عبر العراقيون عبر تصويت مجلس النواب بكافة كتله البرلمانية على قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني بأنهم يختلفون حول كل شيء ولكنهم يتحدون حين تُذكر فلسطيني، وينص القانون الجديد على عقوبات، بينها السجن المؤبد أو المؤقت، ويهدف وفق مادته الأولى إلى (منع إقامة العلاقات الدبلوماسية أو السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية أو أية علاقات من شكل آخر مع الكيان الصهيوني المحتل)، وتنص المادة 201 من قانون العقوبات العراقي، على أنه يُعاقب بالإعدام كل من روّج لـ(مبادئ الصهيونية، بما في ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها، أو ساعدها ماديًا أو أدبيًا، أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها)، هذا القانون الذي اكد مرة أخرى على تطور العلاقات العراقية الفلسطينية، وربما هو القانون الأنضج عربيا حول مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني.

هذا الموقف الذي يدل على أصالة العراق وشعبه وعمق انتمائه إلى القضايا العربية العادلة وفي مقدمها القضية الفلسطينية، والذي صدر في الوقت الذي تسمم فيه أجواء المنطقة رياح التطبيع والتحالف مع دولة الاحتلال على حساب القضية الفلسطينية، ومصالح شعبها ومصالح شعوبنا العربية الشقيقة.

فليس غريباً على العراق حكومة وكتلاً برلمانية وشعباً ذلك، فدماء شهداء الجيش العراقي اختلطت بالأرض الفلسطينية وها هي قبورهم مازالت شاهدة أمامنا، وهي مزاراً لكافة الأجيال الذين لا يزالون يستذكرون بطولات الجيش العراقي الذي تمركز في مدينة جنين شمالي الضفة المحتلة، وكانت عصابات الصهاينة قد احتلت مدينة جنين وقراها عام 1948م إلا أن الجيش العراقي استطاع استعادة المحافظة بشكل كامل، واستشهد في هذه المعركة نحو خمسين جنديًّا عراقيًّا بين جنود وضباط، ودفنوا في مقبرة خاصة لهم بالقرب من بلدة قباطية جنوب مدينة جنين يطلق عليها "مقبرة شهداء الجيش العراقي" ووضعت الشواهد على قبورهم  بأسمائهم ورتبهم العسكرية، ويتوافد المواطنون بشكل دوري لقراءة الفاتحة على روح الشهداء مستذكرين بطولاتهم التي ساهمت في تحرير مدينة جنين على يد كتيبة واحدة فقط.

إن الموقف العراقي من تجريم التطبيع دفع وزارة الخارجية الأمريكية وكعادة سياستها الوقحة أن قالت في بيان إن «الولايات المتحدة منزعجة بشدة من تشريع البرلمان العراقي لقانون يجرم تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، والذي يعتبر تدخلا امريكيا بقرار البرلمان العراقي وهو أيضا تدخل في السيادة العراقية، يوأتي في إطار الوقاحة السياسية ويعبر عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين.

بهذا القرار يكون العراق قد أرسل رسالته واضحة وصريحة، بأنه يتمسك بعهد شهداء جيشه التي مازالت تروي الحكايات للشعب الفلسطيني وتعبر عن الوفاء لفلسطين،  قائلاً أنه لن يكون في قطار المطبعين مع  الكيان الصهيوني، وليفتح الباب أمام البرلمانات العربية لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني  والتي بات مطلوباً منها اتخاذ مثل هذه التشريعات لمحاصرة الكيان الصهيوني وتعميق مأزقه، وليس العمل على حمايته والتحالف معه لضمان استمرار وجوده على أرض فلسطين وتوجيه الطعنات الغادرة لشعبها الذي يقاوم منذ سبعة عقود ويتصدى لأخطر مشروع عنصري استيطاني يشكل تهديداً للمنطقة بأسرها.

  • عضو المجلس الوطني الفلسطيني
  • عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني

 

عرض مقالات: