الجميع يعرف أن النخب السياسية العراقية على أساس إثني وطائفي، لا يمكن الاعتداد بالكثير من الأحزاب التي تَدّعي أنها أحزاب وطنية أو قومية لأنها فشلت في الوصول إلى السلطة، وحتى سلوك الناخب العراقي اعتمد الأساس الإثني والطائفي، والمتغير الأساسي هي متغيرات محلية.  فالمواطنة تُعرَف على أنها " علاقة اجتماعية تقوم بين الأفراد والمجتمع السياسي (الدولة)، حيث تُقدِّم الدولة الحماية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للإفراد عن طريق القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد ككيانات بشرية طبيعية، ويقدم الأفراد الولاء للدولة ويلجؤون إلى قانونها للحصول على حقوقهم. وتقوم المواطنة " على أساس إبقاء الخلافات في دائرة السجال السلمي والاحترام المتبادل بين القوى السياسية المتصارعة، والحيلولة دون انتقال الصراع السياسي إلى مرحلة التشكيك في النوايا أو التخوين أو الاتهام بالعمالة أو ما شابه ذلك من المواقف التي تجعل الحوار مستحيلاً... فالوعي الصحيح للمواطنة يحول دون خروج النقد السياسي عن قواعد الاختلاف السياسي. وتختلف  درجة الوعي السياسي من دولة الى أخرى، وظاهرة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ليست بالضرورة متساوية في جميع نتائجها بشكل متساوي على كافة الدول، ويكمن ذلك في  إختلاف البنية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة، والى تركيبة النظام السياسي، وان عملية الاستقرار السياسي والاجتماعي يتمثل في حالة التضامن والتماسك داخل الدولة في مختلف مؤسساتها البنيوية والوظيفية وعلاقة السلطة السياسية بالاستقرار السياسي هي علاقة ترابطية تبادلية وواجبات الدولة الاساسية هي حماية كيانها الجغرافي والبشري وصيانة تاريخها الوطني.

 ترسيخ التعايش السلمي وبناء سلام مستدام في المجتمع العراقي المتنوع هو جهد تواجهه مشاكل متشعبة ومتعددة. سد كل مداخل العنف المجتمعي وحل النزاعات بين فئات ّ معقدة، وينطوي على توافر آليات ورسم سياسات عامة تسعى إلى المجتمع المتعددة بطرق سلمية عن طريق الحوار والتسامح وقبول الاخر المختلف، ومن بين آليات ادارة الصراع السياسي هو  مدخل الاصلاح الانتخابي الذي نعتقد أنه سيكون الأساس السياسي المصحح لمسار العمل السياسي الذي أتسم بالمحاصصة  أفكارا عن النظام الانتخابي من الممكن تطبيقها على  الطائفية التي كان الفساد أحد أبرز مظاهرها، ومن الممكن أنها ستؤسس لسلام دائم في المجتمع العراقي، إذ يمكن من خلالها إحداث تغييرات في مسارات النزاعات السياسية المؤسسة على الهويات الفرعية، وتحويلها إلى تعايش سلمي دائم. ومفهوم الهوية من المفاهيم المحورية عند أنصارالنظرية البنائية (والنظرية البنائية هي من  نظريات علم الاجتماع ومع بداية  العقد الأخير من  القرن العشرين دخلت مجال العلاقات الدولية وأصبحت أحد أهم النظريات فيها، وقد برزت خلال تلك الفترة العديد من الكتابات التي أسهمت الى حد كبير في وضع الأسس لهذه النظرية). وقد جاء المصطلح في علم النفس الاجتماعي حيث يشير الى أشكال من الفرديـة والتميز الأنا التـي يحملهـا ويعكسها الفاعل، والتي تتشكل ويجري تعديلها عبر العلاقات مع الآخرين وللهوية شكلان احدهما أصيل أو أصلي والثاني يتم تحديده وفقاً للعلاقة مع الآخرين.اذ لم يكن المفهوم المعاصر للمواطنة واضحاً لدى أفراد المجتمع، ويتطلب ترسيخ هذا المفهوم القائم على نقل نمط الولاءآت التقليدية الى ولاء جديد يسمو عليها والاقتناع به سياسة تربوية وتنشئة تستلزم جهوداً كبيرة وزمناً ليس بالقصير، فالهوية الوطنية تضع القواعد والأسس التي تُبنى عليها الحياة السياسية المستقرة، وهي فكرة تحدد السمات العامة لشعب الدولة وتغرس في عقول إفراده شعوراً بالانتماء لوطن واحد يضم الجميع في إطار تماسك اجتماعي ووحدة سياسية للأمة المتعددة الانتماءات العرقية والدينية والطائفية. تتكون اغلب دول العالم من تعدد ديات مجتمعية مختلفة، قومية ودينية ومذهبية، ولا توجد دولة تقوم على أساس وجود مكون واحد، وينطبق هذا الكلام على الدول المتقدمة وغير المتقدمة على حد سواء. أن المشكلة الأساسية في العراق تكمن في انحراف العملية السياسية في العراق من حيث بنية النظام السياسي والخلل القائم في بنية النظام (المحاصصة الطائفية والقومية) الذي يمثل الركيزة الأساسية في النظام السياسي العراقي بعد عام 2003 والذي أدى إلى تدهور الأوضاع وساعد على تعميق الأزمات بدلاً من حلها.

فقد بات من الضروري العمل على إجراء عملية إصلاح شامل في بنية النظام السياسي العراقي، والذي أُسس في ظروفٍ استثنائيةٍ، يشوبها الكثير من الأخطاء وعلامات الاستفهام، كذلك القول أن المتابع لأي مجتمع من المجتمعات البشرية يجد أن عملية بناء المجتمع واتجاهه نحو بناء نفسه وتكاملها لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الإصلاح أي من خلال مجموعة من الحركات الإصلاحية الهادفة إلى تقويم مسار هذه المجتمعات.  فالإصلاح يتفرع ويأخذ اتجاهات متعددة منها الإصلاح الاجتماعي و الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي. وان عملية الإصلاح تمر بثلاث مراحل مهمة وهي (مرحلة الحوار من اجل إبداء وطرح البدائل الصحيحة، ومرحلة الدخول في عملية تغيير الأنظمة السلبية ومنها النظام الانتخابي على سبيل المثال، ومرحلة إعادة بناء المؤسسات السياسية والديمقراطية والدستورية) .

في الدول غير المتقدمة فأن الوضع يختلف بشكل كبير، اذ ما زالت هذه الدول تعيش حالة من عدم وضوح هويتها الوطنية، اذا ما قلنا بأنها غير موجودة أصلا وهذا الخلل ادى الى ان تعاني بقية القطاعات فيها من ظاهرة عدم الاستقرار أيضا، سواءً الناحية السياسية او الاقتصادية او المجتمعية. العراق بما انه من الدول غير المتقدمة، فهو الأخر لا زال يعاني من عدم وضوح هويته الوطنية، فبالرغم من محاولات الأنظمة العراقية التي سبقت عام 2003، من ترصين هذه الهوية وجمع التعددية المجتمعية تحت لوائها.  ويلعب المتغير الأمريكي دورا مهما في مسار العملية السياسية، ويبدو أن الإدارة الأمريكية لا زالت تنظر إلى المحاصصة السياسية وسيلة مثلى لحل الإشكال العراقي. وتدعو كل فئات الشعب لتشكيل حكومة بسرعة عقب الانتخابات العامة بهدف تضييق فرص السقوط مرة أخرى في دائرة العنف. وبالتالي فإن هذا المطلب يلغي نتيجة الانتخابات مسبقا ويفترض وصول قوى طائفية إلى قبة البرلمان، بما يدفع إلى تبني نظرية مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما قد أعدت مسبقا نتائج الانتخابات، عن طريق تقسيم المقاعد أفقيا ما بين القوى الرئيسة المتنافسة على المقاعد البرلمانية بحيث لا يستطيع أي تحالف بمفرده من أن يحوز على الأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة.

الانتخابات تُعد إحدى الأدوات الرئيسة لتسوية الاختلافات بين الجماعات الاجتماعية داخل حدود الدولة الواحدة، ووسيلة للتحكيم بين الأفكار والاختيارات، وأن السلوك التصويتي في مجمله هو تجسيد لفكرة القبول بالآخر والعيش المشترك. لكن هذا الوصف لا يمكن تعميمه على التجربة العراقية، لأن البناء السياسي قد شُكل وفقا لأهواء وصور هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية الحقة، بحيث وصلنا إلى مشهد ديمقراطي يفتقر إلى ديمقراطيين. وبالتالي لا يمكن الحديث عن الانتقال السلمي للسلطة في غياب انتخابات حقيقية تعبّر عن إرادة الشعب أو تؤكد مصداقية العمل السياسي، ولا زالت العملية الانتخابية بعيدة كل البعد عن تحقيق اشتراطات النزاهة، بسبب وجود الكثير من الشبهات.  أن تبشير الولايات المتحدة الأمريكية للعالم بأنها ستقيم نموذجا للديمقراطية في الشرق الأوسط ينطلق من العراق ليعم بلدان المنطقة، اتضح بعد وقوع الغزو، ان العراق بات نموذجا للفوضى وانعدام الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها، والشيء الخطير في كل ذلك هو تفكك العراق كدولة ومؤسسات ورابطة وطنية، أصبحت تداعياتها واضحة داخل المجتمعات العربية. وثمة تضافر عوامل سياسية، اقتصادية، أمنية وطائفية، فضلاً عن تشابك وتعقيد النطاقين الداخلي والخارجي، بما يجعل المشهد العراقي بعد أكثر من تسعة عشر  عاماً من الغزو نموذج للفوضى وانعدام الأمن والاستقرار، وأن التحول السريع نحو الديمقراطية لم يتم استيعابه لحد الآن، والواضح أن كل الأطراف داخل العراق وخارجه دولة كانت أو طائفة، ستذهب إلى أبعد مدى في استغلال كل الوسائل والطرق المتاحة بحثاً عن المصالح، السلطة، الموارد في العراق لا من أجل العراق، لذلك نجد أن العملية السياسية تم التعامل معها برؤى مختلفة، تمثَّلت رؤية كل جهة بحسب مصالحها وتبعاً لتحالفاتها الإقليمية والدولية. والمواطنة في العراق يمكن ترسيخها وتحويلها الى رابطة فعّالة ترتكز على وجود مواطنين فعالين مبادرين يحمون مواطنتهم ويضمنون استمرارها، فالعراق واجه وما زال عقبات خطيرة مصدرها البنية الاجتماعية والسياسية للدولة والمجتمع، وأنه دون ادراك وتفهم هذه العقبات والسعي لتخفيف حدَّتها، ومن ثم إبعاد تأثيراتها المعرقلة لنشوء مواطنة عراقية حقيقية ستبقى هذه المواطنة فاقدة للضمانات الجوهرية لترسيخ وجودها وقيمها وآلياتها في البيئة العراقية.

العوامل المحلية، والخارجية المؤثرة على الدولة العراقية فإنها كثيرة جدا، وقد أسهمت وبدرجات متفاوتة، في التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والأمني في العراق، والتردي السريع في جودة الحياة التي يشهدها العراق منذ بداية الثمانينيات، وخاصة بعد الاحتلال في عام 2003. وليس بخافٍ، أن الدولة، رغم موقعها الجغرافي الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وامتلاكها للثروة النفطية (والغاز) بوفرة, قد خسرت حيزاً من أهميتها (السياسية – الاستراتيجية) واستقلاليتها بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، وهي تجتاز حالياً منعطفات خطيرة تهدد سيادتها وتماسكها ومستقبلها. ولحماية وجود الدولة وتأمين مصالح المواطنين فيها، ينبغي إحداث التغيير لإنهاء أزمة النظام المركّبة، سياسياً واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً وأمنياً. من هنا، يَستمدُ المشروع الاقتصادي الوطني مبرراته ليسهم في تأسيس البديل الاقتصادي الذي يؤهل الدولة المدنية الديمقراطية المستقلة والسلطة (الأحزاب) السياسية القوية، التطلع لمشروع وطني يعالج الأزمة العامة المزمنة، وليوسِّع آفاق المستقبل الاقتصادي من خلال التأثير بدينامية أنماط استغلال الريع النفطي، وأهمها مؤسسات ومعايير التوزيع بين الاستثمار والاستهلاك. والتغيير هنا، يتطلب صياغة السياسات الاقتصادية لتوجيه مسارات النمو في القطاعات، ومن خلال الاستثمارات الحكومية المُمَوّلة من الإيرادات النفطية العامة، نحو الإسراع بعملية (التنويع الاقتصادي الهيكلي) لتقليل الاعتماد الكبير على الصادرات النفطية.

أما من الناحية الدستورية بالإجمال فإن المادة 39 من الدستور نصت على "حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، أو الانضمام إليها".  أخفقت الإدارات التي حكمت الدولة العراقية بعد عام 2003 بدءاً من الإدارة المدنية لسلطة الائتلاف المؤقتة وانتهاءاً بالحكومة الحالية في إدارة شؤون البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، والسبب في أغلبه تصارع المصالح الطائفية والحزبية والشخصية، يغذيه انعدام النضج المؤسسي وتضاؤل الثقة. وأنتج ذلك حالة من سوء إدارة الشأن السياسي الذي أفرز لنا عدم الاستقرار في الجانبين السياسي والأمني. وكان الجانب الأمني من أكثر الميادين تأثراً بسياسات إدارة الحكم غير الجيدة، مما قاد إلى تردي الوضع عبر صور عدة، منها كثرة سقوط الضحايا من المدنيين، وازدياد حالات النزوح الداخلي والهجرة الخارجية، والصورة الأهم كانت – ومازالت – زيادة التخندق المذهبي الطائفي.

ومن الناحية النظرية فإن هذه المادة من المفترض أن تؤسس لمنظمات غير حكومية مرتبطة بالمجتمع العراقي، بوصفه مجتمعا تحده المواطنة لا الطائفة. ومن الناحية الواقعية هناك انتشار واسع للمؤسسات غير الحكومية ذات الطابع الطائفي، التي تعيد تأسيس المجتمع على أساس الطائفة لا المواطنة، وعزز من هذه الظاهرة إعادة بناء الدولة العراقية برمتها على أساس طائفي وفي غياب التوافق بين مكونات المجتمع نفسه.

  يقوم الإصلاح السياسي بإقامة الدولة على أساس صحيح، ان تكون الدولة قائمة على أساس المشاركة الشعبية وشرعية التمثيل، أنها الدولة القانونية التي تتحقق في ظلها المساواة أمام القانون، كما إنها دولة حديثة تقوم على أساس العلم. أن عملية الإصلاح تبدأ من تهيئة البيئة السياسية والاجتماعية والتنظيمية والسير بها نحو الهدف المنشود ألا وهو إعادة النظر في النظام السياسي وإلغاء سياسة (المحاصصة) والتقاسم من اجل إرضاء الكتل السياسية المتناحرة فيما بينها، تحقيق المصلحة الوطنية بعيداً عن المصالح الضيقة، وبذلك تحقق الهدف المنشود ألا وهو الإصلاح.