزارته بولائه للحكومة البريطانية ، وتميزت هذه الحقبة بولاية الوصي على العرش عبد الإله ومن بعده الملك فيصل الثاني.حيث اتسمت حركة التنمية بوتيرة منخفضة، فسادت اجواء التخلف وتباطؤ حركة البناء والعمران تحولت  الحياة السياسية إلى حالة من الركود حيث انتابت الحركة النيابية الجمود وأصبح البرلمان لعبة بيد مراكز القوى السياسية كنوري السعيد وعبد الإله، اما الأحزاب والقوى الوطنية فقد انحسر دورها، وطفت على السطح الأحزاب الشكلية الخاوية من ايديولوجيات أو برامج العمل. كما ان  الحكم الملكي اضطهد  قيادة حركة مايو / مايس 1941 واصدار احكام الإعدام بحقهم، وربط العراق باحلاف سياسية ومعاهدات جائرة مع بريطانيا مسّت سيادته وهدرت ثرواته الوطنية، دون النظر إلى المصلحة العراقية الوطنية. و كانت اتهامات  لحكومات وزعامات الحكم الملكي بفساد النخبة السياسية من غير الملك وعائلته، وانتشار المحسوبية والفساد الإداري والمالي. وكذلك يؤخذ على الحكم الملكي عدم حل المشكلات الداخلية كالتلكوء بمنح الاقليات الحقوق الثقافية.  وعلى الصعيد الخارجي اثرت السياسات والصراعات الداخلية على المواقف العربية، فبدأ الحكم الملكي يتخذ مواقف هدفها تنفيذ المصالح البريطانية في المنطقة على حساب مصالح بعض الدول العربية كعدم الجدية في الوقوف مع القضايا العربية التي تمس الامن الوطني العراقي كظهور الكيان الصهيوني  على أرض فلسطين وخسارة الحرب الفلسطينية الأولى عام 1948، على الرغم من المشاركة الواسعة والفاعلة للجيش العراقي، إلا أن تدخل الحكومات قوض النصر الحاسم في المعركة.، وكذلك عدم الجدية بالوقوف مع مصر في العدوان الثلاثي عليها وحملة العداء على سوريا . ما كانت عليه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة آنذاك. وكيف كانت البلاد نفسها تمضي في مهب الريح، والدليل على ذلك تشكيل نوري السعيد 13 وزارة استمرت كل منها فترة قصيرة قبل أن تسقط. بينما كانت البلاد تغرق في الفقر والجهل وتعيش تحت رحمة نظام إقطاعي ظالم مصادر لحقوق الفلاحين.                                        

     بدات حركة الجيش العراقي في 14 تموز 1958 كأنقلاب عسكري وسرعان ما تحوّلت إلى ثورة تدعمّها الجماهير الشعبية ، فقد تم تحقيق أنجازات كبيرة لمصلحة الشعب لا يمكن أن يجادل أي أنسان موضوعي بأهميتها.  اسقاط النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري، وتبني سياسة عدم الإنحياز، وإلغاء جميع المعاهدات الاستعمارية الجائرة المخلة بالاستقلال الوطني، والخروج من الأحلاف العسكرية (حلف بغداد)، وتحقيق الإستقلال السياسي التام والسيادة الوطنية الكاملة، وتحرير الاقتصاد والعملة العراقية من الكتلة الإسترلينية، وإلغاء حكم العشائر، والنظام الاقطاعي، وتحرير الملايين من الفلاحين الفقراء من سيطرة الإقطاعيين بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وتحرير  الأراضي العراقية من سيطرة الشركات النفطية الاحتكارية بإصدار قانون رقم 80، وتحرير المرأة بإصدار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وازدهار الصناعة، وبناء عشرات الأحياء السكنية للفقراء، والتفاف الجماهير حول قيادة الثورة وحماية منجزاتها…وغيرها والقائمة تطول…

  كان قاسم وطنياً لا خلاف على ذلك بالرغم من الأتهامات الباطلة حول عمالته للأنكليز . وكان من أبناء الطبقة المتوسطة  ولا يمكن لعسكري ينتمي بعقليته إلى تلك الطبقة مع وطنيته إلا أن يتصرف وفقاً لما تعلّمه وعرفه ومارسه في ذلك الوقت من نهاية خمسينيات القرن العشرين . ولابد لنا  من تقييمه موضوعياً وتأريخياً فبالرغم مما أنجزه من أصلاحات وقوانين جيدة إلا أن قاسم أرتكب أخطاء كثيرة أودت في النهاية بالجمهورية الوليدة.  عبد الكريم قاسم واحد من أهم الوطنيين العراقيين ، الذين وصلوا إلى حكم البلاد ، وكان الرجل نزيهاً وعفيفاً وعمل على أصلاح بلده, وخلافا لإدعاءات القوميين وقت  ذاك، فإن الزعيم عبد الكريم  قدم الكثير لنصرة الثورة الجزائرية، وللشعب الفلسطيني، وهو لم يكن، كما ادعوا، عدوا للوحدة العربية، وإنما كان رجلا واقعيا، ويرفض الوحدة الاندماجية التي أرادها الناصريون والبعثيون، وهي الدعوة التي فجرت التناحرات الحزبية العنيفة، وأشعلت صراعات أربكت الثورة وزعزعتها، وشكلت ضغوطا هائلة على خطوات الزعيم ، وأحبطت قراره بصياغة دستور دائم والانتقال لعهد أكثر استقرارا. تلك الصراعات قد تركت آثارها المؤذية على التطور العراقي اللاحق . ولا زلنا نعاني من فرقة الأحزاب الوطنية في الوقت الحاضر ونحن نجابه حرباً طائفية وخارجية ،اضافة الى ماعانينا ولازلنا نعاني منه" الإرهاب".                                                     

 لقد فرضت ثورة 14 تموز 1958 وضعا جديدا كانت الحاجة فيه لاول مرة الى مقاربات فكرية جديدة تنتج مواقف سياسية مناسبة للاحداث غير المسبوقة, اذ رغم الحاجة الدائمة لمناضلين اصحاب قدرات تنظيمية لكن الاولوية اصبحت  للافكار سيما وان العمل شبه العلني فرض على القادة الذين عملوا طويلا في السر، الظهور واتخاذ مواقف سياسية لاحداث مستجدة ومتغيرة . واِنعكس التطور على صعيد النفط العراقي بضرب شركات النفط بمصادرة الأراضي التي كانت في حوزة الشـركات الأجنبية بعد إصدار القانون 80 لعام 1961 ،  الذي يعني تنفيذه في نهاية المطاف : (تجريد الشركات من حقوق التنقيب المعطاة لها  بموجب اِتفاقية النفط) مما أعاد الحقوق الوطنية التاريخية العراقية في جميع الأراضي . وقامت الشركات بالاِعتماد على الأنظمة المجاورة للعراق في زيادة إنتاج النفط من الدول المجاورة كونها تمثل وحدة اِحتكارية متحدة  بغية عدم زيادة الإنتاج النفطي من العراق ، وبالتالي التوقف عن زيادة العائدات المالية الحكومية في العراق بهدف إحداث اِرباكات سياسية واِقتصادية في الدولة العراقية . وكذلك اِنسحبت الدولة العراقية من حلف بغداد العسكري والسياسي . وخرجت من منطقة الخضوع للجنيه الإسترليني البريطاني.