نعم السويد لم تبلغ وربما لن تبلغ أن تكون جنة الله على الأرض. ولكن السويد، مجتمعا ومنظومة أجتماعية ـ سياسية، واحدة من أكثر بلدان العالم تلبية لحاجات الأنسان في مجال الحرية وضمان الحقوق العامة والفردية. بالنسبة لمن يعيش على أراضيها، وكذلك لمواطني البلدان الأخرى.
فالسويد هي الدولة الوحيدة في العالم، التي تخصص 1% من أجمالي الناتج القومي السنوي فيها، لمساعدة البلدان النامية على مكافحة الفقر، وهي تقرن ذلك، بالدفاع عن حقوق الأنسان، وعن حقوق الشعوب في التحرر، ولهذا فهي الدولة الوحيدة من بلدان اإتحاد الأوربي التي تعترف بالدولة الوطنية الفلسطينية، التي تمنع إسرائيل قيامها.
وليست هناك دولة في العالم تستقبل اللاجئين في العالم بما يقارب ما استقبلته السويد مقارنة بعدد سكانها. وهي لا تكتفي بالسماح لللاجئين بدخول البلاد، بل تمنحهم كل مزايا منظومة الرفاه الأجتماعي التي يتمتع بها السويديون. وعلى عكس بلدان كثيرة، يمكن للاجيء فيها أن يحصل على الجنسية السويدية، بعد أقامته في السويد 6 سنوات، دون أن يرتكب مخالفات قانونية خطيرة، وتتقلص المدة المطلوبة للحصول على الجنسية الى 4 سنوات بالنسبة للاجئين الساسيين، مع أحترام شرط خلو سجلاتهم من مخالفات قانونية. وعلى عكس بلدان كثيرة أخرى، لم يكن بين شروط حصولهم على الجنسية إجادة اللغة السويدية، أو أداء قسم الولاء للبلاد، كما هو الحال في الولايات المتحدة على سبيل المثال.
وربما لهذه الأسباب شنت جماعات من اللاجئين مؤخرا حملة تشنيع غاية في الأنحطاط على البلد الذي وفر لهم كل شروط الحياة الكريمة، حملة وجدت صدى كبيرا في وسائل الإعلام العربية، تتهم السلطات السويدية باختطاف أطفال اللاجئين والمهاجرين.
وفي تزييفها للحقائق زعمت الجهات التي روجت لحملة الأفتراء، أن تفريق الأطفال الذين يتعرضون للعنف داخل الأسرة عن أبويهم، عمليات أختطاف تستهدف أبناء اللاجئين والمهاجرين القادمين من البلدان العربية، معتمة على حقيقة أن حالات التفريق المقصودة أنما هي عمل قانوني، يستند إلى قانون سار في البلاد منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، ويشمل كل من يعيش على الأرض السويدية، بغض النظر عن خلفيته الدينية والإثنية.
ووفقا لهذا القانون ـ قانون تجريم إيذاء الأطفال ـ يتم تفريق الأطفال عن أسرهم في حال تعرضهم إلى الأيذاء من قبل واحد أو أكثر من أفراد الأسرة، وتوفير عائلة بديلة لهم، ويستند القانون السويدي إلى الأعلان العالمي لحقوق الأنسان، ومعاهدة حقوق الطفل المعتمدة من الأمم المتحدة. وقد دخل قانون تجريم إيداء الأطفال حيز التنفيذ في السويد قبل أن تتكون فيها كتلة سكانية محددة من اللاجئين والمهاجرين، وأستهدف حماية الأطفال السويديين من العنف الذي يمكن أن يتعرضوا له في أسر يعاني فرد منها أو أكثر من أنحراف نفسي، أو حالات ادمان على الكحول أو المخدرات، ونزوع الى العنف.
وأستنادا الى القانون المذكور تلزم البلديات السويدية بتوظيف مختصين أجتماعيين، يكلفون بمعالجة هذه الحالات، من حيث التأكد من حصولها، وتوفير العوائل البديلة المستعدة لأستقبال الأطفال المعنفين، مع التأكيدأن سن الطفولة في السويد يشمل كل من لم يتموا الثامنة عشرة من العمر.
ويتعاون الموظفون المختصون في هذا المجال، في عملهم مع كل المجالات التي تتصل بحياة الأطفال، ومع إدارات امدارس على نحو خاص، ولدى المدارس وظيفة خاصة تسمى (( كوراتور )) مهمته المساعدة في معالجة مشاكل التلميذ في المدرسة وخارجها، بما فيها البيت الأسري، ويتعاون الطرفان الكوراتور وموظف الرعاية الإجتماعية في البلدية في الكشف عن حالات الأذى البدني أو النفسي التي يتعرض لها التلميذ، ومساعدته على التخلص منها، وينظر الى كل حالة وفق مقياس خاص يجري في بعض منها مناقشة الأمر من العائلة المعنية، والبحث من خلال النقاش عن سبل لوقف حالة الأيذاء، وأحيانا يجري الفصل والتفريق دون مناقشته مع الأسرة، حين يتعلق الأمر بشكوى الطفل من تعرضه إلى اغتصاب جنسي أو أيذاء جسدي جسيم أو تهديد بالقتل. ففي مثل هذه الحالات يفصل الطفل عن أسرته على نحو سريع، ريثما يتم التأكد من صحة ودقة شكاوى الطفل.
هل معنى ذلك إن الأجراءات المذكورة سليمة دائما ولا تشوبها أخطاء؟
بالتأكيد: لا !!!
يمكن أن تشوب هذه الإجراءات أخطاء معينة، إذ قد يقتنع موظفو الجهتين المعنيتن بمبالغات مقصودة أو غير مقصودة من الأطفال أصحاب الشكوى، كان بإمكانهم التريث في بدء أجراءات الفصل على أساسها، ويمكن كذلك أن تكون بعض العوائل المتطوعة لتكون عوائل بديلة غير جديرة بهذه المهمة، وقد تتواصل مشاكل الطفل بسببها. كل هذا وارد. لكن المزاعم الرخيصة عن أختطاف أطفال اللاجين والمهاجرين العرب والمسلمين هي محض افتراءات يروجها حملة أقبح ما في المجتمعات العربية والإسلامية من قيم التخلف مثل جرائم ما يسمى بعمليات (( غسل العار )) أو جرائم الشرف التي تصل حد قتل الفتيات والفتيات بسبب تمتعهم بالحقوق والحريات التي يتمتع بها فتيان وفتيات السويد.