حقوق الانسان تتناسب طردياً مع دولة المؤسسات، والعكس صحيح ايضاً، اي كلما كانت الدولة تعيش حالة من انعدام المؤسسات كلما عجز الانسان عن استحصال حقوقه، ولأن العراق مثلاً لم يصل الى مرحلة المؤسسات الرصينة التي تعرف المهنية والخالية من الفساد والمحسوبية والمنسوبية، فأن الانسان فيه لم ينل حقوقه بشكل فعلي.  وقد تكرَّست القِيَم الديمقراطية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وللسُخرية هو العام الذي اعترف فيه أكثر دُعاتها باغتصاب فلسطين وتهجير قسم كبير من شعبها، لكن تجسَّد في الإعلان ما جاء بعده طائفةٌ كبيرة من الحقوق السياسية والحريات المدنية التي يجب أن تستند إليها الديمقراطية الصحيحة.  وإذا عدنا إلى مسألة الديمقراطية التوافقية ونجاحها كنموذجٍ فإن نجاحها هو حين تتجاوز نفسها، أي تنتقل إلى الديمقراطية الليبرالية وهذا يعني أن هناك رؤية وطنية، هناك أناس يعلمون بالانقسامات داخل بلدنا، يعرفون الحالة النفسية والخلفيات الثقافية التي قد تحول دون انصهارٍ حقيقي، ولكن لديهم رؤية وبالتالي مُخطّط منهجي واضح يقود تدريجياً إلى الانصهار الوطني. موضوعياً نلاحظ أنّ ما من خطابٍ من الخطابات يُعدّ خطاباً وطنياً، كلّها خطابات طائفية ومذهبية تخفي بالنتيجة طموحات شخصية ومصالح شخصية وفئوية. والكثير من الناس لا يعرفون ماهي حقوقهم، ويتصور البعض ان حرية انتقاد النظام السياسي وحرية المشاركة في الانتخابات هي كل ما تعنيه حقوق الانسان. وهذا شيء خاطئ وناتج عن العقل الجمعي والثقافة السائدة والمتراكمة منذ تأسيس الدولة العراقية، فأغلب الناس لا يتصورون ان العيش بسلام وامان وسعة الرزق والاستقرار وراحة البال والنفس المطمئنة، فضلا عن حرية التنقل والتنعم بخيرات البلاد، والاستمتاع بالخدمات الجيدة، وغيرها، هي من حقوق الانسان.  ومن مهام المواطن الأساسية أن يتابع كل ما يستجد على الساحة من قضايا عامة مع مراقبته الحثيثة لأداء القادة السياسيين، وكيفية استغلال السلطة التي بين أيديهم؛ لكي يتمكن من أن يعبّرعن آرائه، ويطالب بمصالحه، مع التأكيد على واجبه المدني في الإدلاء بصوته، والمشاركة في الانتخابات.

 ومنظمات المجتمع المدني بعملها المنظم تُشكل حلقة اساسية في عملية التحولات الديمقراطية في أي بلد, وخاصة في البلدان التي تعيش حالة التغير الاساسي في الدساتير والانظمة, وينبع هذا من خلال تواجدها المباشر مع المجتمعات وتمثيلها له, أن عميلة التغير الديمقراطي تحتاج لمجهود مثابر وصحيح للحصول على نتائج إيجابية مؤثره, لكن بشرط توافر عناصر القوة الفاعلة والنهج الصحيح والقيادات المتفهمة الواعية البعيدة عن كل التأثيرات السياسية والفكرية المتطرفة, أن منظمات المجتمع المدني في العراق بالرغم من دورها المحسوس فهي  لاتزال في بداية الطريق ,وتحتاج للبدايات الصحيحة لتشكّل قاعدة للانطلاق نحو العمل الفعّال وخاصة في التحولات الديمقراطية, أن اهم اركان عمل منظمات المجتمع المدني هو توفر الغطاء المالي والقانوني لعملها بشكل واضح ومحدد من قبل الدولة والمنظمات الدولية والهيئة العامة لها التي تقوم برسم خارطة الطريق لقياداتها الادارية بدون وصاية الدولة وتدخلها حيث تتولى الهيئة العامة وضع الخطط الاستراتيجية وبرامج عمل واضحة ومدروسة واولويات المشاريع والسياسة المالية واجراء الانتخابات اضافة الى تقيم كفاءة الاداء ومراجعة ما يتحقق من اهداف وانجازات ومبادئ وتحديد السلبيات والاخطاء والنواقص وكشفها بشكل شجاع وصريح وديمقراطي امام الهيئات العامة لمعالجتها وتجاوزها.

لقد شكَّل مبدأ تحريم استخدام القوة أحد أهم إنجازات القانون الدولي في القرن العشرين، حسب النص الصريح لميثاق الأمم المتحدة-الفقرة الرابعة من المادة الثانية التي أكدت على "تحريم استخدام القوة، أو التهديد بها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة". فمنذ عام 1990 ، شهد العالم متغيرات نوعية متسارعة ، انتقلت البشرية فيها من مرحلة الاستقرار العام المحكوم بقوانين وتوازنات الحرب الباردة ، الى مرحلة جديدة اتسمت بتوسع وانفلات الهيمنة الأمريكية للسيطرة على مقدرات البشرية ، وإخضاع الشعوب الفقيرة منها ، لمزيد من التبعية والحرمان والفقر والتخلف والتهميش، كما جرى في العديد من بلدان اسيا وافريقيا وفي بلدان وطننا العربي عموما والعراق وفلسطين خصوصا ، فقد تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية ، بدءا من هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى ، وصولاً الى تفريغ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي من مضامينهما الموضوعية الحيادية، يشهد على ذلك عجز "الأمم المتحدة" عن وقف العدوان والتدمير الأمريكي الصهيوني في العراق وفلسطين وسوريا واليمن ، في مقابل تواطؤ وخضوع الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان للهيمنة والتفرد الأمريكي في رسم وإدارة سياسات ومصالح العولمة الرأسمالية في معظم أرجاء العالم ، وفي بلداننا العربية و الشرق الأوسط خصوصاً، في محاولة يائسة لإعادة ترتيب المنطقة الشرق أوسطية وتفكيكها وإخضاعها بصورة غير مسبوقة للسيطرة الأمريكية، عبر دور متجدد تقوم به دولة العدو الإسرائيلي في محاولتها لضرب وتصفية قوى المقاومة في فلسطين ولبنان بصورة بربرية، لم تستطع معها إسقاط رايات المقاومة التي استطاعت إثبات وجودها وصمودها وتوجيه ضرباتها إلى قلب دولة العدو الإسرائيلي، وتهديد منشآته ومدنه لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، ما يشير إلى بداية عهد جديد في هذا الصراع عبر متغيرات نوعية في الأوضاع العربية لصالح قوى التغيير الديمقراطي والمقاومة من ناحية، ومتغيرات نوعية بالنسبة لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي الذي تؤكد المعطيات انه صراع وجودي لا تجدي معه مفاوضات أو حلول "سلمية" من ناحية ثانية. المفهوم الحديث لحقوق الإنسان، ينطلق من فكرة: أن الدولة عليها مسؤوليات إنسانية تتناول توفير التعليم، وتلبية الحاجات الاقتصادية وحماية حقوق العامل، وتوفير حد أدنى للأجور، حمايةً للمصلحة العامة من أنانية الأفراد وتعسفهم، فتضع حداً أدنى للأجور. ويُعد تدخل الدولة في الاقتصاد تحولاً في الفكر الرأسمالي والفكر الليبرالي الغربي حيث بدأت الدولة تفرض وجودها، وصارت حقوق الإنسان تعني مطالبة الدولة أن تتدخل بعد أن كانت مطالبة الدولة بأن لا تتدخل! على الصعيد الاقتصادي بعد عام 1918، ثم تأكدت هذه الفكرة.

الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضا، وتقوم الديمقراطية على إرادة الشعب المعبّر عنها بحرية في تقرير نظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومشاركته الكاملة في جميع جوانب حياته، ينبغي أن يكون تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية على المستويين الوطني والدولي مقصداً يسعى الجميع لتحقيقه وأن يتم ذلك دون فرض شروط. وينبغي للمجتمع الدولي أن يدعم تقوية وتعزيز الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في العالم أجمع. النظرة المتأنية الموضوعية لواقع عالمنا في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، تؤكد أن معظم شعوب الارض ودوله في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، ما زالت تعيش تحت تأثير صدمة انهيار الثنائية القطبية التي أدت الى انهيار كل أشكال التوازنات الدولية التي سادت إبان المرحلة السابقة من ناحية، وما تلاها من انهيار البنية السياسية/ الاقتصادية في تلك الدول، بعد ان استولت الشرائح البيروقراطية المدنية والعسكرية على مقدراتها الداخلية من ناحية ثانية، وهي تحولات عززت احادية الهيمنة الامريكية / الاوروبية على هذا الكوكب، بعيدا عن ميثاق الامم المتحدة، أو مرحلة الحرب الباردة التي فرضت على الجميع آنذاك الاحتكام الى نصوص وقواعد ميثاق الأمم المتحدة الذي أقرته شعوب العالم كله على أثر الحرب العالمية الثانية ، والذي نص في ديباجته "إن شعوب العالم قد قررت ضرورة إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب ، والعمل على إيجاد نظام أمن جماعي يحفظ السلم العالمي، ويؤسس لتنظيم دولي أكثر إحكاما وأكثر عدالة في المستقبل ، وأن ذلك يتحقق عن طريق تحريم استخدام القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة" . لقد أدى إفراغ ميثاق الأمم المتحدة من مضامينه التي أجمعت عليها دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية على أثر هزيمة النازية ، إلى أن أصبحت الأمم المتحدة غير قادرة على ممارسة دورها السابق الذي تراجع بصورة حادة لحساب التواطؤ مع المصالح الأمريكية ورؤيتها السياسية ، يشهد على ذلك مواقف الامين العام للأمم المتحدة ، من معظم القضايا المطروحة في المحافل الدولية، خاصة ما يتعلق بدول العالم الثالث عموما والقضية الفلسطينية والعراق خصوصا، وليس لذلك في تقديرنا سوى تفسير واحد ، هو مدى تحكم الولايات المتحدة في إدارة المنظمة الدولية وأمينها العام من جهة ، ومدى خضوع الانظمة الحاكمة – عبر المصالح الطبقية – للسياسات الامريكية في المشهد العالمي الراهن الذي بات يجسد التعبير الأمثل عن تحول مسار العلاقات الدولية بعيدا عن قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، الى قواعد استخدام القوة العسكرية لتطبيق شروط وسياسات النظام الرأسمالي المعولم ، واستفراده في الظروف والمتغيرات الراهنة ، التي حولت –وستحول- أقاليم عديدة في العالم الى مسارح مضطربة مفتوحة على كل الاحتمالات ، أدخلت العلاقات الدولية في حالة من الفوضى المنظمة ، بحيث أصبحت هذه العلاقات محكومة لظاهرة الهيمنة الأمريكية المعولمة، أو لهذا الفراغ أو الانهيار في التوازن الدولي الذي أدى الى بروز معطيات جديدة في عالمنا المعاصر .