الديمقراطية في العراق جسر للاستبداد وهي كمين لا يقع في شباكه الا الحاطبون في الليل.

من ابرز خصائص مرحلة ما بعد الاحتلال عام 2003 هي فوضى المفاهيم في ظل لوحة مشوهة من التضليل الأيديولوجي والتعمية المقصودة لحجب الحقائق عن الشعب لتمرير مشروع الاحتلال البغيض في تكريس تبعية العراق السياسية والاقتصادية للهيمنة الراسمالية .

ابتدأ احتلال العراق بالتضليل الأيديولوجي، اذ سار الامريكان على نهج اسلافهم الإنكليز بالتمهيد لاحتلالهم العراق باعتماد مفهوم (جئناكم محررين لا فاتحين).  في الصفحة الأولى” تحرير العراق من الاحتلال العثماني” وفي الصفحة الثانية تحرير العراق من الدكتاتورية لبناء مجتمع الانتقال الديمقراطي”. وقد استمرأ او ارتضى قطاع من العراقيين بهذا التضليل ومن ابرزهم هي الكتل والأحزاب والشخصيات التي هيمنت على السلطة والقرار في العراق ثمنا لدعمهم التوجه الأمريكي من خلال توقيعهم على قانون تحرير العراق أيام بوش الاب .

أطلقوا على قوات الاحتلال التي تجمعت من كل حدب وصوب مفهوم” قوات التحالف الدولي” كغطاء دولي للاحتلال الأمريكي.

أطلقوا على يوم انهيار النظام الدكتاتوري في (9 نيسان) من العام 2003 مجموعة مفاهيم فهو” يوم النصر” و” يوم التحرير” بل اقترحت بعض الكتل السياسية اعتباره” اليوم الوطني العراقي”.  لا نحتاج كثيرا من الجهد لنثبت انه البداية السوداء لتدمير كل ما بناه العراقيون منذ تأسيس الدولة العراقية ، وكل من تصور انه يوم نهاية الشرور واستهلال لعهد البناء وانطلاق فضاء الحرية الفسيح كان واهما ومر عليه زيف الأيديولوجيا .

من المفاهيم الخطيرة التي اعتمدها الاحتلال والكتل المهيمنة لتغطية المنظومة السياسية والاقتصدادية والاجتماعية التي ادارت البلاد منذ عام 2003 هو (مفهوم المظلومية) لتسويق وتسويغ المحاصصة الطائفية والاثنية والمناطقية والفساد المالي في إدارة الحكم منذ 2003.

تسود الحياة السياسية في العراق لوحة متشابكة متناقضة ملتبسة لمجموعة من المفاهيم تتعايش مع بعضها بطريقة غريبة لا نجد لها شبيها في تجارب العالم المعاصرة والماضية ومن هذه المفاهيم المتقاطعة تماما مفهوما” مرحلة الانتقال الديمقراطي” و” مفهوم الدولة الريعية”.  فمن المعروف ان مرحلة الانتقال الديمقراطي تعقب انهيار نظام دكتاتوري وتتولى قيادة التحولات الاجتماعية بعد ذلك قوى تقود و تتبنى اليات ومبادئ الديمقاطية للوصول الى مرحلة التحول الديمقراطي . واصبح واضحا ان القوى التي تقود التحولات الاجتماعية بعد الاحتلال هي قوى الاحتلال والكتل المهيمنة المتعاونة مع الاحتلال وهي قوى ابعد ما تكون عن الديمقراطية وأثبتت العشرون عاما الماضية انها قوى وجدت لتدمير بلدنا وليس لها علاقة بالديمقراطية سوى الشكل اما من حيث الجوهر فهي قوى تستخدم الاستبداد وجميع اشكال الهيمنة والسيطرة لتابيد مواقعها في الحكم . اما مفهوم” الدولة الريعية” و” الاقتصاد الريعي” فان الاقتصاديين يكاد يجمعون على ان النظام الاقتصادي في العراق هو اقتصاد ريعي يعتمد في عائداته النقدية على الريع النفطي في غياب اية أنشطة إنتاجية أخرى تسهم في الإيرادات العامة”.  وان الاندفاع نحو الاتجاه الليبرالي للنظام الاقتصادي في العراق جاء مسنودا من المنظمات الدولية المؤيدة للعولمة وبدعم من الولايات المتحدة الامريكية”.

فان الدولة الريعية” تلد الاستبداد والتسلط بسبب طبيعة بنيتها والقوى التي تستند اليها”.  ولذلك ينشا” تحالف بين القوى المهيمنة التحالف البيروقراطي والبرجوازي والكومبرادوري مع الاحتلال ودوائر راس المال العالمي”.  بعد هذا العرض المكثف لمفهومي” الانتقال الديمقراطي” والدولة الريعية” يتضح ان شعارات الديمقراطية وملحقاتها ليست الا تضليلا ايديولوجيا لتمرير الاستبداد والتبعية.

وعلى السياق نفسه نجد مفهوم” النظام الاتحادي الفدرالي” في العراق ليس الا شعارات لا تجد لها في التطبيق سوى الجعجعة الأيديولوجية، فلا السلطة الاتحادية تلتزم بالصلاحيات المحددة لها بالدستور وجميع رؤساء الوزارات كانوا يمارسون السلطة بطريقة الحاكم المطلق، وكانت الحكومات المحلية سواء مجالس المحافظات او المحافظون تمارس السلطة بعيدا عن قانون مجلس المحافظات غير المرتبطة بإقليم، وكل الممارسات التي قامت بها سلطة الإقليم تصب في حقل السعي لتحقيق الكونفدرالية وليس الفدرالية.

عرض مقالات: