متى ما فهم الأسلام السياسي أنّ الفقر هو السبب الرئيسي للدعارة، وأنّ محاربة الفقر وتوفير فرص عمل كريمة للنساء سوف يقلل نسبتها في المجتمع، ومتى ما ترك رجل الدين هذيانه وهو يخطب من فوق منبره بأنّ الفقر ليس بعيب على الرغم من أنّه بذلك يشجّع على الدعارة والسرقة وكل أشكال الأنحرافات، ومتى ما سنّت الدولة قوانين تحمي المرأة من الأضطهاد والعسف والعنف والجور، ومتى ما وقفت الدولة بمواجهة العادات العشائرية بحزم وهي تبيع المرأة كبضاعة لحلّ الخلافات العشائرية، أو قتلها بتهم جرائم "الشرف"، يكون من "حقّهم" الحديث عن الشرف والعفّة وكرامة النساء. لكن أن يكون جميع من يمتهن المرأة وكرامتها قاضيا ليحاكمها دون أن يوفّر لها ما تدافع فيه عن نفسها، فهذه جريمة بشعة بحق المرأة. لكنّ الجريمة تكون أكثر بشاعة حينما يطالب الاسلام السياسي بعدم مشاركة المرأة بغضّ النظر عن وضعها الأجتماعي ويهينها، كي لا تدافع عن وطنها وتتضامن مع شعبها وهو ينتفض ضد سلطة الفساد والقتل والخيانة. والوطن هو الشرف الرفيع الذي يفتقده الأسلام السياسي وعصاباته، والعهر الحقيقي هو التجارة بالوطن وليس بالجسد الذي دفعه الجوع والفقر ليقع بين براثن قوّاد يتاجر به، والقوّاد الأكثر لؤما ونذالة وخسّة من قوّاد الجسد هو قوّاد الوطن والشعب اللذان أوقعتهما أمريكا وأيران بين براثن الأسلام السياسي بأحزابه وميليشياته وعصاباته.
أربع فتيات ليل توجّهنَ صباح يوم من صباحات أنتفاضة تشرين الخالدة من منطقة البتّاويين وسط بغداد نحو كعبة الأحرار (ساحة التحرير)، ليشاركنّ بنات وأبناء وطنهنّ وشعبهنّ في إنتفاضتهم التي هزّت أركان الفساد والجريمة في الخضراء ومن يوجههم من طهران. توجّهنَ بخطى ثابتة وهنّ يبحثنَ من خلال الأنتفاضة عن وطن يوفر لهنّ الأمان والكرامة والأمل في حياة مستقرة بعيدة عن سوق المتعة وذلّه، التي دفعتهنّ الأقداروجرائم نظامي البعث والمحاصصة الأسلامية الطائفية القومية لدخوله. أربع فتيات يحملنَ في روحهنّ شرف لا يحمله ولن يحمله الكثير من الأسلاميات والأسلاميين، فهنّ لم يشاركنَ في نهب ثروات الناس، ولم يساهمنَ في قتل نفس واحدة، ولم يتقاسمنَ العمولات (الكوميشنات) كما لبوات الشيعة والسنّة، ولم يمتلكنّ قصورا برعاية وحماية السيد، ولم يكونوا يوما عضوات في أتحاد نساء منال الآلوسي سيء الصيت والسمعة ليكونوا بعدها عضوات منظمة نساء الدعوة الأسلاميّة، ولم يطالبنَ بقتل سبعة من السنّة مقابل سبعة من الشيعة، ولم يسرقنَ مصرفا كما مصرف الزويّة، ولم يصدرنّ النفط في أنابيب دون عدّادات، ولا يمتلكن الملاهي والبارات وأندية القمار ودور الدعارة التي يعملنَ فيها لحساب ميليشياوي مؤمن بالله ورسوله وآل بيته، ولا يأخذنّ الرشى من المواطنين البسطاء، ولا يعرفنّ عدد المنافذ الحدودية ووارداتها، ولا يفقهنّ معنى الخُمس وأين تذهب جبايته.
الفتيات الأربع وصلنَ في ذلك الصباح التشريني المفعم بالأمل الى نقطة تفتيش مليشياوية تابعة لميليشيا الدولة العميقة التي تتحكم بأقدار الوطن والشعب، نقطة التفتيش هذه كانت الأخيرة التي تفضي الى كعبة الأحرار وفيها ميليشياويين متسلحّين بأسلحة مختلفة، فبالأضافة الى الرشّاشات والمسدسات والعصي والهراوات والأسلحة الباردة وأجهزة الأتصال المختلفة، كانوا متسلحين بالبذاءة الأخلاقيّة النابعة من مستنقعهم الميليشياوي ومن تربيتهم الحزبية والميليشياوية الفاسدة. ودار بينهم الحوار التالي:
الأسلاميين: وين رايحات (ألى أينَ أنتنّ ذاهبات)
هنّ: الى ساحة التحرير
الأسلاميين: ليش شتردن! (ماذا تريدنّ)
هنّ: نريد مشاركة الشعب أنتفاضته
الأسلاميين: بصوت واحد وضحكات داعرة "هسّه أنتن ..... شعليچن من السياسة والمظاهرات" (أنكنّ عاهرات مالكنّ والسياسة والمظاهرات).
هنّ: "أحنا ....... أي لكن عدنا حگ بهذا الوطن" .. نعم نحن عاهرات لكن لدينا حقّ في هذا الوطن.
من غيركنّ له الحقّ في هذا الوطن، أن لم تكوننّ صاحبات هذا الحقّ؟ أنتنّ يا بنات بلدي أشرف من كل التافهين والبذيئين والملوّثين الذين يتحكمون بمصيركنّ ومصير بنات وأبناء شعبنا، أنتنّ أكثر طهرا من كل تجار الوطن والدين، أنتنّ من يوصمن جباه سياسيي وميليشياويي وعمائم الأسلام السياسي وهم يخونون بلدكنّ بالعار. من أجل شرفكنّ المهدور، ومن أجل غد أجمل للمرأة والطفولة، ومن أجل غد أجمل للوطن والناس قامت الأنتفاضة، وستعود أكثر ألقا وعزما، فالهدوء اليوم ليس سوى أستراحة محارب.
حيث يُفْتَقَدْ القانون ينبغي أن ينوب الشرف منابه (Hvor loven mangler, bør ære tage dens plads)، مثل دنماركي
ماذا نفعل في بلد، القانون فيه جريمة، والشرف فيه هو القتل والسرقة والفساد والخيانة؟