ــ لماذا ننفق ثروات بلادنا الطائلة على دعم قواتنا المسلحة، وتعزيز وتطوير ترسانتنا النووية والصاروخية، هل من أجل استعراضات تافهة في الساحة الحمراء. لا أحد يعيرها أهتماما؟

هل من أجل حيازة حصة صغيرة في سوق السلاح العالمي، تضيق عليها أمريكا، عبر فرض العقوبات على من يشتري منا سلاحا، لتحرمنا من أستخدام عائدات المبيعات في مزيد من التطوير والمنافسة؟

ما قيمة ركام الحديد والبارود، والصورايخ فوق الصوتية، أن لم تنعكس مكانة سياسة وإقتصادية في العالم؟

هل كتب علينا مع كل ما نملك من تكنولوجيا في مجال التسلح والفضاء، أن نبقى في وزن دولي لا يزيد عن وزن السعودية والأمارات، وغيرها من دول التخلف الثرية وربما أدنى منزلة منها؟

ا ريب أن هذه الأسئلة كانت تدور في ذهن فلاديمير بوتين وهو يتابع تقزيم مكانة روسيا التي ظل ممسكا بقيادها منذ تسعينات القرن الماضي، لكن السؤال الأبرز كان بالتأكيد: كيف ننهي حصار روسيا من قبل أمريكا وأتباعها في الإتحاد الأوربي والناتو، الذي تواصل رغم أنتفاء التباين الأيديولوجي بين الكرملين والبيت الأبيض، وسباحة كلا الطرفين في بحر الرأسمالية الذي يفترض أن يوفر فرص المنافسة الحرة بين الأمبراطوريات الأقتصادية ـ السياسية؟

ولا أحد يدري أن كان هو شخصيا أو بعضا من مشاوريه قد نبهه ألى أن حرية المنافسة الرأسمالية ليست سوى وهم، والدليل على ذلك أن الأنطمة الرأسمالية في أوربا خاضت فيما بينها، في القرن العشرين، غمار حروب مدمرة، أهلكت ملايين البشر في أوربا وخارجها، بأمل حصول كل طرف من الأطراف المتنازعة، على وضع يتمكن أن ينهش فيه أكبر حصة من المزايا، على حساب الأطراف الأخرى، وأنه بعد تحكم واشنطن التام بالهيمنة، ما عادت بحاجة حتى لأيقاد حرب لانتزاع اللقمة الدسمة من فم الأخرين، والدليل على ذلك (( طعنة الغدر )) النجلاء التي وجهتها لفرنسا، بحرمانها من صفقة الغواصات المبرمة مع استراليا بقيمة 66 مليار دولار، وخلاصة ذلك أن هذا هو قانون التنافس الرأسمالي الذي يتوجب اللعب في إطاره ما دمنا قد أخترنا طريق التطور الرأسمالي. فكان القرار:

لا بد من إنهاء الوضع الذي أعقب سقوط الإتحاد السوفييتي، والذي تسيد فيه سادة البيت الأبيض العالم من أقصاه إلى أقصاه وتحولوا الى حكومة عالمية، تفرض الضرائب الأقتصادية والسياسية على الجميع بما فيهم الأتباع الذين ينتحلون صفة حلفاء. وأهم وسيلة في تحقيق ذلك اللجوء الى الأسلحة المخزّنة، التي تراكم عليها الغبار، دون أن يجرأ أحد على التفكير بشرائها خوفا من رد فعل ((حكومة العالم )) التي لم تصبح حكومة لولا تمكنها من القوة العسكرية التي مكنتها من جني الأموال وتحويل كلا العاملين الى سلطة يخشاها الجميع ويصدع لأوامرها، وأن لدى روسيا قدرا من المال يسمح لها باستخدام السلاح لتحقيق قدر مناسب من التوازن.

ولم يفت بوتين ومشاوروه أن هناك قوة أقتصادية عظمى ـ الصين ـ تعاني هي الأخرى من ابتزاز القوة الأعظم، يمكن التعاون معها في استعراض للقوتين العسكرية والأقتصادية يستهدف العبور الى عالم متعدد الأقطاب. وهذا ما كان!

وفي كل نار توقد لا بد من وقود يحترق، وقد اختار اليمين المتطرف المتحالف مع النازيين الجدد في أوكرانيا أن يجعل من شعبه وقودا لنار التنافس بين قطبين رأسماليين.

.