أغلبنا يذكر ماكان يتبجح به صدام في جلساته ولقاءاته، إذ كان يقول إن "من يريد ان يتسلم العراق فسنسلمه ترابا".

  وهو قطعا بهذا الكلام يثبت انه لم يتسنم رئاسة العراق إلا لأجندة مكلف بها، ويقول البعض انه تلميذ تمرد على أسياده، فإن كان هذا حقيقة فصدام لم يعمل صالحا لا لأعدائه، ولا لأبناء جلدته، وهو بهذا كان حريصا على أن يكون ضرره ذا تأثير طويل المدى، فعمل على تأسيس بلد متهاوي الأركان منخور الداخل، وعمد إلى تغيير كثير من مفاصل البلد، وكذلك عمد إلى إدخال الخراب في أصغر خلية في المجتمع وهي "الفرد العراقي". وما نراه من سيئين اليوم على واجهة الحكم والسلطة ومراكز صناعة القرار، فإن بعضهم ماهو إلا وليد ذلك النهج، وبعضهم من هو سيئ بالسليقة، والسوء فيه طبع وغير هذا مكلف عليه وقد قيل سابقا:

الظلم طبعك والعفاف تكلف

                      والطبع أقوى والتكلف أضعف

  ماذكرني بصدام وسياسته، هو الآثار التي خلفها وراءه والشخصيات التي تظهر على سطح الأحداث، حاملة النهج والسياسة ذاتهما، حتى بعد زوال سيدهم "القائد الأوحد" حكما وجسدا وروحا وحزبا وأزلاما وعائلة، وعلى وجه الخصوص الشخصيات التي تتصدر المراكز الأولى في إدارة زمام أمور البلاد وملايين العباد. وأظن خير مثل ينطبق على حالة كهذه هو المثل القائل: "يروح معيط يجي أمعط". وأمعط هذا هو الذئب الذي يتنطط على الأشجار ويتسلقها بمهارة، فتنتف أغصانها بعضا من شعره، فيبدو "أمعط". وللمثل حكاية معروفة.

  ما يعزز كلامي هذا هو ظهور نشاط من قصدتهم على حلبات المنازعة، خلال الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد عام 2003. ولا أظن أحدا ممن يتابعون سير اجتماعات الساسة لم يلمس هذه الحقيقة على مستويات عدة. فلو عدنا بالزمن الى الوراء مايقرب العقدين، لوجدنا من الأمثلة على هؤلاء الكثير، فرؤوس السلطة في مؤسسات الدولة، لم يعملوا في مناصبهم بما يدل على أنهم مكلفون بخدمة الشعب، لا من قريب ولا من بعيد، وما تداعيات تأخير إقرار الميزانية العامة كل عام، إلا دليل على سوء الإدارة المتعمد من قبل المجلسين التشريعي والتنفيذي، إذ يدرك المجلسان جيدا أن عصب إدارة الدولة يكمن في اقتصادها، فوجهوا اهتمامهم إلى العمل بالضد في كل مامن شأنه تحسين اقتصادها.

  ولو أحصينا مايعمله آخرون من الذين مازالوا في سدة الحكم، لوجدنا أن لهم التأثير ذاته إن لم يكن أكثر سوءا، فمناصبهم في ظرف كالذي يمر به العراقيون، يحتم عليهم التصرف بواعز الضمير والأخلاق والنزاهة والمهنية، ويحتم عليه كذلك التحلي بخصال الإيثار والحرص والشهامة والمرجلة والغيرة والرأفة والحنان، لكن الذي حصل -ومازال يحصل- من تداعيات تنذر بمخاطر جمة على البلاد، حيث ما تقدم من خصال بعيدة عن مسؤولينا تماما، وكما يقول المثل: "بعيد اللبن عن وجه مرزوگ".

   إنه لمن المخزي والمعيب ان تكون مسؤولية رعية على عاتق أشخاص ليسوا بكفء على حملها، والأدهى من هذا أنهم يتمادون في سرقة رعيتهم في ظرفهم العصيب، وأظن صفحة واحدة من صفحات الفساد، تكشف حجم السرقات والاحتيال على المال العام والخاص على نحو سواء.

  فهل نقول صدق صدام في مقولته، وصدق في أفعاله بإدخال الخراب إلى الفرد والمسؤول والسياسي، ليعم الخراب بعدها كل بقاع العراق، وبذا يكون إن سلمه فسيسلمه ترابا؟

عرض مقالات: