الحرب النفسية أصبحت  سلاحا فعالاً تلجأ إليه أو تمارسه العديد من الدول والنظم السياسية في الوقت الحاضر بغية التأثير على المجتمعات المستهدفة، صديقة كانت أو عدوة، باتجاه إيجاد تقبّل للأفكار وتكوين قناعات تؤمِّن مصالحها. وهي - أي الحرب النفسية - استخدام مستمر للعديد من الفعاليات وفق معطيات علم النفس التطبيقية قطعت فيه بعض الدول الكبرى أشواطاً بعيدة المدى حتى عدّ البعض استخداماتها تمهيداً لسيادة نوع جديد من أنواع الاستعمار يستعبد الناس فكرياً ونفسياً، والحرب النفسية بهذا المستوى أصبحت تخصصاً علمياً دقيقاً وسلاحاً سرياً شاملاً لا نملك نحن شعوب العالم الثالث إلاّ القليل من مفرداته، التي لا يجازف الغرب بتزويدنا أو حتى بيعنا بأثمان باهظة شيئاً منها ونحن الموجودين على رأس قائمة أهدافه الحالية والمستقبلية، وعلى هذا الأساس لم يبقَ أمامنا سوى جهودنا الذاتية التي ينبغي أن نبدأ بها أولاً وكلما كـأن ذلك ممكنا، حتى لا نجد أنفسنا يوماً وقد أصبحنا  آخر الركب ندفع ثمن عجزنا من أموالنا وأهـدافنا وطموحاتنا دون أن نجد من يمد لنا يد العون  أو حتى يدفعنا إلى الأمام.  تقوم استراتيجية الحرب النفسية الأمريكية على ترابط أدوات السياسة من دبلوماسية، واقتصادية، وعسكرية، ودعاية في شن حرب شاملة على جميع الجبهات لتحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وترتكز على سياسة محددة الأهداف ومعلومات استخبارية شاملة وموثقه، كما ترتبط بالاستراتيجية العسكرية والاقتصادية، وتتسم بالعلنية، والسرية، والخداع، والتعتيم، والتضليل، لتشكل رأياً عاماً على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي. وتخطط الحرب النفسية وتُنفذ في السلم والحرب لتحقيق الأهداف الوطنية للبلد، وتتوجه إلى العدو الأجنبي، والمحايد، والصديق، والحليف، وتتضافر فيها الجهود الدبلوماسية،والعقوبات الاقتصادية، والأسلحة العسكرية، والضغوط النفسية، من أجل كسب المعركة سياسياً، وعسكرياً، ونفسياً وتختلف طبيعة الحرب النفسية باختلاف الجمهور المستهدف والأهداف الإستراتيجية للمعركة. والبداية عملية لابد أن تتأسس على إمكانات معقولة توضع في تنظيمات مناسبة قادرة على رصد وتحليل اتجاهات الحرب النفسية المقابلة، تأخذ في اعتبارها محاولة الاطلاع على جهود الغير وسبر غور البحث العلمي الذي يساعد كثيراً في التوصل إلى نهج عملي يقي المجتمع العربي من أية توجهات غير مناسبة. تبلورت مبادئ الحرب النفسية الحديثة في حقيقة الأمر في الحرب العالمية الأولى، وتحولت إلى مادة علمية ذات فن واختصاصات متعددة الأوجه. ففي سنة 1917 أصدر الرئيس الأمريكي ولسون قراراً بتشكيل لجنة الدعاية والنشر.

 وفي سنة 1918 تأسس في بريطانيا قسم الدعاية ضد العدو. وشاعت بعيد تلك الحرب تسمية (الحرب النفسية). وأعطاها الأمريكيون في الحرب العالمية الثانية مفهوماً جديداً انطلاقاً من فكرة التبشير، فأصبحت تعرف باسم (الدعاية) ، ويقصد بها نشر الأفكار والمعلومات والإشاعات خدمةً للقوات الصديقة وإيذاء للعدو. وأوجد في مقر قيادة الحلفاء قسم خاص بالحرب النفسية يدير شؤونها في المستويين الاستراتيجي والتكتيكي. ولم تكن ألمانيا أقل شأناً في خوض تلك الحرب النفسية، فقد كانت وزارة الدعاية التي تزعمها غوبلز ومكنه من السيطرة على أكثر شعوب أوربا، وعاملاً من عوامل تردد الحلفاء في خوض الحرب ضد هتلر إلى أن اضطروا إلى ذلك. واستعمل اليابانيون الشائعات والمنشورات التي تتعرض للحياة الشخصية لجنود الحلفاء وما يمكن أن ينتظرهم  ليشلوا إرادة القتال لديهم. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب الكورية أصبحت الحرب النفسية الشغل الشاغل للدول الكبرى، فاتسع معناها ومداها بحيث أصبحت تشمل الدعاية والإعلام وغسيل الأدمغة، واستغلال الأسرى، وتحويل ولاء العملاء والمواطنين وشراء الضمائر بهدف تحطيم معنويات الناس في الحرب والسلم بجميع الوسائل المتاحة لفرض الهيمنة. ومن أمثلة الحرب النفسية المتبادلة بين المعسكرات الدولية، استغلال أمريكا للمنشقين الروس، والمناورات السياسية والقيام بمناورات عسكرية في مناطق حساسة للخصم أو ذات تأثير في الأحداث العالمية، واستعراض القوة والتهديد باستعمالها وغير ذلك من وسائل مثل الدعاية واستخدام العملاء.

 و قد نجحت تلك الدول في أغلب الأحيان في تحقيق أهدافها بدون النزول إلى الأرض أو تعريض جنودها للخطر، ولكن في بعض الأوقات الأخرى تكون الحرب النفسية مقدمة للحرب العسكرية مثلما وقع في العراق مثلا، فيتم إطلاق الترسانة الإعلامية، والعمل في الخفاء، لتعبيد الطريق للقوات المهاجمة بعد ذلك.. الحرب النفسية هي حرب معنوية بالأساس اختلف المتخصصون في مبناها اللغوي فمنهم من يطلق عليها حرب العصابات والحرب الباردة أو حرب الأفكار والحرب الدعائية، ولكنهم جميعا اتفقوا على معناها، بأنها شكل من أشكال الصراع الذي يهدف للتأثير على الخصم وإضعاف معنوياته وتوجيه فكره وعقيدته وآرائه وإحلال أفكار أخرى مكانها تكون في خدمة الطرف الذي يشن الحرب النفسية، إذن فهي حرب لا يمكن مواجهتها الند للند لأنّها تدور في الظلام وخلف الأستار وتتغلغل بدون لفت الأنظار أو إحداث أي ضجيج.  والحرب النفسية ذات طبيعة مستترة أحياناً، فهي تعمل في الخفاء ومن وراء ستار ولا تظهر بصورة علنية وواضحة، وقد تُمارس في شكل خبر أو قصة أو واقعة أو رواية أو مسرحية أو شائعة، أوردت الموسوعة العربية الميسرة تعريفاً يكاد يتقارب مع التعريفات التي وُضعت للحرب النفسية في العصر الحديث، يقول من ضمن تعريفه لمادة حرب هي حرب أهلية يهمها تخريب وتدمير قوات المحاربين وممتلكاتهم وغير المتحاربين بهدف إملاء شروط معينة على الفريق المهزوم، وإملاء عقيدة دينية، أو مذهب سياسي، أو حماية ذلك  من أي عيب، ويُعد هذا التعريف أقرب التعريفات الواردة في المعاجم العربية للحرب النفسية، حيث قال إنها تهدف لإملاء شروط معينة أو عقيدة دينية أو مذهب سياسي. و فترة الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990 ومن ثم حرب تحرير الكويت واحدة من أقسى الفترات في تاريخ الدول الخليجية، نتيجة ممارسة النظام العراقي السابق وسائل لا حصر لها لأساليب الحرب النفسية ضد تلك الدول، والتي كانت تعتمد على الكذب المبالغ به والتضليل ونشر الشائعات الرخيصة والأسلوب الرخيص  في استخدام الألفاظ وعرض الأفلام المفبركة ومحاولة زعزعة إيمان الخليجيين بالدفاع عن أنفسهم . وعلى الرغم من بعض الإجراءات البدائية للنظام العراقي السابق في استخدام الوسائل التقليدية للدعاية ضد الأنظمة الخليجية ونجاحها جزئياً لدى بعض (الرعاع) في الشارع العربي إلاّ أنها فشلت في التأثير في الشارع الخليجي أو إحداث آثار اجتماعية في المواطنين السعوديين والكويتيين.

 ويظهر لنا جليا خطورة الشائعات والحرب النفسية ومدى قدرتها على اختراق الصفوف وبث القلائل والفتن، وقد قالت العرب قديما: لا تحسبّن الحرب سهما مغفرا.. ولكن سلاح الصائلين عقولُ.. كما أنّ تأثير الشائعات يمكن أن يدوم لعشرات ومئات السنين. وخلال الحروب الحديثة توسعت عمليات إدارة الحرب النفسية بتطور الوسائل والتقنيات الحديثة والأجهزة الالكترونية والأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة والرادارات المتطورة وأجهزة البث البعيدة وكاميرات المراقبة وأجهزة الاتصالات ونقل الصور البعيدة وأجهزة التشويش والحواسيب وشبكات الانترنت بالإضافة إلى الاستفادة من الوسائل القديمة المستخدمة في الحرب النفسية.  لقد عرف أصحاب القرار  الحرب النفسية بأنها الاستخدام المدبَّر لفعاليات معينة معدة للتأثير على أراء وسلوك مجموعة من البشر بهدف تغير نهج تفكيرهم وهي تشمل بمعناها الواسع أستخدام علم النفس لخدمة الهدف بأساليب الدعاية والاشاعة والمقاطعة الاقتصادية والمناورة السياسية وتعتبر أقل الاسلحة كلفة اذا ما أحسن إستخدامها ولا يقتصر أستخدامها في وقت الحرب فقط بل هي عملية مستمرة ، كما لايمكن معرفة نتائجها الاّ بعد أشهر أو ربما سنين كما يرى بعض خبراء الاعلام والدعاية إنها إستخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الاجراءات الاعلامية الموجهة الى جماعات عدائية أو محايدة أو صديقة للتأثير على أرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها وطريقة تسهم في تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول المستخدمة الحرب النفسية.

وكانت فترة الحرب العالمية الثانية  هي فترة إزدهار عمل الإعلام العسكري رغم محدودية وسائل الإعلام حينها، والتي كانت تعتمد على البث الإذاعي و الصحافة المقروءة وأشرطة الأفلام التي كانت تعرض في دور السينما، حيث استطاع الجانبان المتحاربان تكثيف دور ذلك الإعلام الموجه بدرجة كبيرة لكون الإعلام إحدى أهم الأدوات المُشَكِّلة للحرب النفسية ضمن أسلوب الدعاية للتأثير في رأي الشعوب وسلوكها (مثال استخدام البث الإذاعي باللغة الإنجليزية من طوكيو للتأثير في العسكريين الأمريكيين من قبل المذيعة (طوكيو روز) واستخدام الأشرطة الوثائقية الألمانية لتدعيم الانتصارات الألمانية في معركة الغواصات في المحيط الأطلسي واستخدام بريطانيا للشرائط السينمائية لإبراز النصر الجوي البريطاني على القوة الجوية الألمانية في معركة بريطانيا وتصوير الدخول المذل لباريس من قبل القوات الألمانية بعد سقوط فرنسا).