إنكم فاسدون، إنكم تستخدمون السلاح، إنَ لكم الجزء الأكبر فيما يحدث بالعراق، هذه كلمات بلاسخارت ممثلة الأمم المتحدة في العراق، هي رسائل ارسلتها بالعلن من خلال احاطتها المقدمة لمجلس الأمن حول الوضع في العراق، إلى الطبقة السياسية التي تحكم في العراق، تكلمت فأوجزت وأوضحت، لم يعد بعد الآن التغطية على أفعالهم، وإن الضحك على الذقون لن يستمر إلى ما لا نهاية، تضحيات تشرين هي التي أنطقت بلاسخارت، وهي من أوصلت القناعة، بدليل أن الحديث بدأ عن المجازر التي ارتكبت بحق المتظاهرين من قبل المليشيات والحكومات.
وأكدت بلاسخارت، وبتهديد واضح وصريح، إن بقاء النظام على سلوكه الحالي، أي هيمنة الفساد على مؤسسات الدولة بالمطلق، ومن الفساد الذي يؤثر على المجتمع الدولي هو انتشار المخدرات في المجتمع العراقي، بل أصبح أيضاً ممراً لنقل المخدرات لدول الجوار.
وأهم ما قالته ممثلة الأمم المتحدة، إن الحكومات والأحزاب تعمل ضد مصالح العراق، بمعنى أوضح وجودهم هو لتدمير العراق، قادة يعملون ضد شعوبهم.
وانتقدت عدم احترام سيادة العراق، من خلال ضرب العراق من قبل الإيرانيين والأتراك وانتهاك سيادة العراق، وهو اشارة واضحة للسلطة الحاكمة، إنهم من أوصل العراق إلى هذه الحالة، وإنهم من سبب بإهانة العراق، وجعل الوطن أرض مستباحة لكل من هب ودب.
فماذا تبقى لهذه الطبقة؟، فالعراق لا يزال في صدارة قائمة الدول الفاشلة أو الهشّة، فعند التدقيق في مؤشرات هذا الوصف نجدها تدور حول محور يتركز في عجز الدولة عن القيام بوظائفها الرئيسة، وأهمها: الحد من الفقر والتدهور الاقتصادي، والمشاكل بين المكونات، وشرعية الدولة، والخدمات العامة، والمنظومات الأمنية، والفصائل السياسية، والتدخل الخارجي، واللاجئون والمشردون.
العجب العجاب يكمن في وعي مأزوم للطبقة السياسية الحاكمة في العراق يطغى عليه التفكير بالسلطة وليس بالدولة، والفرق بينهما يتعارض في المجال السياسي. فالدولة تعمل وفق منطق الاسترضاء، أي تحقيق الرضا والقبول لدى جمهورها، اللذَين يعدان الركيزة الأساسية في شرعيتها، أما السلطة فهي تعمل وفق منطق الاستحواذ، أيْ العمل على توسيع دائرتَي الهيمنة والنفوذ السياسي، بعيداً عن شرعية المنجز التي تمنح الثقة بين أصحاب السلطة والجمهور.
لم يتبق للدولة من هيبة في ظل سيطرت وسطوت الأحزاب، توهمنا بأننا نعيش في ظل دولة، إذ نجد أن المشكلة أكثر تعقيداً، وهي سيطرة القوى الموازية للدولة على المجال السياسي، لتكون مأساتنا مركّبة من غياب للدولة، وهيمنة (مافيات سياسية) على مفاصل الحياة العامة، ويساعدها في ذلك اقتصاد أحادي جعل السيطرة السياسية بوابة للهيمنة على جميع موارد الدولة.
ما يشهده العراق في ظل سطوة الأحزاب على القرار في الدولة العراقية، مرحلة أخطر من دكتاتورية صدام، لأننا نعيش في ظل تعددية مفرطة لقوى اللا دولة أو قوى الدولة الموازية، وغياب شبه تام للمؤسساتية التي يتجسد فيها مفهوم الدولة.
بعد كل ما استعرضناه حول احاطة بلاسخارت، هل هذا الكلام سوف يؤثر في هذه الطبقة السياسية، وهل سوف تقوم بإعادة حساباتها، وتصحيح عملها من أجل إعادة البناء بعيداً عن تقاسم الحصص، وهل يمكن لهذه الطبقة السياسية تكوين سلطة قوية قادرة على سحب السلاح المنفلت وتشكيل حكومة قوية بعيداً عن المحاصصة البغيضة.
قيل قديماً (إذا لم تستح افعل ما شئت)، وهذه الطبقة بعيداً عن الحياء، لذلك لا ينتظر منها خيراً، لأن همها الوحيد هو مصالحها ومصالح من تعمل لها من الدول، فلن يلتفتوا إلى كلام بلاسخارت، ولن تهتز شواربهم، يظنون أنهم باقون، وأظن متيقنناً أن أيامهم قليلة ونهايتهم قريبة، وإن غداً لناظره قريب.