خلاص  السياسة من قيم وثقافة الالتزام الاجتماعي وما يرافق ذلك من مظاهر العنف والاشاعة وإتِّباع الأهواء والشعارات الفضفاضة التي تغذي الفتن والانقسامات بين القوى السياسية والمدنية ، وفي المقابل يجدر بالفاعلين الاجتماعيين والسياسيين التحلي بمنطق الحكمة العملية والعقل النقدي الناضج والفاعل والمعنى المقصود والارادة المشتركة في البناء والارتقاء بالمواطن والوطن. ان الاشكال الرئيسية التي يجب أن ينشغل بها التفكير السياسي في هذه المرحلة الجديدة من التطور السياسي لشعبنا ، هو تحسين الأوضاع الاجتماعية وإيلاء أهمية قصوى للتكافؤ والمساواة في الفرص والحقوق بين الأفراد على المستوى المعيشي وتحت مظلة القانون، والإبتعاد عن التمركز الجهوي والتعصب الايديولوجي ، والكف عن البحث عن المصلحة الحزبية المحدودة وعن استعراض القوة الشعبية ,والمال السياسي والقرب من مراكز النفوذ والتفرد السلطوي. الخطاب السياسي الاصلاحي ينبغي ألاّ يتورط في التشويهات وهتك الحرمات والتعرض للحياة الشخصية للناس بالتحريض والإتهام والإنفعال ولا يجب ان يجنح نحو التمركز الطائفي والمرضي حول الذات، وادعاء النقاء وامتلاك الحقيقة المطلقة ولا يجب ان يسقط في الانتهازية التسلطية، ولا البراغماتية والتعويل على القهر ومنطق القوة المباشرة.

النظام الانتخابي هو الآلية التي يضعها المُشَرِّع لتنظيم سير العمليات الانتخابية في مختلف مستوياتها، والتي نستطيع من خلال اعتماد قواعدها تحويل الأصوات المُعبَّر عنها إلى مقاعد في مجالس منتخبة، مُبَيِنة أسس الفوز، الإقصاء والفصل في جميع الإشكالات المتعلقة بسير العملية الانتخابية، كحالات التعادل بين المرشحين.ونظراً لأهمية النظام الانتخابي يجب أن تخضع عملية تصميمه لمجموعة من الضوابط التي تكفل الغايات والنتائج المنشودة منه.ولا شك أنّ التجربة، في كل من الديمقراطيات الراسخة والناشئة على حد سواء، تدل على أن تعزيز النظام الديمقراطي على المدى الطويل (إلى أي مدى يعتبر النظام الديمقراطي مُحَصَّناً ضد كافة التحديات الداخلية التي قد يواجهها النظام والأمن السياسي) يتطلب قيام واستمرارية الأحزاب السياسية الفاعلة. في عصرنا الراهن يتم تصميم النظم الانتخابية ضمن إطار العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية الأخرى المتعلقة بالقضايا السياسية. وفي الوقت الذي لا يمكن فيه القول بأن هناك قائمة موحدة لمعايير الانتخابات المتفق عليها دولياً، إلاّ أنّ هناك توافقاً على أن تلك المعايير تشتمل على مباديء الانتخابات الحرة، والنزيهة والدورية والتي تضمن حق الاقتراع العام دون استثناءات، بالإضافة إلى ضمانها لسرية الاقتراع وممارسته بعيداً عن الإكراه أو القسر، والتزام مبدأ الصوت الواحد لكل فرد (بمعنى أن تتساوى قوة الصوت المخوَّل لكل ناخب مع باقي الناخبين وليس بمفهومه كنظام إنتخابي محدد).  وأحياناً يمكن إحداث تغييرات رمزية أو صورية  في مؤسسة معينة أو سياسة ما، ذلك أن مثل هذه التغيرات الهامشية البسيطة أو الشكلية ذات قيمة ومغزى لمن يقف وراءها، فالإصلاحات الجزئية والشكلية الانتقائية التي تقوم بها بعض الأنظمة العربية، مثل إجراء انتخابات صورية أو إجراء حوار مع بعض جماعات المعارضة أو رفع شعارات مثل الشفافية والمسائلة أو التنمية السياسية، ...وغيرها , هي إصلاحات مبتورة بلا جدوى أو مضمون، وبالتالي لا تندرج تحت مفهوم الإصلاح أو التغيير، أن أي تغيير حقيقي يعني الانتقال من وضع إلى وضع مغاير كلياً، وبالتالي فان التغييرات المحدودة أو الشكلية ذات الأثر المحدود لا يمكن أن تدخل نطاق مفهوم الإصلاح، لأنه يتطلب إحداث تغييرات جذرية عميقة شاملة ومستديمة. ولما كان النظام الديمقراطي يرتبط بوجود مؤسسات قوية، تتمثل في السلطات الثلاثة المعروفة من تنفيذية وتشريعية وقضائية، فضلاً عن الصحافة والإعلام ثم مؤسسات المجتمع المدني، فلابد من مراجعة هذه المؤسسات لضمان أدائها الديمقراطي السليم، الأمر الذي يفرض الشفافية التامة واختيار القيادات الفاعلة، والتحديد الزمني لفترة قيامها بمسؤليتها ، التطبيق الفعلى لمبدأ سيادة القانون بما لا يعرف الإستثناء مهما كانت مبررات هذا الاستثناء ودواعيه. من هنا فإن أمر الإصلاح السياسي وما يرتبط به من تحديث لمختلف القطاعات في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسياسة أيضاً مرتبط بحضور الإرادة الشعبية في مركز القرار السياسي في البلاد , ولا يجوز إحالة الأمر لهذا الحزب أو ذاك , هذه السلطة أو تلك , من السلطات التي سكنها أصلاً هاجس المشروعية التي تفتقد لها على امتداد زمن طويل. مقاومة مراكز مناهضة التغيير، فإرادة الإصلاح ستصطدم حتما بقوى الجمود والتخلف والسلطوية ، التي هي دائما نفس القوى التي تشد البلاد إلى الوراء وتحن إلى الماضي التحكمى كلما كان هناك اندفاع نحو التجديد والتقدم والانتقال - إن اختيار التعامل معها ينبغي  أن يكون مبدئياً بعيداً عن حملات التصفية والإثارة، والاحتكام إلى القانون وإصلاح وتخليق الحياة العامة، والاعتماد على الامتداد الشعبي لمواصلة النضال الديمقراطي من موقع قيادة العمل الحكومي وتعبئة الجماهير في إتجاه إقرار السيادة الشعبية، وتفعيل المجتمع المدني في إطار محاربة الفساد والتسلط وزرع ثقافة المواطنة والحس المدني وروح الواجب والمسؤولية.

