الرأسماليون والاحتكاريون دافعوا في كل الأزمنة والأمكنة وبقوة عن مصالحهم الطبقية. واليوم أيضا يتجلى هذا الدفاع في صور وتجليات مختلفة ومنها وسائل الحروب المدمرة العبثية الكريهة. وهم يتمثلون بنسب متباينة في التحكم بالقرارات السياسية للدول والحكومات التي تنشط فيها قوى سياسية أخرى لا تتماثل معهم في الرؤى والأفكار. الطريقة الأنجع للكفاح والنضال من أجل قيم العدالة والحد من استثمار واستغلال وجشع هذه القوى، يكون بدوام الحركة الشعبية والمدنية المتمثلة بتحالف ممثلي الطبقات الشعبية وكل من يهمه مصير السلام والعدالة والحريات في كل بلد، والنضال السلمي من أجل كسر احتكار أحزاب البرجوازية للسلطة وتحكمها في القرارات والأجندات السياسية الداخلية والخارجية في البلدان.

وعبر اصطفاف و تنسيق وتفاهم كل حركة شعبية في كل بلد، مع الحركات المتشابهة في البلدان الأخرى، يكون من الممكن تكوين قوى و جبهة نضال أممية متراصة و قوية لمجابهة سياسات و خطط الحكومات والأحزاب البرجوازية والرأسمالية. الحروب في كل الأحوال لن تكون بديلا لهذه الجبهة النضالية الأممية. الحروب يخطط لها ويشنها الرأسماليون وممثلو الاحتكارات البرجوازية والأوليغارشية، وهي تحدث وتنشب حين تتصادم مصالحهم واحتكاراتهم واختلافهم حول مناطق النفوذ والسيطرة واحتكار الموارد. ومن خلال نظرة بسيطة لمنطقة الدونباس والقرم و منطقة بحر أزوف وموانئ اوديسا في دولة أوكرانيا، يمكن تلمس حجم الثروات التي تملكها هذه المناطق من المعادن والثروات والغاز والنفط والفحم الحجري، وهو الجوهر والأس في حلم ممثلي الأوليغارشية الروسية من ملاكي اليخوت المليارديرين في السعي لبسط السيطرة والتوسع والغزو لأراضي أوكرانيا. وهذا الصراع احتدم بينهم وبين ممثلي الاحتكارات الرأسماليين وبشكل مكشوف وجرى هذا في غياب قوى ديمقراطية ومدنية شعبية قوية في أوكرانيا، حيث تمحور واحتدم الصراع هناك بين قوى سياسية بنفس قومي أوكرانيي يسعى للتقارب مع أوروبا والغرب بعيدا عن النظام في روسيا. وهي تحضى بتأييد شعبي افرزته الأحداث التي تعاقبت بعد احداث 1991 وانهيار النموذج السوفييتي خصوصا مع انحسار دور الشيوعيين وعدم تمكنهم من التكيف في تجديد برامجهم وخططهم والاستفادة من أخطاء التجربة الاشتراكية وبالذات تلك الأخطاء الكارثية للفترة الستالينية التي كلفت الكثير من الضحايا في أوكرانيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا. في الجهة الثانية هناك عدد من الأحزاب والقوى التي تدافع عن حقوق الناطقين بالروسية من المواطنين الأوكرانيين الذين لا يمكن إنكار تعرضهم للتمييز من بعض القوى القومية وليس من قبل عموم الشعب الأوكراني. النظام في روسيا استغل هذه الظروف عبر تقديم الدعم السياسي والمادي لهذه القوى ومن أجل استغلالها في الصراع نحو طموحاته في التوسع القومي وإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية القومية. هناك مواطنون ناطقون بالروسية ومن أصول روسية عاشوا ويعيشون اليوم في بلدان الاتحاد السوفيتي جميعها تقريبا، وقد تعرضوا بعد خيانة وإجرام غرباتشوف و يلتسين و شيفرنادزة ومن اصطف معهم ومن ساندهم لاحقا، وتسببهم في تهديم التجربة وتفكك بلدان الاتحاد السوفييتي وشيوع الظواهر الغريبة في المجتمع ومنها التمييز والعنصرية والكراهية والعداوات بين الشعوب، والأمر هنا لا يقتصر على أوكرانيا. الذي افتقدته أوكرانيا هو عدم وجود قوى سياسية قادرة على إشاعة روح التفاهم والوئام بين كل مكونات المجتمع وقومياته وأطيافه وبعيدا عن الأجندة الغربية والروسية وغيرها.

من أجل الإنصاف والحقيقة يفترض بالثوريين والمناضلين من أجل قيم العدالة والمساواة والحرية والحقوق، إدانة و رفض الحرب والغزو، وبغض النظر عن الجهة التي تقوم بذلك، وعدم اشتراط و ربط هذه الادانة والرفض والتنديد بتعداد مساوئ و موبقات وأفعال الجهة أو الجهات الأخرى وعقد مقارنات ليست منطقية. وهذا لا يعني غض الطرف عن كشف سياسة وخطط وبرامج الأحزاب والحكومات ومجمل السياسات الخارجية وتحديد دوافعها وبرامجها والسعي المتواصل لتنظيم وترتيب ذلك وفق القوانين والمنظمات الدولية الملزمة قراراتها للجميع والتي يفترض أن تستند سياستها الى الشفافية بعيداً للانحياز لهذا الطرف أو ذاك. في ما يخص الغزو الروسي لأراضي أوكرانيا يكون من الصعوبة إيجاد مبررات وأسباب ودوافع لهذا الغزو والتي تكون اذا اقترنت مقحمة في تفسير دوافع شن الحرب والغزو، تأييدا غير مباشر لشن العدوان والغزو، وبالذات حين يتم الحديث عن الأمن القومي وعن الاستفززات المختلفة، وعن سياسات السلطة في أوكرانيا رغم أن هذا من شأن الشعب الأوكراني نفسه، وكأن السياسة والعلاقات بين الدول والحكومات عاقرة وبدون حلول و معالجات سوى بشن الحرب واستخدام الوسائل العسكرية.. هذه الأسباب والمبررات وغيرها لا يمكن أن تكون في كل حال من الأحوال سببا لشن الحرب عسكريا واحتلال دولة جارة وتدمير مدنها وقراها وقتل شعبها والدعوة لإسقاط نظامها السياسي ووسط تصعيد الخطاب الاعلامي عن الامبراطوربات القومية السابقة والحدود الجغرافية وإلى آخره، والتي يناقضها تماما أن أوكرانيا دولة عضو في الأمم المتحدة بحدودها الجغرافية المعروفة... الفكرة في الموضوع أن الموقف من الحرب والعدوان يفترض أن لا يقترن بربطه بموبقات وخطايا وأفعال هذا الجانب أو ذاك. هذا لا يعني في كل الأحوال عدم التصدي وفضح السياسات الجائرة للحكومات والأحزاب البرجوازية والدوائر الرأسمالية و في كل الأماكن التي يتم فيها انتهاك حقوق الناس واغتصاب حقوقهم. الموقف السليم هو في الدعوة لوقف الغزو والحرب واللجوء للطرق السلمية والدبلوماسية التي توصل لسلام دائم بين الدولتين الجارتين أوكرانيا و روسيا تشيع أجواء الإخاء والمحبة والوئام بين الشعبين الأوكراني والروسي اللذان جمعهما النضال المشترك ضد فاشية هتلر وغزوه، حيث سطرت ملاحم البطولة في أوديسا وغيرها من مدن وبلدات أوكرانيا. كان ولازال خيار وقف الحرب طريقا صحيحا لمنع تطور الأحداث، وبدون نزعة فرض الأمر الواقع ضد أوكرانيا والدعوة لإستسلامها كدولة وخضوعها لشروط بوتين ونظامه. الامكانيات العسكرية لروسيا و أوكرانيا غير متكافئة وهي حقيقة يعرفها الجميع حيث التفوق الواضح للقوات الروسية. وبحكم الظروف السياسية المحيطة والاصطفافات والتحالفات وتمحور الحرب وظهورها كحرب بين روسيا من جهة، وأوكرانيا والغرب وأوروبا والناتو من جهة أخرى، فقد تدفق ويتدفق الكثير من السلاح والأعتدة، والتي من الممكن تفنيد مببراتها وما تسببه من صب الزيت على النار، بشكل أقوى وأكبر في حال قبول دعوات السلام ووقف العمليات الحربية والعسكرية والابتعاد عن أفكار التوسع القومي وفرض الارادات.

يبقى موقف الحزب الشيوعي العراقي الذي أعلن بعد يوم من الغزو الروسي، متميزا و واضحا و صريحا في إدانة هذه الحرب والدعوة إلى إيقافها وعدم الاصطفاف أو التأييد لجهة دون أخرى.

السلام لأوكرانيا ولشعبها وليتوقف نزيف الدم الأوكراني الروسي. لا لحروب الرأسماليين التي لا تخدم سوى مصالحهم، والتي يدفع أثمانها الباهظة في كل مرة عامة الناس. الحروب يشعلها الرأسماليون ويدفع الشعب دائماً كلفاتها الباهظة.

عرض مقالات: