سنغافورة دولة صغيرة تقع في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة الملايو. معدل معرفة القراءة والكتابة 99.3 في المائة ولها نظام تعليم مدرسي يعد من أبسط و اكفأ الانظمة التعليمية في العالم.

 لا أخفي سرا اذا بينت اني من اشد المعجبين بنظام التعليم السنغافوري وكثيراً ما كتبتُ بهذا الشأن وشرحت افضلية هذا النظام على الانظمة التربوية العالمية الاخرى. وبسبب ارتباطي الكبير بهذه الجزيرة لسنوات عديدة بدأت في بداية التسعينات من القرن الماضي حيث ساهمت مساهمة فعالة في تطوير علم البيولوجيا التطبيقية ومساعدة جامعة سنغافورة الوطنية في بناء القاعدة العلمية لإنتاج العقاقير الطبية والتي اشار اليها "لي كوان يو" مؤسس سنغافورة الحديثة، بان سنغافورة قامت "بتأسيس المعهد العالي للجينات البيولوجية، فاستقدمت خبراء من بريطانيا والسويد واليابان وعملوا معهم بجد ومثابرة على مستوى دولي، وبذلك تطورت لديهم صناعة متطورة للعقاقير الطبية". وهي إشارة واضحة إلى العمل الرائد الذي ساهمت به في تلك السنوات (راجع مقالنا: سنغافورة صرح كبير للعلم والتكنولوجيا، 2014)(1).

 نظام التعليم في سنغافورة هو بلا شك الأفضل في العالم. في الواقع، إن الطلاب السنغافوريين هم الأفضل أداءً في جميع أنحاء العالم والذين يسجلون باستمرار درجات عالية في تصنيفات OECD PISA. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت العديد من الدراسات أن الطلاب السنغافوريين أذكى من الطلاب من أوروبا وأمريكا الشمالية.

 ماذا يمكن أن يكون السبب في أن نظام التعليم في سنغافورة هو الأفضل في العالم؟ وما هي الدروس التي يمكن أن نتعلمها منهم؟

 تهدف وزارة التعليم السنغافورية إلى "تطوير شغف التعلم لمساعدة الطلاب على تحقيق إمكاناتهم الكاملة واكتشاف مواهبهم ومساعدتهم على التفوق". وقد اختارت منهجا فريدا من نوعه للتعليم مع التركيز الأساسي على ضمان نمو الفرد النفسي والاجتماعي. يعتمد تعليم سنغافورة على  الأساليب المهنية النوعية والماهرة، وهذا هو سبب إنفاق 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم.

جودة التعليم السنغافوري فريدة من نوعها من حيث طرق التدريس والتعلم وتميز نفسها عن البلدان الأخرى من خلال التركيز على جودة التعليم بدلاً من كميته.

 رواتب المعلمين سخية وليس عليهم أن يتحملوا وطأة السياسات الاقتصادية القاتلة للحكومة. يتم منحهم مكانة أكثر شرفاً في المجتمع من أي مسؤول حكومي آخر. من النادر العثور على أي خطأ في المدرسة فالمرافق مجهزة بأفضل التجهيزات، ونسبة الطلاب إلى المدرسين هي 15: 1 في المرحلة الابتدائية و 11: 1 في المرحلة الثانوية، اما معدل التسرب فهو لا يكاد يذكر ونظام القبول صارم للغاية. وسيلة التدريس هي اللغة الإنجليزية فقط ويعد "التعلم المبهج" و"الإحساس بالقومية" لدى الأطفال و"تعلم أقل لتعلم المزيد" من السمات المهمة لنظام التعليم في سنغافورة.

 إذا تحدثنا عن المنهج، فقد اعتمدت الدولة المنهج الذي سيمكن مواطنيها من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. على الرغم من أن هذه الدولة كانت تحت الحكم البريطاني لفترة طويلة، إلا أنها لم تتبنى نظام التعليم الغربي بالكامل. يركزون على قراءة وتدريس الرياضيات والعلوم واللغة الأم من المستوى الابتدائي والى المستوى الاعدادي، وتم تبني المواد المهنية الأكثر توجهاً عملياً بدلاً من الموضوعات التقليدية في سنوات الثانوية وما بعدها فمعظم المدارس في سنغافورة هي مدارس موجهة للتطوير المهني. ومن ثم، يوجد حد أدنى لعدد ساعات التدريب المهني لكل معلم.

 يعتبر عدم قيام الوالدين بإرسال أطفالهم إلى المدرسة جريمة جنائية بموجب قانون الحق في التعليم لعام 2010. والتي بموجبه يمكن معاقبتهم أو تغريمهم. كما يجب توفير "التعليم المنزلي" والموافقة عليه بصورة خطية من إدارة التعليم. لأن الحكومة هناك ملتزمة ومسؤولة عن التطوير النوعي لمواطنيها.

 وفي مقابلة مع صحيفة الفاينانشيال تايمز اللندنية، قال رئيس الوزراء السنغافوري "لي هسين لونج": "إن نظام التعليم مصمم لتدريب الطلاب على الوظائف التي يمكنهم شغلها. ولهذا السبب، عندما يتخرج الطلاب، يحصلون على عمل على الفور."

 ولكن هذا ليس إلا غيض من فيض، حيث يوجد الكثير لنتعلمه من التعليم في سنغافورة. ومنه ما يلي:

 1- يعلم المنهج مهارات حل المشكلات والتفكير الإبداعي.

يهتم التعليم السنغافوري بالجوهر الحقيقي للتفكير النقدي ويدرب الطلاب على تعزيز مهاراتهم بشكل كامل لحل مشاكل مكان العمل ذات الصلة، بالإضافة إلى ايجاد الحلول بفعالية. ويقدم مجموعة متنوعة من أساليب التفكير التي يمكن الطالب من استخدامها لصالحه. ويكتسب الطلاب من خلاله نظرة ثاقبة حول كيفية تقييم عبارات المشكلة المختلفة بشكل فعال وتقديم استنتاجاتهم بطريقة منطقية ومقنعة.

2- يركز منهج سنغافورة على تعليم الطلاب مهارات إبداعية وحل المشكلات.

3- يتم تعليم الطلاب موضوعات محددة توفر المعرفة العملية والمهارات التي تمكنهم من حل تحديات العالم الحقيقي.

4- بالإضافة إلى ذلك، يقوم جميع أصحاب المصلحة في مجال التعليم بتقييم وتحسين النظام المدرسي باستمرار لتحسين الأداء.

 معايير التعليم العالي

1- قبل أن يتم توظيف المرشحين من الحاصلين على شهادات جامعية في التعليم بشكل كامل، يتم اخضاعهم لتمرين وفحص صارم.

2- يتم أيضا تأهيل المعلمين وتطويرهم بكفاءة قبل تلقي التدريب.

3- بمجرد اختيار المرشحين لمنصب معلم، يتم نقلهم إلى تدريب مهني كامل أوصى به المعهد الوطني للتعليم.

4- بعد الانتهاء من التدريب، يأخذ المعلمون المرشحون دورة تدريبية في التطوير المهني تستغرق 100 ساعة.

 برنامج إنكليزي لا مثيل له

أنشأت هيئة التعليم في سنغافورة برنامج تعلم وقراءة اللغة الإنجليزية في عام 2006 لمساعدة الطلاب متعددي اللغات على تعلم اللغة الإنجليزية والتي هي اللغة الاولى في البلاد، ويشتمل البرنامج على تقنيات الدراما ولعب الأدوار لتحسين المهارات اللغوية للطلاب.

 مناهج الرياضيات الرئيسية

على الرغم من أن الرياضيات هي أصعب موضوع للعديد من الطلاب حول العالم، إلا أن نظام التعليم في سنغافورة ينتج أفضل الطلاب في الرياضيات في جميع أنحاء العالم. وهذا يرجع إلى النهج الكفء للمؤسسة التعليمية الذي يشجع الطلاب على تعلم الرياضيات باستخدام الوسائل البصرية والعملية مثل المخططات الشريطية والكتل وما إلى ذلك. 

 مسارات تدريب مختلفة

نجاح سنغافورة كدولة، يعود إلى كون السياسات الاقتصادية والتربوية براغماتية، وليس أيديولوجية بحيث تؤكد دائما على أهمية الجهود ومعايير الجودة. وتؤكد سياسات التعليم على تحقيق الجدارة في مواضيع ثلاث رئيسية وهي العلوم والرياضيات واللغة الإنكليزية. أما في التعليم العالي فتؤكد سياساتها على التعليم التكنولوجي والمهني في معاهد تقنية وبولي تكنيك. وهناك خمس جامعات تضم 27% فقط من الطلبة المؤهلين لولوج التعليم العالي.

 يوفر النظام التعليمي في سنغافورة للطلاب مسارات و تفصيلات تعليمية مختلفة. وتم تصميم نظام التعليم لتشجيع الطلاب على إيجاد شغفهم واهتماماتهم.

 يحصل الطلاب السنغافوريون على مسارين للتدريب المهني، وكليات الفنون التطبيقية، وكليات المبتدئين التي تؤدي إلى التعليم الجامعي.

 تم تصميم النظام المدرسي لتعزيز قدرات التعلم ونقاط القوة لدى الموهوبين مع إنه يمنح جميع الطلاب فرصًا متساوية في العالم الحقيقي.

 اخيراً، لا يسعني إلا التأكيد على أن سنغافورة تتمتع بأفضل نظام تعليمي بسبب نظام التربية والثقافة من الدرجة الأولى في البلاد. وليس سراً أنه يمكننا تعلم الكثير من سنغافورة فيما يتعلق بأساليب التعليم والتعلم لتحسين قطاع التربية والتعليم العالي في بلادنا.

 وأحب ان اكرر نصيحتي السابقة لوزارتي التربية، والتعليم العالي بدراسة هذه التجربة عن طريق إيفاد مختصين إلى مؤسسات التربية والتعليم في سنغافورة ومشاركة زملائهم السنغافوريين في الإدارة والتدريب لاكتساب الخبرة والمعرفة بصورة مباشرة.

 ــــــــــــــــــــــــــ

* محمد الربيعي، سنغافورة صرح كبير للعلم والتكنولوجيا، 2014.

https://www.tellskuf.com/index.php/authors/321-mrub/41227-2014-09-02-19-05-36.html

عرض مقالات: