توطئة/

سُحقاً يا نفط----يا لعنة التأريخ

يا نظرة حسد بعيون مكحولة

من يوم الطلعت بكاعنه الهليوم

جنابك مشتعل والناس مشعوله

أنت الغيرنه نعمه أو رفاه أو خير

وعلى شعب العراق سيوف مسلوله

يالعمرك سبعتالاف شنهوشبيك ؟!

شورديت تزحف هاي مقبوله !؟

وضعك ما يسرني وحالك أصعب حال

لنته الشادهه ولا  هي محلوله

البدو شيدوا دنيا وعمروا أوطان

وأنته بهالوطن هذا ألعبت جوله

ليش أبهالوطن هذا ألعبت جوله ؟؟؟---الشاعر العراقي عطا السعيدي – ولعنة النفط 2006

ويوصف النفط العراقي بأنهُ يأتي بالمرتبة الأولى في أسواق النفط العالمية من حيث التكلفة الواطئة لقرب الترسبات النفطية من السطح وخلو التضاريس الأرضية من التعقيدات الجيولوجية.

أهم حقول النفط في العراق

الشمال / كركوك، الموصل، صلاح الدين

الوسط والغرب / ديالى وبغداد والأنبار

الجنوب / البصرة وميسان والناصرية

الموضوع /

بوصلة ذاكرة العراق النفطية ومؤشرها المضطرب في بلاد ما بين القهرين!؟

-غياب الرقابة المتلكئة على المشاريع الإنتاجية للنفط، سوء الإدارة والتخطيط لجميع الحكومات التي استلمت القرار بعد 2003 وهي معادلة حسابية خاسرة الرهان بين الحاكم الفعلي (بريمر) وحكومات النهب والفساد، وإن الموقف السيادي للعراق مخترق ومسيطر عليه عن بُعدْ تحت القبعة الأمريكية المتمثلة بحيتان المافيات الطفيلية الجشعة كما هو اليوم سيطرتها الشبه تامة على مصادر الطاقة وتوجيهها حسب منافعها الشخصية، وكما هو منظور علنا في احتلالها عسكريا للمنطقة الشمالية الغربية من سوريا وسرقة نفطها.

- عدم اهتمام جميع حكومات بلاد ما بين القهرين منذ التأسيس في 1921لحد اليوم في استثمار (الغاز) المحترق المصاحب لاستخراج النفط!!!؟؟؟.

- إشكالات استخراجية للنفط العراقي

1- يعتمد استخراج النفط على النمط القديم بحقن الآبار بالماء بالوقت الذي يحتاج إلى التحديث بأتباع الطريقة العلمية ثلاثية الأبعاد في استخراج النفط بأقل وقت وأقل عمالة وأقل كلفة.

2- أن استخراج النفط يحتاج إلى مبالغ ضخمة فهذه تكون ثقلا على الموازنة، فلو أتبع العراق النموذج النرويجي الذي أسس (صندوق الاستدامة المالية) لدعم الاستخراج، للعلم إن دول النفط الخليجية تتبع هذا النموذج منذُ عقود.

3- تشهد العملية الاستخراجية في العراق اليوم منازعات ومنافسات شديدة بين الشركات المنتجة للنفط، وهنا تأتي مسؤولية الحكومة العراقية في تشكيل خلية أزمة خاصة لمراقبة الشركات للحفاظ على ريع الخزينة العراقية.

4- المشكلة الأزلية في احتراق الغاز المصاحب للنفط، أن احتراق الغاز المصاحب لإنتاج النفط في العراق تبدو (أزلية) لذا سميت بالنار الأزلية، وللأسف الشديد لم تلق رعايته واستثماره لغياب الحس الوطني عند جميع الحكومات العراقية، علما في استثماره نحصل على انتعاش اقتصادي وتغنينا من استيراده بمليارات الدولارات من أيران، أضافة إلى التخلص من تلوث البيئة جراء الانبعاثات الكاربونية.

وتمرُ تسعة عقود اليوم لاستخراج النفط في العراق والذي كان القدر الموعود في ذاكرة التأريخ العراقي عام  1938سنة اكتشاف النفط في أراضي كركوك وبتوالي السنين الاكتشافات تتوالى في نينوى وجنوب العراق وباحتياطي قدره التخميني حوالي 360 مليار برميل وللواقع المرير حيث يبلغ النفط  اليوم شيخوخته سعراً وربما أفول ترجي منافع اقتصادية وثقافية منهُ ، بينما يظل النفط معزولاً في آبارهِ عن مجتمعات قطعت تجارب غنية وواضحة في بنيتها التحتية والفوقية وبتحدي ماراثوني فائق السرعة متحديتاً الزمن كالتجربة النرويجية التي أسست صناديق سيادية للاستثمار في تحقيق عوائد مالية ضخمة ، أو النظر إلى تجربة سنغافورا على الرغم من أنّها لا تمتلك النفط في استثمار الموارد الطبيعية والاعتماد عليها بالتصدير والنظر إلى إسبانيا التي طورت مزارع الخيار بالاستثمار وتحصل على 2 مليار دولار سنويا من تصدير الخيار فقط ، ألا يعادل بئراً نفطياً منتجاً ؟ ، وبثت تلك البلدان الروح في الاقتصاد الصناعي والزراعي والثقافي والذي يعتبر العامل الديناميكي لتنمية وتطوير كافة القطاعات ، بينما في عراقنا الحبيب تحوّل النفط إلى فجواتٍ غير مجسّرةٍ في ذاكرة الأجيال الحاضرة والمستقبلية بل لعنة وكوابيس أحلام ، وللحسرة يكاد النفط العراقي أن يعلن تقاعدهُ وسط تأرجح أسعاره واكتشاف بدائل للطاقة كل يوم ، بيد أن العراق يراوح على الاقتصاد الريعي منذ تأسيس الدولة العراقية ، ونضوب البترول يلوحُ في الأفق العراقي سنة 2040 ، وخبر عاجل اليوم " أن عام 2030 ستوقف السويد بيع السيارات التي تعتمد البنزين والديزل وهي إشارة للجمهورية السادسة العراقية أن تتدارك أمورها بعلاج أحادية الاقتصاد ، وتبرز على سطح الواقع المرير والمحزن الحقيقة التالية ( ظهور قطاع عام كبير متضخّم وقطاع صغير وطفيلي ، وتتحوّل الحكومة من حكومة يعتمد عليها المجتمع إلى حكومة تعتمد على المجتمع ) ، وأصبحت الكتابة عن النفط اليوم مثل العملة المزيفة لكون الورقة الرابحة بأيدي حيتان الكارتلات الغربية والأمريكية والتي احتكرت الخبرة والسوق معاً .

النفط والصراع السياسي في العراق

إن تقسيم موروثات غنائم الدولة العثمانية المريضة والخاسرة للحرب العالمية الأولى بما في ذلك حقوق امتياز ( شركة النفط التركية) كان النفط محوراً أساسياً في رسم خارطة الشرق الأوسط ،  وتوزيع سلطة الانتداب بين فرنسا وبريطانيا بنموذج متفق عليه بين الدولتين ، بحيث أصبحت ولاية الموصل تحت سيطرة الانتداب البريطاني ، وتسلمت فرنسا السلطة على سوريا في أواخر عام 1918 وذلك بعد تأكد بريطاني تواجد النفط في مناطق متعددة من ولاية الموصل من ضمنها كركوك ، واشتغلت الشيطنة البريطانية في تأجيج فوبيا المطالبة التركية بولاية الموصل محورا في تخويف الحكومة التأسيسية في العراق 1921 ، وكان ذلك عقب تنصيب الملك فيصل الأول ملكا على العراق .

وكانت من تداعيات لعنة النفط في العراق : أن توظف بريطانيا شرطاً مجحفاً وظالماً ومحرجاً في نفس الوقت أن توافق على منح حقوق الامتياز لمجموعة ( شركات النفط الغربية البريطانية ، الفرنسية ، الهولندية ، والأمريكية ) مقابل دعمها للعراق بأحقيتهِ في الاحتفاظ بولاية الموصل ، وتمّ التوقيع على هذا الاتفاق الأولي باتفاقية ( 1925 ) والذي أطلق عليه لاحقاً ( اتفاقية شركة نفط العراق)  ووزعت الحصص على أساس 75 /23 %لكل من تلك الشركات الأربعة والباقي 5% تعطى للسيد ( كولبنكيان) ، أضافة إلى ذلك الشرط التعسفي والابتزازي على العراق تنازله عن حصته البالغة 20% الممنوحة لهُ بموجب معاهدة ( سان ريمو ) زائداً التأطير السياسي لنتائج الحرب العالمية الأولى وتقسيم المنطقة العربية بما فيها الجزيرة العربية وأصبحت الكمائن النفطية ومصادر الطاقة وتقسيمها إلى دويلات بحدود مصطنعة .

وتحطُ بنا بوصلة ذاكرة العراق النفطية بمؤشرها المضطرب لمحطة خواطر تراجيدية في بلاد ما بين القهرين إلى ثورة 14 تموز 1958 التحررية التي أعلنت سنة 1961 حركة نضالية ثورية في السيطرة الوطنية على الثروات الوطنية المستلبة من قبل الغرب وشركاتها الرأسمالية الجشعة في فرض القانون الوطني رقم 80 وهي أولى ثمار ثورة 14 تموز 1958 الذي سيطر فيه العراق على ما يقارب 5-99% من أراضيه رسمياً ، ولكن لم تجد الأوضاع السياسية استقرارا وتوجه الحكومة نحو الاقتصاد الريعي مما أدت إلى بروز تغيرات ديموغرافية في المجتمع العراقي كالهجرة من الريف إلى المدن  والنزاعات المسلحة وإهمال القطاع الزراعي ونفوذ الكولونيالية البريطانية على الخط بأثارة النعرات الثأرية للأقطاع وملاك الأرض انتقاما من حكومة الشهيد الراحل عبدالكريم قاسم ، فحدث ما حدث في :

انقلاب عسكري بقيادة حزب البعث الذي زج الشعب العراقي بأتون حروبٍ عبثية مع الأكراد والحرب العراقية الإيرانية وغزو احتلال الكويت والذي دفع الشعب العراقي فاتورة ثقيلة لتلك الحقبة الظلامية، وكان عامل البحث عن مصادر الطاقة من قبل الإمبريالية الأمريكية احتلت العراق في 2003 وأسقطت النظام، والسيطرة على آبار النفط العراقي وسحبه من سيطرة القطاع العام ولعودة الشركات الأجنبية وهذه المرّة بشراسة واندفاع أقوى، وتكفي شهادة قول المخطط للغزو الأمريكي (بول ووليفيتز):"أن العراق يطفو على بحيرة من النفط”.

وكان للص بريمر دور محوري في تبديد ونهب ثروات النفط والذي حكم بين أيار 2003 وحزيران 2004 ألف كتاباً موسوماً ب(عام قضيتهُ في العراق والنضال نحو غدٍ أفضل) بذر خلالها الطائفية المقيتة والمحاصصة الكارثية ونشر ثقافة الفوضى وساعد على أيجاد رجال حكم لا رجال دولة ، وعدم احترام مواثيق الأمم المتحدة والمحافظة على كيانات الدولة المحتلة وثرواتها، وكان من أفدح قراراته التعسفية القرار 39 الذي يسمح لخصخصة 200 شركة حكومية بتمويل أجنبي ومعفاة من الضرائب والقيود 100% وجعل التراخيص النفطية تخضع لمدة 40 سنة قادمة، والقرار 17 منح المقاولين الأجانب أدارة شركات الأمن الخاصة التي أوغلت في الوجع العراقي واستمرت سرقات النفط وبأساليب مختلفة من الشركات الحالية وعواصم الدول الغربية والبعض من الموجودين داخل العملية السياسية وجمهورياتها الستة المتلاحقة وتلك السرقات أصبحت أقرب إلى الخيال وتهريبه والتي ساهمت فيها أحزاب وميليشيات ورؤساء عشائر هم متهمون بضياع ثروات النفط الهائلة منذ (عقدين ) من الزمن الغادر حيث صفروا الخزينة وألحاق العجز بالميزانية العراقية والاتجاه نحو الاستدانة لتحميل الأجيال المستقبلية الرثاثة والفقر والمرض والبطالة والأمية ، فهي الاستبداد والقهر الاجتماعي وكلها من  تداعيات إكرامية الطبيعة للنفط في العراق وحتى على عموم العالم العربي

أخيرا وليس آخراً/لم يخف على أحد من أن هدف بوش في احتلال العراق كان من أجل نقطتين استراتيجيتين مهمتين:

الأولى هو حماية أمن إسرائيل  

والثانية : هو السيطرة على منابع النفط حتى لا تقع في أيدي المتطرفين الإسلاميين ، أو بأيدي بعض الدول الإقليمية الطامعة بخيراته وموقعه الجغرافي وهنا يمكن أن نقول : بأن النفط جاء نقمة ولعنة على العراق سياسياً واجتماعيا واقتصاديا وهو الذي فرض تأجيج الصراعات القائمة المرتكزة على أقذر مستلبات نخرت المجتمع العراقي التي هي الأثنية والطائفية والمناطقية التي أوصلتهُ لحافات الحرب الأهلية في 2006 و2014 ، والتي كانت من تداعياتها الكارثية حرب الاستنزاف البشري والمادي للحرب الشرسة مع تنظيم الدولة الإسلامية ، والذي يؤلمني كمواطن عراقي هو الآتي : قانون النفط والغاز الذي سوف يشرعن بقانون قادم لا محالة حيث يسمح لشركات النفط الأمريكية والبريطانية الحق في السيطرة على نسبٍ كبيرة من عائدات النفط العراقي فيما يبقى الفتات الضئيلة من هذا العائد للعراق المنهوب ، لأن شعار حكومات ما بعد الاحتلال ( الولاء قبل الأداء ) حين نعكس هذه المعادلة الأداء أولا ثم يكون الولاء للوطن والأمة .

الهوامش /

-عام قضيته في العراق- بول بريمر-المترجم عمر الأيوبي - بيروت

- وحدة الدراسات الاقتصادية – شذى خليل

- تقاريرأمريكية – الغارديان البريطانية – ترجمة كاتب المقالة

- صراع المصالح النفطية- عصام سخينسي- عمان

كاتب وباحث عراقي /ستوكهولم

شباط / فبراير 2023

عرض مقالات: