في 13 شباط الحالي نشر في العاصمة الألمانية برلين تقرير مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو وثيقة تشكل اطارا للمؤتمر الذي سوف يُعقد في أيام 17 – 19 شباط في فندق «بايريشر هوف» في ميونيخ.

ستكون الحرب في أوكرانيا الملف الرئيس في المؤتمر، الى جانب ملفات أخرى، ووفق التقرير، يطالب منظمو المؤتمر بمزيد من الاهتمام بمصالح بلدان جنوب العالم. ومن الضروري التعامل مع حقيقة عدم وجود دولة واحدة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبالكاد في اسيا أيضا، تدعم عقوبات الغرب ضد روسيا. وبالتالي إذا كان الغرب راغبا في تجنب نكسة خطيرة في صراع مع روسيا والصين على المدى الطويل، فعليه استعادة ود بعض بلدان جنوب العالم، التي تنظر الى النظام العالمي بقيادة الغرب" على أنه نظام "هيمنة ما بعد الاستعمار"، مما يخلق أرضية للتعاطف مع نظام عالمي "ما بعد الغرب". ويعتبر التقرير حرب أوكرانيا "أكثر هجوم وقح" على النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب و"القائم على القواعد". وبناءً على ذلك، فإن المطالبة بعدم انتصار روسيا في الحرب، وحتى خسارتها، يخدم على الأقل مؤقتًا الهيمنة الغربية العالمية.

مؤتمر هذا العام

وفقًا لمنظمي المؤتمر سيشارك قرابة 40 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 90 وزيرًا من العديد من الدول، بضمنهم رئيسي فرنسا وبولندا، إيمانويل ماكرون وأندريه دودا، والمستشار الألماني أولاف شولتز. وسيمثل أوكرانيا وزير الخارجية دميترو كوليبا. وسيحضر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ. وستمثل الولايات المتحدة نائبة الرئيس كامالا هاريس، ومن الصين سيحضر وزير الخارجية السابق وانغ يي، والذي يشغل حاليا رئاسة لجنة السياسة الخارجية للحزب الشيوعي الصيني. ولم تتم دعوة حكومتي روسيا وإيران؛ ومن المتوقع أن يحضر المعارض الروسي ميخائيل خودوركوفسكي. وسيكون المؤتمر، للمرة الأولى، برئاسة كريستوف هيوسغن (مستشار السياسة الخارجية السابق للمستشارة أنجيلا ميركل للسنوات 2005 – 2017)، خلفا للدبلوماسي الألماني السابق فولفغانغ إيشينغر، الذي ترأس مؤتمر ميونخ للأمن حتى عام 2022.

«هيمنة ما بعد الاستعمار»

يعطي التقرير أهمية خاصة لبلدان جنوب العالم، ليس بسبب الفقر والظروف المعيشية الصعبة في العديد من هذه البلدان، بل لعدم مشاركة اغلبية هذه البلدان في العقوبات الغربية ضد روسيا، وفي تسليح أوكرانيا، على الرغم من ان معظمها تدين او ترفض الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي. في حين أن التصريحات العلنية لسياسي الغرب ومراكز الفكر، ووسائل الإعلام فيه، تقول دائمًا بشكل غامض إن «المجتمع الدولي» يعاقب موسكو على حربها. يذكر تقرير ميونيخ للأمن لأول مرة بشكل صريح: «ليست هناك دولة واحدة في إفريقيا أو أمريكا اللاتينية تنتمي الى التحالف الذي فرض عقوبات على روسيا.» في آسيا أيضًا، تشارك ثلاث دول فقط هي اليابان، كوريا الجنوبية، سنغافورة، بالإضافة إلى جزيرة تايوان الصينية في سياسة العقوبات. ويعترف التقرير أن «النظام الذي يقوده الغرب» بالنسبة للعديد من دول الجنوب يتميز «بهيمنة ما بعد الاستعمار، وازدواجية المعايير وإهمال مخاوف الدول النامية». و»في أجزاء كبيرة من العالم»، وهناك تعاطف مع نظام عالمي متعدد الأقطاب.

إشراك بلدان الجنوب

يرى معدو التقرير بأن هذه الحقيقة لم تعد من المحرمات، كما كان عليه الحال حتى الآن، بل يجب التعامل معها وكسب ود أكبر عدد ممكن من بلدان الجنوب. وان «النموذج الصيني يلقى صدى في كثير من البلدان النامية»؛ ويعود هذا أساسا الى «عدم الرضا عن النظام الحالي، الذي لا يلبي احتياجات العديد من البلدان النامية». لذلك يجب «النجاح في إشراك البلدان التي لم يسمع رأيها في السابق» و «ضمان أن النظام الحالي يخدم الجميع على قدم المساواة». إذا تم تحقيق نجاح ما، يمكن «العثور على داعمين جدد مرة أخرى». وبشكل ملموس، ولكن بعجز، يدعو التقرير إلى تقديم مساعدات إنمائية فعالة وعلى «أوروبا والولايات المتحدة الالتزام بوعودهما بتوفير المنافع العالمية العامة «. وسيتعين عليهما الابتعاد عن «العلاقة بين المانح والمتلقي» وجعل «التعاون على قدم المساواة». ولطالما أعلنت الكثير من البلدان الغربية بفخر التزامها بذلك، دون أن يتحقق شيء على الإطلاق في الممارسة العملية. اذ لم يكن من مصلحة السياسة الغربية، او من أولوياتها أن ترتقي المستعمرات السابقة إلى مستوى البلدان الاستعمارية السابقة.

الجنوب المعارض

وفي حين يؤكد التقرير على وجوب مشاركة الجنوب العالمي، فإن الدول الصاعدة هناك لم تكتف برفض العقوبات ضد روسيا، بل أيضًا معارضة السياسة الغربية بشأن الحرب في أوكرانيا. أثناء زيارته لواشنطن، أكد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أنه لا يزال يعمل على التوصل إلى حل تفاوضي لحرب أوكرانيا، بمشاركة دول من خارج المعسكر الغربي. وان الصين شريك تعاون محتمل. وأعلن لولا أنه سيسافر إلى بكين في غضون أسابيع قليلة وسيجري محادثات مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ. من جانبه اعترف فولفغانغ إيشينغر، الرئيس السابق لمؤتمر ميونخ للأمن، بأن حكومة الصين هي «واحدة من القلائل على المسرح الدولي التي لا تستطيع موسكو تجاهلها»، واضاف: «وحدها أو مع الآخرين، قد تكون الصين قادرة على تقديم اقتراح سلام»، و»ربما لا يكون ذلك مصدر فرح للولايات المتحدة الامريكية».

إن نجاح المفاوضات بمساعدة صينية سيكون دليل إضافي على الانحدار التاريخي للغرب، والذي يريد الغرب منعه - بكل الوسائل.

*- نشر في جريدة المدى في 20 شباط 2023

 

عرض مقالات: