إنّ عبارة الدولة الفاسدة، والدولة الضعيفة، والغائبة والعاجزة، أصبحت مصطلحات اللغة اليومية لمجموع النخب والمثقفين، بعد أن كانت تسيطر عليهم عبارات الدولة المستقرة الديمقراطية والدولة الحديثة، هذا يعكس الموقع المركزي الذي تحتله الدولة وإشكاليتها في النقاش السياسي والاجتماعي والثقافي في المرحلة الراهنة.
فحقيقة الأوضاع المرعبة التي تعيشها الدولة والمجتمع معاً في العراق تجد تفسيراً لها ليس في تخلف كلاهما عن مواكب التقدم والتطور الذي وصلته الدول والمجتمعات الأخرى، أو لاستحالة النمو والرفاه في مجتمعنا، بل لأن الأوضاع الحالية يفسرها تداعي الفساد واستشرائه في صلب الدولة وفي عمق المجتمع، فقد صار وباء شبه مزمن ينخر أجهزة ومؤسسات الدولة، ويسري في الجسد الاجتماعي.
فعندما يتناول موضوع قوة الدولة يقدم لنا تفسيراً لذلك، مبرزاً عناصر القوة وملامحها، وعندما يتناول ضعف الدولة، يبرز أسبابه ومظاهره، وهنا برع ابن خلدون في تشخيص أسباب ضعف الدولة الإسلامية ويؤكد على دور الفساد والتسلط، ويجعل هذه العوامل عنواناً للاحتلال والهدم في أواخر الدولة، إذاً للفساد تأثير في الدولة، بحيث أن هذا التأثير يغير من طبيعتها، ووظيفتها من ناحية، ويخلق بيئة تغذي الفساد، ولا تسمح بتحقيق الاستقرار والإصلاح من ناحية ثانية، وعموماً يخلق أوضاعا تدفع إلى تغيير طبيعة وشكل الدولة وعلاقتها بالمجتمع، فإذا كانت النظريات السابقة التي ركزت على مسائل وعلاقات التخلف والتبعية، وسيطرة القوى المهيمنة الامبريالية، قد نجحت إلى حد ما في تفسير واقع الدولة في الدول المستعمرة، فإن واقع هذه الدول اليوم وفي هذا السياق يتطلب التفكير في إيجاد بديل نظري وفكري لحل هذه الإشكالية الكبرى حول أصل الفساد و أثره على الاستقرار السياسي في المجتمعات الانتقالية .
ويقصد بالفساد السياسي من وجهة نظر علماء السياسة فساد الساسة والحكام ورجال الأحزاب السياسية وأعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان وأعضاء المجالس الشعبية المحلية والمشتغلون بالعمل السياسي أيا كانت مواقعهم أو انتماءاتهم السياسية، فقد يلجأ حكام الدول إلى تحصيل المبالغ من صادرات النفط أو السلع الهامة المصدرة لحسابهم الشخصي وتودع في حسابات خارج البلاد أو داخلها وهو ما يعتبر نوعا من أنواع الضرائب الإجبارية اعتمادا على استغلال النفوذ السياسي.
وآخر حالات الفساد في العراق سرقة القرن كما أُطلق عليها، حيث قال مسؤولون عراقيون إنهم يحققون في اختفاء 2.5 مليار دولار من حساب الهيئة العامة للضرائب.
وكانت وسائل إعلام محلية قد نشرت وثيقة من الهيئة تبين أن المبلغ سحب بين شهري يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب.
وقد حول المبلغ إلى حسابات خمس شركات مختلفة باستخدام عشرات الشيكات، ثم سحبت من الحسابات في الحال، بحسب تقارير.
وهذه السرقة تحسب على حكومة تصريف الأعمال برئاسة السيد الكاظمي، والآن السؤال الأهم هل يستطيع السيد محمد شياع السوداني محاربة الفساد والإطاحة بحيتان الفساد؟؟؟.
أجمع الكل على أن السيد السوداني يتمتع بالنزاهة، رغم انتمائه لمنظومة عرفت على أنها هي من شرعت للفساد وحمته، لكن ورغم ما يتمتع به من نزاهة، هل يستطيع محاربة الفاسدين؟
الفساد متحكم في كل مفاصل البلد، واللجان الاقتصادية للأحزاب صاحبة السلاح منتشرة في كل أركان الدولة، فهل يستطيع السيد السوداني محاربة هؤلاء وهم من أتى به لسدة الحكم؟
الحقيقة كل الحقيقة، إن العراق غارق بالفساد، وأساس هذا السرطان هي المحاصصة البغيضة التي أصبحت نظاماً للحكم في العراق منذ سقوط النظام السابق ولحد الآن، وإذا كان لدينا أمل بمشروع السيد الصدر، أي مشروع الأغلبية الوطنية التي طرحه السيد مقتدى، الآن قد تبخر هذا المشروع وعادت المحاصصة بقوة، لذلك مكافحة الفساد وتعهد السيد السوداني بمحاربته ما هو إلا ضحك على الذقون، وإن عذاً لناظره قريب.