هل نثق بأن تركيا على امتداد تاريخها المعاصر كانت ومازالت جارة صادقة تحمل الصداقة مع العراق وشعبه؟

ـــــــأم أنها عبارة عن خنجر مسموم في ظهر الكرد والشعب العراقي؟

إنه سؤال تاريخي شغل ويشغل بال وفكر العراقيين بجميع مكوناتهم من العرب والكرد والتركمان والكلدواشوريين والارمن وغيرهم، الحقيقة أن لهذه الجارة التي تدعي الإسلام والاخوة الإسلامية تاريخ طويل من التدخلات في الشؤون الداخلية ولطالما عانى العراق من هذه التدخلات بما فيها الاستيلاء على الحصة المائية التي تقرها المعاهدات والاتفاقات الدولية ، ولا يمكن التغاضي عن قواعدها العسكرية الثابتة والمتنقلة وطائراتها الحربية والقصف المدفعي ودخول قواتها إلى الأراضي العراقية بدون خشية لا من الأعراف الدولية أو تصدي الحكومات العراقية لهذه التدخلات، لن نتحدث بما قامت به الإمبراطورية العثمانية طوال حكمها وهيمنتها على العراق وتقسيمة بعد ذلك الى ثلاث ولايات البصرة، بغداد، الموصل، ولا بد من القول إن  تركيا لا تختلف عن الجارة المسلمة الثانية ايران فكل واحدة منهما تسعى إلى توسيع نفوذها الاقتصادي وسيطرتها السياسية والأمنية ، إلا أن تركيا وبصريح العبارة لا تخفي اطماعها في ضم الموصل وكركوك باعتبارهما جزء من تركيا، ، وتدعي تركيا ان لها املاك في باقي المحافظات هذا ما أكدته جريدة ( يني عقد ) وهي مقربة من رئيس الجمهورية التركية رجب اوردغان حيث أشارت في تقرير نشرته " أن السلطان عبد الحميد الذي حكم من (1876 ـــ 1909 ) وقام بامتلاك العديد من المناطق الحساسة في العراق، مشيرة إلى امتلاكه لـ 104 آلاف و807 هكتارات في كربلاء، و489 ألف و557 هكتارا في الكاظمية وسامراء" وليس هذا فحسب بل ذهبت وكالة " الاناضول التركية الرسمية " لتأكد خبراً نشرته في 2021 عن وثيقة رسمية  أوضحت الملكية العقارية " مسح الأراضي  يضم " بداخله 77 ألف و63 سجلا عقاريا لممتلكات الأتراك في الموصل والعراق تعود إلى ما قبل 169 عام"، وهذا غيض من فيض من ادعاءات تركية حديثة مما جعلها دولة هدفها عرقلة نمو العراق وتقدمه وبخاصة أدخلت على الخط قضية حزب ( PKK ) حزب العمال الكردستاني في تركيا وقتاله من داخل أراضي الإقليم العراقي مما خلق إشكالات جديدة ومعاناة حقيقية ليس للكرد فحسب إنما لجميع الأوضاع في العراق وكان الأجدر بالحزب أن يفكر جدياً في دراسة امكانيات النضال ضد النظام التركي وينقل صراعه الى داخل تركيا بما يملكه من دعم وتأييد الشعب الكردي في تركيا الذي يقدر ( 15,7 %) من اجمالي السكان وهناك إحصائية شبه رسمية تؤكد وجود حوالي ( عشرون مليون كردي في تركيا ) وهم موجودون في أكثرية المحافظات والنسبة الكبرى في  الجانب الشرقي والجانب الجنوبي، أما حصتهم في انتخابات البرلمان فقد تجاوز حاجز نسبة الـ ( 10 % ) وهي نسبة وضعت لمنع وصولهم إلى البرلمان إلا انهم استطاعوا بواسطة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الحصول في عام 2015 على نسبة ( 10% ) حيث قدر عدد نوابهم ( 77 الى 80 ) عضو في البرلمان.

أن الحديث عن سياسة الحكام الاتراك تجاه الشعب الكردي طويل وفيه من التعقيدات والتجاوزات  التي تحتاج إلى فسحة واسعة من التحليلات والاستنتاجات ولكن نكتفي بما آلت اليه السياسة التركية من تطرف وعنصرية وتعقيد الوضع في تركيا نفسها،  وإلا كان بالإمكان حل المشكلة القومية بشكل ديمقراطي والاعتراف بالحقوق القومية للكرد والقوميات الأخرى بما فيهم العرب، لكن حكام تركيا منذ تأسيس تركيا الحديثة بقيادة مصطفى اتاتورك وما بعده حتى وصول رجب اوردغان وهو الذي اعلن عن تمسكه بالنهج الإسلامي ظلت على سياستها فيما يخص التدخل بطرق مختلفة في شؤون سوريا  والعراق وتعلن مخاوفها الأمنية فيما يخص صراعها مع الكرد والأحزاب الكردية وفي هذا المجال لم تراع  العلاقات التاريخية التي ربطت الشعب العراقي بالشعب التركي وبدلاً من الدخول في حوار مجدي مبني على أسس احترام الآخر تعنتت وبقت تتعنت  وبقت تغالط في مواقفها وسياستها حسب مصالحها الآنية والاستراتيجية فهي

1 ــــ تقوم بتصدير البضائع التي تدر عليها مليارات الدولارات مستغلة أي فرصة للاستغلال بما يخدم اقتصادها وسياستها، وتوفر الإمكانيات للشركات التركية في الاستثمار والحصول على مقاولات ومشاريع تحت حجة مساعدة البلاد

2 ـــ تسعى بشكل غير علني لتحقيق اطماعها في الأراضي العراقي ليس في الموصل وكركوك فحسب، بل في مناطق أخرى في العراق، كربلاء والكاظمية والانبار وغيرهم

3 ـــــ تستغل القضية القومية لتركمان العراق وتدعي أنها تدافع عن وجودهم وحقوقهم والجميع يعرف أن الاخوة التركمان لهم من الحقوق كما للمكونات الأخرى ولهم ممثليهم في البرلمان وهناك نضال القوى الوطنية لزيادة مشاركتهم في المجهود الوطني وإقامة الدولة المدنية

4 ــــ تتدخل عسكريا بشكل يستفز مشاعر جميع العراقيين، تحركات عسكرية وطائرات حربية ومدفعية تواصل قصف المناطق في عمق الأراضي العراقية وتنشئ قواعدها العسكرية وتدعي أنها تحارب الإرهاب في شخص حزب العمال الكردستاني التركي

5 ـــ حجز مياه الأنهار دجلة والفرات ببناء سدود ضخمة وفيها تجاوز على حصص العراق المائية المقرة وفق القوانين والمعايير الدولية وبهذا تستغل هذه القضية للضغط على الحكومات العراقية للسكوت عن جرائمها داخل الأراضي وفي الاقليم

6 ـــ التهديد المستمر باستعمال القوة بالعمل العسكري على الحدود العراقية السورية وتدخلاتها السافرة في سوريا لا بل تهدد بين فترة وأخرى بحملات عسكرية واسعة وكأنها شرطي المنطقة

7 ـــ تستغل اي خلافات داخلية وبخاصة بين القوى الكردية لكي يتسنى لها تمرير مخططاتها بما فيها استغلال قضية النفط المستخرج في الإقليم إلا أنها في الوقت نفسه تتحرك بالضد من إرادة الكرد وبالضد من إرادة الشعب العراقي في وحدته الوطنية ورفضه للتدخلات الخارجية الإيرانية والتركية والأمريكية .

يحضرنا دائما ما آلت إليه الخلافات بين القوى السياسية الكردية التي أضرت ليس بقضية الحقوق المشروعة للكرد فحسب، بل العراق برمته، وليس من الصعوبة بمكان ذكر هذه الاضرار وتشخيصها واستبيان نتائجها الماثلة امامنا في الوقت الراهن وهو الانسداد السياسي والتدخلات الخارجية وقد حذر رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني من خطر الانسداد السياسي على العراق جميعه وهو تحذير يكشف مدى الاضرار التي تلحق بالإقليم من هذا الانسداد وبهذا " رعت الامم المتحدة حوارا للقادة الاكراد حول خلافاتهم وانتخاباتهم المقبلة" وقد تحقق بدعوة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق  لقاء "رؤساء وكبار ممثلي الأحزاب السياسية في إقليم كردستان في 26 / 5 / 2022 في مجمع الأمم المتحدة " وبهذا الصدد فقد اشارت بعثة الأمم المتحدة في العراق حول موعد اقتراب الانتخابات في إقليم كردستان المزمع اجراؤها في الاول من تشرين الأول  2022 " فرصةً حسنةَ التوقيت للأحزاب لتبادل وجهات النظر حول مختلف القضايا بما في ذلك الحاجة إلى الابتعاد عن السياسات الخلافية والمضيّ قدماً في انتخاباتٍ ذات مصداقيةٍ وشفافية وخدمة مصالح مواطني إقليم كردستان كما قالت البعثة في بيانها الذي نشر في وسائل الإعلام وفي المقدمة إيلاف

إشارة ذكية وإيجابية تدل عن المعنى الحقيقي لوحدة القوى الكردية وإنهاء خلافاتها التي تضر الوضع العام وليس الوضع الخاص للإقليم ثم حل الخلافات سوف يوفر الفرصة الحقيقية للاستقرار والبناء بما فيه رفاهية الشعب العراقي ويدر المنفعة الاقتصادية والأمنية التي يعاني منها الإقليم جراء التدخلات وإطلاق الصواريخ وارسال المسيرات بدون أي رادع ضمير لقصف المناطق الآهلة بالسكان، وتوحيد الصف بشكل عام بالضد من تدخلات تركيا العسكرية وتفكيك قواعدها العسكرية وعدم استخدام الأراضي العراقية لعملياتها المسلحة..

أن انهاء حلم الطغمة التركية بضم الموصل وكركوك والاستحواذ على الأراضي العراقية هي الوحدة العراقية في ظل حكومة وطنية تنهي المحاصصة الطائفية لتفعيل الخلاص من السلاح المنفلت ومن الإرهاب وتقف بقوة وبحزم ضد أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للعراق.

عرض مقالات: