لقد رافق التطور والتقدم الذي شهده العالم حدوث ازمات وصراعات كبيرة شملت جوانب مختلفة عديدة ولا يمكن الخروج منها إلاّ بالتنمية، وخصوصاً وإننا نعيش الآن في عالم العلم والمعرفة والفكر والانفتاح الذي يتطلب التفاعل مع معطيات المرحلة الراهنة ومواجهة تحدياتها، فلم يَعُد الصراع يتمثل في القوة العسكرية والسيطرة السياسية على الأراضي واحتلالها وإنما انتقل إلى كيفية استخدام المصادر الطبيعية بوسائل علمية ومخترعات تكنولوجية حديثة. بما إن عملية التنمية أساساً تستهدف تطوير القدرات البشرية وتعبئتها للتغلب على المشاكل والعقبات التي تحول دون الوصول إلى السعادة التي ينشدها، والتنمية كعملية غايتها الناس وأدواتها الناس لذا فالمشاركة العامة في تنفيذها من أهم الأسس للنجاح، اذن أساس النجاح أن يصبح لكل فرد دوراً في عملية التنمية، أن يكون واعياً بما يجري حوله ودوره في تطوير المجتمع وتنميته، وهذه أمور تحتاج إلى توعية وتثقيف متصلين. وتحتاج إلى تعليم وتدريب مستمرين، ومن هنا تبرز أهمية الإعلام في المجتمع وكيفية استخدام وسائله المختلفة بهدف تعبئة الجماهير ذات المصلحة في التغيير والتنمية، وحل المشكلات التي تعترضها عن طريق تقوية وتدعيم وسائل الإعلام المختلفة. فالمجتمع بحاجة إلى إعلام يواكب خططه الإنمائية ويعمل على خلق المشاركة من جانب أفرادها في عملية التنمية، فهو السبيل لنشر المعرفة بخطط السلطة السياسية. وهو الذي يُوفر الرغبة في التغيير و ينمِّي اهتمام الناس بتغيير مجتمعهم.  أن الإعلام التنموي هو احد فروع الاعلام المتخصص ويهدف إلى الإسراع في تَحوّل مجتمع ما من حالة الفقر إلى حالة ديناميكية من النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وذلك عن طريق وسائل الاتصال المختلفة عن طريق التخطيط والتنسيق الجيد،‏ وكذلك عمليات التثقيف والتعليم وإكتساب المهارات والرغبة في التحديث وايجاد الاستراتيجيات والموارد المتاحة من أجل تحقيق التنمية عبر الرسائل الإعلامية التي تدعو إلي ذلك.      

لم تعد التنمية تقتصر على البعد الاقتصادي فقط. بل أصبحت أوسع وأشمل من ذلك بكثير. ويوجد شبه إجماع في شأن الإعلام التنموي على تحديد مفهوم التنمية بمفهومهـا الشـامل. وتُعـد التنمية عملية ديناميكية، شاملة، ومعقدة، وعميقة، وواعية، ومقصودة، ومدروسة. تـتم بالإنسـان ومن أجل الإنسان. وتهدف إلى إحداث تحولات واسعة وشاملة وعميقة في المجتمع. وفـي مختلـف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية. وهذا ما يؤكد أنها عملية مرتبطة بـالظروف الخاصة، والإمكانات والموارد المادية والبشرية، ومن ثَم لا يمكن استيرادها أو استعارتها جاهزة، بل هي مشروع يجب العمل عليه لإيجاده. والتنمية ليست عملية اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو تربوية منفردة بل هي مزيج من هذا كله، وربما تعدَّتها إلى جوانب أخرى غيرها. وهـي عمليـة إنسـانية هادفة، وواعية، ودائمة التغيير.  

لقد تم استخدام الاعلام كأداة من ادوات التغيير الثقافي والفكري لدي بعض الدول والشعوب ففي فترة الحرب الباردة  اجريت العديد من الدراسات التي تهدف  الي معرفة كيف يمكن التأثير علي عقول البشر وكسب صداقات الامم واتجه الاعلام الامريكي نحو اليابان من اجل احداث تغيير  في البنية  الثقافية  اليابانية  ونزع الافكار الخاصة بالامجاد العسكرية اليابانية , لذلك تُشكِّل وسائل الإعلام (بكل جوانبها المختلفة) مكونًا مهمًا للبيئة التي يأخذها صنّاع القرار في السياسة الخارجية في الاعتبار عند قيامهم بتطوير سياساتهم ،كما انها جزء أساسي من السياسة الخارجية وبيئة صنع القرار .  

 تأثير الإعلام على الجماهير ليسَ لهُ  مظهراً واحد أو حتى صيغة ثابتة معيَّنة، ورغم ذلك فإنِّ هذه الوسائل تقوم بدور كبير (وإن لم نكُن قادرين على قياسِهِ بشكل مقنَّن ودقيق) في تحقيق أهداف التنمية المُستدامة، بشكلٍ يُكمِل الجهود المبذولة في هذا الإطار ويُسرِّع في تحقيق الأهداف والتطلُّعات في كافَّة فروع التنمية اجتماعيَّة كانت أو اقتصاديَّة أو سياسيَّة وغيرها. وظهر مفهوم الاعلام التنموي في العقد السابع من القرن العشرين، ويعود الفضل الأول في نشأته إلى الباحث ولبر شرام الذي ألف كتابا في وسائل الإعلام والتنمية 1974، انطلق شرام من اهمية الاعلام بصفة عامة من خلال الذاكرة التاريخية للتحولات الكبرى ووجد ان الاعلام احدث اثرا كبيرا في المحيط الذي  يعمل فيه وهو يرى أن (الثورات في أوروبا وأمريكا ما كانت لتتم دون وسائل الإعلام وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم والتطور التكنولوجي والاتصالي، على أساس أن هذه التطورات أحدثت تطورا وتحولاً عميقاً في حياة الناس) ومن ثم وجد ان (الدور الذي لعبته وسائل الإعلام لتنبيه دول العالم الثالث على واقعها المتخلف كان له أثراً كبيراً في إيقاظ الشعوب المتخلفة من سباتها وفي جعلها تتطلع إلى مستوى معيشة الشعوب المتقدمة، فالإعلام والمواصلات كانتا العامل الأهم في إيقاظ هذه الشعوب كما أن الإعلام أعطى الدول النامية قنوات قوية تستطيع أن تبلغ بها جماهيرها رغم الحواجز الكثيرة) ويربط شرام بين واقع تركيز وسائل الإعلام والاتصال، وبالتالي الخدمات الإعلامية التي تقدمها في المدن الكبرى ويوجد نقص شديد في المدن الهامشية أو الأرياف والقرى، وحسب قوله فهذا الأمر موجود في المدن الكبرى والهامشية وفي الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.   

وتكمن أهمية الإعلام التنموى فى الدفع قدمًا نحو الأمام لمسار التنمية وإنجازها بالشكل المطلوب، فإنجاز التنمية يفترض تعبئة الموارد الذاتية للمجتمع وفق استراتيجية واضحة ومدروسة لكيفية تحقيق التنمية وحصر أولوياتها من ناحية، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية من ناحية ثانية، وإنشاء وتحديث الأجهزة والمؤسسات التى تنهض بالدور الرئيسى فى تنفيذ الخطط والبرامج التنموية من ناحية ثالثة، وتحقيق قدر من العدالة فى توزيع أعباء التنمية وعوائدها من ناحية رابعة. ويلعب الإعلام دوراً كبيراً في توعية الجماهير في المجتمع بالمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية الآنية وتحليلها من حيث الأسباب والنتائج والقوى الكامنة وراءها والإسهام في حل هذه المشكلات، وتقديم رؤى حولها وطرحها على المسؤلين في قطاعات المجتمع ومؤسساته المختلفة، والتصدي للظواهر الاجتماعية المنتشرة في مجتمعنا مثل تعاطي المخدرات بين الشباب، وبيان آثارها النفسية والاجتماعية والصحية وكذلك ظاهرة العنف، والإرهاب وغيره من المشكلات التي تهدد الاستقرار، وتنشر الخوف والقلق بين أفراد المجتمع.  

والدور الإيجابي للإعلام يعني أن يكون من أسباب الحل، لا أن يكون جزءا من المشكلة، وأن يكون قادرا على إدارة الأزمات لا أن يصنعها ويعيش عليها، إعلام يجمع ولا يفرق، يبنى ولا يهدم، وأن تكون مصلحة الوطن فوق كل المصالح الفردية.  ولا شك أن التنمية السياسية والتنمية الثقافية والاجتماعية تخلق تنمية اقتصادية ومن خلال دور الاعلام في التنمية السياسية والثقافية فإنه وبلا شك يصبح له دور التنمية الاقتصادية.       

 إنَّ المفهوم الحديث للتنمية هو العملية المخطط لها والمقصودة والتي تهدف إلى نقل المجتمع التقليدي إلى الحداثة من خلال إحداث تغيير متوازن في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية بكفاءة وعدالة. ويجب أن يتم التوازن بين  مرتكزات التنمية على اعتبار أن التنمية لن تتحقق إذا تم إهمال احد مرتكزاتها. إن الآراء التي تناولت مفهوم التنمية السياسية تشترك في أنها تشير إلى عمليات النمو التاريخي والتحول في بنيـة الدولـة والنظام السياسي نحو التعددية السياسية والمشاركة وترسيخ مفاهيم السيادة والولاء للدولة القومية، مما يعني ازدياد التخصص في الأبنية السياسية وترسيخ الإطار المؤسسي للحكـم وتزايـد علمانيـة الثقافـة السياسية وصولاً إلـى الديمقراطيـة السياسيـة.

لا يستطيع أحد أن يجادل في أن التنمية  الاقتصادية أساسية لكل دول العالم على السواء، خاصة منها الدول النامية التي تتخبط تحت ظل الفقر مما جعل التطور الاقتصادي يشغل مكان الصدارة في تخطيطها، حيث تدرك أن عليها  دفع برامج التطوير الاقتصادي دفعة قوية فهي بحاجة الى  الاسراع بالتاريخ عن طريق قفزة واسعة ترتكز التطور الاقتصادي تتخطى فيها مراحل التطور الذي استغرق سنوات طويلة في الغرب                      يسهم الإعلام التنموي في الحكم الرشيد والشفافية وعمل الأسواق والاقتصاد، كما يسهم بإحداث تغيرات مفيدة في سلوكيات الأفراد والجماعات والمنظمات، بشرط أن يمارَس هذا الإعلام في بيئة إعلامية تعددية تسودها حرية تداول المعلومات والآراء والاستقلالية، كي لا يتحول إلى أداة دعائية حكومية أو مصلحية. وهناك خطاً فاصلاً بين أن تلقي وسائل الإعلام الضوء على المشكلات التي تواجه المجتمع من منطلق وطني، وبين تقديمها لجذب انتباه وإثارة الجمهور، وهو ما يجب الانتباه إليه، إذ أنه من الأدوار المهمة للرسالة الإعلامية، إلقاء الضوء كذلك على كل فكرة إيجابية وتقديم النماذج التي حققت نجاحات في مختلف المجالات لكي يقتدي بها الغير.