جميع الانظمة الانتخابية لا تخلو من مساويء واشكاليات لكن هناك مَن تختفي اشكالياتها في ضوء تقدم مزاياها، ولايزال الجدل قائماً حول تحديد الحجم الأمثل للدوائر الانتخابية. لايمكن إيجاد نظام إنتخابي مثالي عادل قابل للتطبيق والحياة على جميع دول العالم وفي كل زمان ومكان انما يجب ان تأخذ ظروف كل دولة على انفراد وهذا يتطلب وجود دراسات مسبقة لظروف تلك المجتمعات السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية وغيرها قبل الشروع في تشريع نظام انتخابي سواءً للتصويت او لتحديد الفائزين بالمقاعد البرلمانية، وبالتالي فإن النظام الانتخابي في بلد ما يُعد أحد العوامل التي تُحدد مدى اهتمام المواطن بالحياة العامة والتي تؤثر على شكل النظام الحزبي ودرجة الاستقرار الحكومي. ويمكن اعتبار النظم الانتخابية كأدوات لإدارة الصراع داخل مجتمع ما، بالإضافة إلى كونها الوسيلة لانتخاب البرلمانات والرؤساء.

تعمل بعض النظم الانتخابية، في ظل ظروف معينة، على تحفيز الأحزاب السياسية لإنتهاج سياسات شمولية تدفع بها إلى حشد المؤيدين من خارج دوائر التأييد الرئيسية أو التقليدية لها. ولكن لسوء الحظ نجد في عالمنا اليوم ازدياداً في عدد النظم الانتخابية غير الملائمة والتي تسهم عملياً في تفاقم الطروحات والمواقف السلبية القائمة، وذلك على سبيل المثال من خلال تحفيز الأحزاب السياسية على التعامل مع الانتخابات على أنها منافسة كلية في سبيل الحصول على كل شيء مقابل لا شيء للآخرين، وبالتالي دفعها للتصرف بروح من العدائية والاستثناء لكل من لا ينتمي لمجموعتها أو دائرة مؤيديها. لذلك ينبغي أن يتمثل الهدف الأعلى في تصميم أية ترتيبات سياسية، بما فيها النظام الانتخابي، في عدم العمل على زيادة الأمور سوءاً إن لم يكن بالمستطاع تصميمها بما يحد من تفاقم التوترات الإجتماعية. عندما يتفاوض العاملون بالسياسية حول اعتماد نظام انتخابي جديد، عادةً ما يدفعون بإتجاه المقترحات التي يعتقدون بانها تُفيد مصالحهم الحزبية في الانتخابات القادمة، إلاّ أنّ ذلك قد يُمثل استراتيجية تفتقد للحكمة في كثير من الأحيان، خاصةً في البلدان النامية، حيث يمكن أن يسفر نجاح الحزب الواحد وهيمنته على المدى القصير عن انهيارات سياسية وتخلخل في السلم الاجتماعي على المدى الطويل.

لقد شهد العراق بعد سقوط النظام الاستبدادي عام2003 نظم انتخابية تراوحت بين المقبولية الجزئية في القواعد وبين التخبط والتزوير في السياق العام. وفي حالة استمرار الفشل السياسي ومداورة ذات الوجوه والكتل  السياسية النفعية فاقدة المشروعية ,سواءً بنظام سانت ليغو او ما يقاربه من الانظمة الانتخابية قد يصار الى عزوف شعبي كبير في مشاركة العراقيين غير المنتمين حزبياً في الانتخابات الوطنية والمحلية، وهو ما يؤشر الى فقدان الثقة الشعبية بالنظام السياسي العراقي الجديد وفشله في معالجة قضايا المجتمع المُلِّحَة. وينبغي الأخذ بعين الاعتبار الآثار التي يمكن أن يخلِّفها النظام الانتخابي اي التفكير و التروي قبل وضع أو صياغة للقوانين الانتخابية, ولا داعي لاستيراد النظم الانتخابية الجاهزة وذلك لإختلاف الظروف و معايير الديمقراطية، فلكل بلد خصوصيته ثم انه قد يكون النظام الانتخابي ناجحاً في بلد ما ولا يمكن ضمان نجاحه في بلد آخر من جهة أخرى قد يكون النظام الانتخابي مناسباً اليوم و قد لا يكون مناسبا غدا وعليه عند صياغة القوانين الانتخابية يجب مراعاة مجموعة الأهداف الضرورية والمراد الوصول إليها في المرحلة الحالية ,كإقامة برلمان تعددي أو التشجيع على قيام حكومة مستقرة وفعّالة التأكيد من أن الانتخابات في متناول الناخب العادي و ضمان نزاهتها.

 ولأجل إبعاد المفوضية العليا العراقية كجهة اجرائية عن تسيس المكونات والكتل ضرورة تعديل قانونها، بما يجعلها بعيدة عن ما أقرَّته الكتل السياسية في ما يعرف بالتوازن السياسي أي تقاسم مجلس المفوضين فيما بينهم وهو ما يجعل المفوضية عرضه للتدخلات السياسية والحزبية ويصبح عملها عرضه للشكوك وفاقد للشفافية والحيادية، والحل هو التعديل القانوني باتجاه ان يكون الاختيار لاعضاء مجلس المفوضين ورئيسه من النخب الوطنية المستقلة النزيهة او عبر اختيار قضاة لمجلس المفوضين. لأن للقوانين الانتخابية انعكاسات كبيرة على الأحزاب القائمة سواءً في عددها وأهميتها في البرلمان , كذلك تؤدي دورا حاسما في النظام السياسي خاصة عند تحديد الدوائر الانتخابية، طرق الترشح للعضوية في المجالس النيابية، تنظيم الحملات الانتخابية. وفي الوقت الذي يجب فيه الحفاظ على بساطة النظام، إلاّ أنّ ذلك يجب ألاّ ينحدر بنا إلى المخاطر التي قد تنجم عن الاستهانة بقدرة الناخبين على استيعاب الخيارات المتعددة والمختلفة للنظم الانتخابية المتاحة وقدرتهم على استخدامها بالشكل الصحيح. فعلى سبيل المثال، تم استخدام نظم انتخابية تفضيلية معقدة بشكل ناجح في بعض الديمقراطيات الناشئة في منطقة آسيا-الباسيفيك، بينما أثبتت التجربة الحديثة في كثير من الانتخابات في عدد من الديمقراطيات الجديدة أهمية التمييز بين مستويات الوعي والمعرفة العملية ومستويات الوعي السياسي. وحتى في البلدان الفقيرة يرغب الناخبون عادةً في التعبير عن خيارات وأفضليات سياسية معقدة ومركبة.