تفاقمت على نحو مريع مآسي الهجرات غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط بقوارب الموت خلال العقد الماضي ووصلت ذررها أوائل العقد الجاري، حتى لا يكاد يمضي شهر أو أقل دون أن تبث وكالات الأنباء خبراً بغرق قارب يحمل عشرات المهاجرين قبل وصوله إلى مرساه على واحدة من الضفاف الأُوروبية، لكن القارب الذي غُرق مؤخراً قبالة السواحل اليونانية والمحمّل بنحو 750 مهاجراً من جنسيات متعددة، من بينها مصر وسوريا وباكستان، يُعد الأكثر مأساوية في سلسلة كوارث قوارب المهاجرين عبر المتوسط، فبينما تأكد غرق 80 راكباً لقوا حتفهم، مازال مصير 500 راكب مجهولا!  

وظلت قضية كيفية التعامل مع ركاب القوارب التي نجحت في الوصول إلى البر الاوروبي مسألة خلافية بين دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 20115، وفي العام الماضي نجح 160 ألفاً في عبور المتوسط، فيما لقى 2500 حتفهم غرقاً، هذا في الوقت الذي تتشدد فيه الأحزاب اليمينية والشعبوية في دول الاتحاد ودولتي بولندا والمجر ضد أي التفاتة إنسانية واقعية تجاه مشكلة طالبي اللجوء، سيما الفارين منهم من منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ورغم أتفاق وزراء داخلية دول الاتحاد في أوائل الشهر الجاري على تقاسم المسؤولية في تحمل تبعات المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين. إلا أن الحلول تبدو ترقيعية لا تتعامل مع جذور المشكلة، وهي جذور تاريخية ومعاصرة، وهذه الحلول المغيبة هي التي تكفل وحدها بحل تلك المشكلة برمتها، بدءاً -على الأقل- من التعامل الإنساني مع ركاب قوارب الموت وهي في عرض البحر قبل تركها تغرق أمام تفرج ولا مبالاة دول الاتحاد الأوربي، وهذه الدول لم تطرح قط على أجندة اجتماعاتها لبحث المشكلة هذا السؤال: ما الذي يحمل المهاجرين على الإصرار على الهجرة بهذه الطريقة غير الشرعية المحفوفة بالمخاطر الجمة؟ هذا رغم علم هؤلاء المهاجرين المسبق بتلك المخاطر، وبما جرى لمئات الآلاف ممن سبقوهم، سواء بالموت غرقاً، أو بإهدار كرامتهم الإنسانية أمام معابر الحدود، وذلك بإبقائهم في مخيمات في ظل ظروف مناخية سيئة تفتقد لأبسط شروط المعيشة الإنسانية لفترات طويلة، ولعل القلة هي من تفلح -بوسائل شتى بالحصول- على تصريح للدخول إلى داخل عدد محدود من دول الاتحاد تقل عن أصابع اليد الواحدة.

ولما كانت دول الاتحاد  الاوروبي ذات النفوذ الأقوى فيه هي نفسها الدول الاستعمارية التي تتحمل دوراً رئيسياً في إفقار  البلدان الشرق الأوسطية والأفريقية والآسيوية، سواء في فترة وجودها الكولونيالي المديدة، أو من خلال مواصلة استغلال مواردها في أعقاب حصولها على استقلالها فيما بات يُعرف بالاستعمار الجديد، أو الاستعمار الاقتصادي، وصولاً للعولمة، فإنها تتحمل بالتالي مسؤولية تاريخية أخلاقية في مساعدة شعوب هذه البلدان على تحقيق الاستقرار الداخلي والتنمية المستدامة المستقلة لا المرتهنة لمصالح تلك الدول الأُوروبية بمواصلة نهب ثرواتها، بالتواطؤ مع الطبقات الحاكمة لتلك الدول النامية، عدا عن أن سياسات الدول الأوروبية الكبرى غير بريئة تماماً من إشعال الحروب الإقليمية والصراعات الداخلية بين تلك الدول النامية وداخلها، مما يقوّض استقرارها ويدفع الكثير من أبنائها على الهجرات الجماعية من أوطانهم. 

على أن دول الاتحاد الأوروبي ما فتئت تناور عن أتباع الحلول الجذرية وتتعامل مع النتائج، من خلال تحميل الدول التي فر منها المهاجرون المسؤولية طوراً، أو تحميل العصابات الإجرامية (أصحاب القوارب الذين غرروا بالمهاجرين) تارة اخرى، وهذه كلها نتائج وليست جذور المشكلة القائمة، وخصوصاً في ظل صمت ولا مبالاة الدول أيضاً التي ينتمي إليها المهاجرون. 

 

عرض مقالات: