تلعب العوامل الاقتصادية، توفرها أو شحّها، أدواراً هامة في تصنيف الدول، وذلك لأن هذه العوامل تعكس فرصاً أو تفرض قيوداً بالنسبة لقرار الدولة، الأمر الذي يمثل الأداء الفاعل والذي يُشكِّل مراكز إقليمية أو عالميّة. ومن هنا فإن حجم هذه الدول يرسمه هذا المعيار الذي يتناسب طردياً مع قدرتها الاقتصادية. فعلى أساس القدرة الاقتصادية صُنِّفت معظم دول العالم الثالث بأنها دول صغيرة وذلك بسبب ضعف مواردها الماديّة، وضعف إنتاجها، وبالتالي افتقارها إلى القدرات التكنولوجيّة. وهذا يُرغِم هذه الدول على الإعتماد على العالم الخارجي لحماية أمنها ولمواجهة احتياجاتها التي تُثيرها الضغوط الشعبية في ميادين التشغيل والصحة والرعاية الاجتماعية، الأمر الذي يجعلها دولاً محكومة بقيود خارجة عن قدرتها على صياغة قراراتها، ويهمّش استطاعتها على التحرك بحريّة، دون الاستعانة بالقدرات القادمة من خارج حدودها، ماديّاً وعلمياً. ومما يلاحظ أيضاً أنها تعاني من حالات الفساد والتهريب والاختلاس والغش والبيروقراطية وتغوّل الشخصيات المتنفذة فيها التي تصبح مالكة للقرار السياسي والعسكري والإعلامي والمالي. وفي ظل ذلك تبقى هذه السلطات تبحث، جادة، عن استقرارها في مراكز التحكم، ولتحقيق ذلك نراها تسعى إلى القروض التي غالباً ما تكون مشروطة وتؤدي إلى اختلالات كبيرة بين عالم الإمكانات المحدودة وعالم الإمكانات الواسعة الذي يعني بالتالي قيام حالات من التبعية، خاصة ما تعانيه الدول التي كانت ترزح تحت قيود الاستعمار. إن تهميش دور دول الجنوب في الخارطة الاقتصادية العالمية من خلال الشركات العملاقة متعددة الجنسيات ومن خلال مؤسسات التجارة العالمية وذلك عن طريق الهيمنة على الشبكات عبر القومية (شركات ومؤسسات اقتصادية تقوم بإدارة الاقتصاد العالمي) ومثل هذا الأمر يفرض على دول الجنوب التكيّف من خلال إعادة الهيكلة في الداخل والانخراط في النظام الاقتصادي المعولم الذي سيفقدها الكثير من مقومات سيادتها الاقتصادية . أن رفض ومقاومة الهيمنة الأميركية هو أمر ممكن وملح وقائم وذو جدوى في آن معاً وهو متوافق مع الميول التاريخية لتحول العالم في رفض الأحادية القطبية. إن الاقتصاد العربي هو اقتصاد ريعي يؤدي إلى تشوُّه التنمية. وتتلخص الاقتصادات العربية بالسمة الغالبة عليها المتمثلة بقاعدتها الريعية التي تحول دون الدينامية والتنويع الاقتصادي والتصنيع الحقيقي وأنشطة الخدمات ذات القيمة المضافة المرتفعة، وهي الوحيدة التي يمكن أن تؤمّن فرص العمل بالأعداد الكافية واستنفار المجتمع بكل فئاته الاجتماعية من أجل الخروج السريع من حال التخلف الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وتالياً الخروج من التبعية والاتكال على الدول المتقدمة. لقد أظهر التاريخ أن الاقتصادات ذات القاعدة الريعية، قد أنتجت على الدوام أنظمة سياسية استبدادية، تعتبر النخب الحاكمة فيها الموارد الطبيعية والبشرية بمثابة ملكية إقطاعية موروثة لها، تستطيع التصرف بها كما يحلو لها. ولقد كان صعود الديمقراطية في أوروبا عبارة عن مسيرة طويلة على طريق تفكيك الدولة الوراثية وتغيير ثقافتها الاقتصادية والسياسية لوضع أسس الحريات الفردية ومسائلة النخبة الحاكمة من قبل مواطنيها.
ومنذ السبعينات من القرن العشرين ، تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لمنع البنك الدولي من منح القروض التي تسهّل إنتاج السلع التي تنافس المنتجات الأمريكية. وهكذا عارضت الولايات المتحدة بانتظام إنتاج زيت النخيل والحمضيات والفواكه والسكّر. في عام 1987 أجبرت البنك الدولي على أن يقلّل القروض الممنوحة لصناعة الحديد والصلب في الهند وباكستان. في عام 1985، عارضت بنجاح مشروع استثماري من قبل البنك الدولي في صناعة الصلب البرازيلية. ومنعت تقديم قرض من البنك لدعم إعادة هيكلة قطاع تصنيع الصلب في المكسيك. كما هدّدت باستخدام حقها في النقض (الفيتو) لمنع تقديم قرض لصناعة الصلب الصينية في الثمانينات من القرن الماضي. وقد تم إثبات وجود علاقة وثيقة بين السلطة السياسية ودوائر الأعمال التجارية ورأس المال الكبير في الولايات المتحدة ورئاسة البنك الدولي. واليوم فان البنك الدولي هو في الحقيقة كيان من منظمتين الأولى يطلق عليها البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية وقد تأسست مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية وكانت مهمتها هي إعادة إعمار أوروبا واليابان من الدمار الذي خلفته الحرب أما الثانية فهي ما يعرف بالإتحاد أو الرابطة الدولية للتنمية والتي تم تأسيسها عام 1960 وذلك من أجل معالجة الأخطاء التي حصلت في ممارسات البنك العالمي للتنمية والإعمار في عملية تقديم القروض.لقد أصبح واضحاً حجم التحديات التي تواجه الدول الصغيرة مؤخراً، وهي تحديات تنبع من مصادر شتى، وتهدد بإلحاق أفدح الأضرار، ليس بالوضع السياسي للدول الصغيرة، ولكن حتى بهويتها وبثقافتها بل وبوجودها القومي أيضاً، إلى جانب مخاطر التهميش التي تنتظر هذه الكيانات الصغيرة. هذا بالإضافة إلى ما نشهده من تسارع وتيرة العولمة الاقتصادية وهي تلك العملية التي تهدف إلى توحيد أجزاء الاقتصاد العالمي وإلغاء الحواجز التي تحول دون التغيّر نحو مواجهة الأزمات الاقتصادية الخطيرة في الدول الصغيرة. ولقد تجلّت عملية تسارع العولمة هذه في السنوات الأخيرة ونلاحظ ذلك من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر حيث سجل زيادة ملفتة للنظر. ظهور تكتلات اقتصادية عالمية ضخمة تتمثل في هيمنة الشركات المتعددة الجنسيّة، ومراكز المؤسسات الماليّة العالمية، التي باتت تتحكم في مصائر الكثير من الدول الصغيرة، وتشترط رهن الاستقرار السياسي وفرض التبعيّة المقيّدة مقابل تقديم المعونات لها. وقد دعت هذه الدول، للخروج من هذا المأزق، إلى إنشاء نظام دولي اقتصادي جديد، وذلك سعياً لتصحيح الاختلالات الهيكليّة والقضاء على واقع عدم المساواة. ومن ضمن هذه المحاولات أيضاً، سعت هذه الدول، إلى إقامة سلسلة من الحوارات بين الشمال والجنوب، بعد تحسين وضع العلاقات الاقتصادية بين دول الجنوب نفسها.
وأغلب الدول النامية تقع تحت تسلط القيادة السياسية لغياب المؤسسات الديمقراطية الفاعلة، الأمر الذي أدّى إلى شخصنة القرارات السياسية الخارجية، التي تكون، في الغالب غير مؤهلة لقيادة الدولة خاصة في الشؤون الدوليّة. ويؤدّي هذا، بالضرورة، إلى عدم الاستقرار خاصة إذا ما وقعت تقلبات مفاجئة في هرم السلطة، كتغيير الزعيم إثر الانقلاب أو موت الزعيم. فما تعيشه بعض دول الشرق الأوسط والعراق من ضمنها حاليا يؤكد ذلك فهناك عملية تدمير البنية التحتية ،إضعاف التضامن والتجانس الاجتماعي والسياسي والديني والتاريخي لهده الدول، بمعنى إحداث واقع جديد سيؤدي لا محالة إلى حرب المذاهب والطوائف ،تكون متوافقة مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية،وهذا ما يمكن رصده من خلال انبعاث قوى محلية جديدة متطرفة مدعومة من قوى خارجية بحيث تكون أداة يتم توظيفها من طرف الإدارة الأمريكية الهدف منها هو تشويه صورة الإسلام المرتكزة على التسامح والسلام والحرية. إن أختيار العراق هدفاً، المقصود منه التطبيق الأمثل لقدرة النظام العالمي للتعامل مع الدولة المناوئة، ولا سيما تلك التي تقع في مراكز الثقل من العالم، أذ أنَّ العراق يشكل منطقة إستراتيجية مفصلية هامة تربط ما بين دول الخليج العربي وتركيا، وهو الأقرب إلى دول آسيا الوسطى، ويمثل الحدود البرية مع كل من إيران وسوريا، وهذا يعني احتلال العراق يكمل حلقة السيطرة على الشرق الأقصى والأوسط، ويحد من أمتداد نفوذ كل من روسيا الأتحادية والصين، كما يحد من أنتشار المصالح الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط.
أما الحالة العراقية فان العوامل المحلية، والخارجية أيضاً فكثيرة جدا، التي أسهمت، وبدرجات متفاوتة، في التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والأمني في العراق ، والتردي السريع في جودة الحياة الذي يشهده العراق منذ بداية الثمانينيات، وخاصة بعد الاحتلال في عام 2003. وليس بخافٍ، أن الدولة، رغم موقعها الجغرافي الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وامتلاكها للثروة النفطية (والغاز) بوفرة، قد خسرت حيزاً من أهميتها (السياسية – الاستراتيجية) واستقلاليتها بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، وهي تجتاز حالياً منعطفات خطيرة تهدد سيادتها وتماسكها ومستقبلها. ولحماية وجود الدولة وتأمين مصالح المواطنين فيها، يجب إحداث التغيير لإنهاء أزمة النظام المركّبة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأمنياً. من هنا، يَستمدُ المشروع الاقتصادي الوطني مبرراته ليسهم في تأسيس البديل الاقتصادي الذي يؤهل الدولة المدنية الديمقراطية المستقلة والسلطة (الأحزاب) السياسية القوية، التطلع لمشروع وطني يعالج الأزمة العامة المزمنة، وليوسِّع آفاق المستقبل الاقتصادي من خلال التأثير بدينامية أنماط استغلال الريع النفطي، وأهمها مؤسسات ومعايير التوزيع بين الاستثمار والاستهلاك. والتغيير هنا، يتطلب صياغة السياسات الاقتصادية لتوجيه مسارات النمو في القطاعات، ومن خلال الاستثمارات الحكومية المُمَوّلة من الإيرادات النفطية العامة، نحو الإسراع بعملية (التنويع الاقتصادي الهيكلي) لتقليل الاعتماد الكبير على الصادرات النفطية. ومنذ بداية الخمسينيات، أصبح الريع النفطي عنصراً أساسياً في سياسات الدولة والحكومات وتأدية مهماتها الأساسية في الأمن والدفاع، وفي إدارة مصالح المواطنين الاقتصادية والسياسية من خلال تمويل الإنفاق العام، الاستهلاكي (الجاري) والاستثماري، والاستيرادات المتزايدة من المنتجات والسلع والخدمات. وإذ يُفيد دائماً تحليل سياق دينامية الريع النفطي في الاقتصاد – السياسي وتطورها منذ عام 1952 لمعرفة عوامل التأثير فيها، فإن مراجعة وتقييم أحداث السنوات الخمس الماضية يسهمان كثيراً في معرفة سياسات التخلص من دوّامة أزمة النظام ومعاناة المواطنين منها. فقد شهد العراق، منذ منتصف عام 2014، أحداثاً مالية واقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية، في غاية الأهمية، كان من أبرزها: أولاً، الأزمة المالية الناشئة عن الانخفاض السريع والكبير في الإيرادات النفطية وتكلفة الحملة العسكرية الباهظة لمكافحة الإرهاب (حزيران/يونيو 2014 – آذار/مارس 2018)؛ والحدث الثاني، احتلال المنظمة الإرهابية (داعش) للموصل ومدن ومساحات واسعة من البلاد (2014 – 2017)؛ أما الحدث الثالث، فهو موافقة الحكومة، وتحت تأثير العجز في الموازنة المالية للدولة وفي ميزان المدفوعات، على تنفيذ (اتفاق الاستعداد الائتماني) (الاتفاق) مع صندوق النقد الدولي والتوسع الكبير في المديونية العامة والقروض الأجنبية لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي للفترة 2017 – 2019. والحدث الرابع، كان موافقة الحكومة والبرلمان على قانون شركة النفط الوطنية العراقية (القانون) (23 أيار/مايو 2018) الذي يستلب من الدولة قوة الاستثمار المباشر للريع النفطي بمنحها لإدارة شركة حكومية.
وبعد تجاوز مرحلة الارهاب وإنخفاض أسعار النفط ينبغي على الحكومة العراقية الان وبعد إرتفاع اسعار النفط والإستقرار النسبي ان تقوم بصرف الوفرة المالية أو الفائض لتأهيل المصانع المتوقفة ودعم المزارعين، وذلك لتوفير فرص عمل والإعتماد على المنتوج الوطني وتشجيع المهنيين .