تختلف عملية التحول الديمقراطي من دولة لأخرى، ولا يمنع ذلك من المقارنة بين الدول على اساس عناصرها المشتركة، ولا توجد طريقة واحدة للإنتقال إلى الديمقراطية، وغالباً ما يؤثر أسلوب الإنتقال على نوعية النظام الديمقراطي الوليد وحدود قدرته على الإستمرار.
يحدث التحول الديمقراطي على أرضية اتفاق أو تعاقد يتم التوصل إليه عبر المفاوضات والمساومات بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة، وغالباً ما يأتي ذلك كمحصلة لوجود نوع من التوازن النسبي في ميزان القوى بين الطرفين، فالنخبة الحاكمة تصل إلى قناعة مفادها أنها غير قادرة على الاستمرار في السياسات المغلقة والممارسات القمعية بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، وأن كلفة الانفتاح السياسي والانتقال إلى صيغة ما لنظام ديمقراطي ضمن اتفاق مع المعارضة يضمن بعض مصالحها – أي مصالح النخبة الحاكمة – هي أقل من كلفة الاستمرار في السياسات غير الديمقراطية. فهناك قيمًا للديمقراطية، تنَّبَهِ لها المهتمون بعلم السياسة، بعد اختيار الشعب الألماني للحزب النازي بقيادة هتلر، وهو حزب معادٍ للديمقراطية، وتوصلوا إلى أن العامل الرئيسي لهذا الوضع، هو غياب الثقافة السياسية، حيث أنه لا يمكن فرض نظام ديمقراطي، في بيئة تغيب ولا تسود فيها الثقافة السياسية، حيث يصبح من اليسير الانقلاب على هذا النظام دون مقاومة.
وانطلاقًا من هذه النتيجة، زاد الاهتمام بالثقافة السياسية، أو القيم السياسة، والمتمثلة في (التعددية، الحرية، والعدل)، والتي تُمثِّل منظومة متكاملة ومرتبطة ببعضها البعض. ويجب وأن يتمتع الدستور بعنصر الفعالية، أي إعماله وتطبيقه في أرض الواقع، واحتوائه على ضمانات تمنع الخروج عن مواده وجوهره، ويمكن ذلك بوضع مواد فوق دستورية تمنع الانقلاب على الدستور ومن ذلك المادة 79 من الدستور الألماني، التي تمنع تغيير المادة الأولى المتصلة بحقوق الإنسان، والمادة 20 المتعلقة بالمبادئ العامة للدولة الألمانية. ويُعَد مبدأ حكم القانون أحد أهم الضمانات للعلاقات الدولية، ومثال ذلك قيام الاتحاد الأوروبي بتحديد مبدأ (دولة القانون) كأحد المعايير الأساسية للتعامل مع الدول النامية في نوفمبر 1991.
تتمثل أهم مقومات نجاح عملية الانتقال الديمقراطي، الحفاظ وترسيخ الوحدة الوطنية دون حدوث صراعات داخلية، التوافق بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين على صيغة النظام السياسي المستهدف، مراحل الإنتقال، والترتيبات المؤسسية والإجرائية الملائمة لخصوصيات الدولة، إصلاح أجهزة الدولة لتعزيز قدرتها على القيام بوظائفها فيما يتعلق بإحتكار حق الإستخدام المشروع للقوة، تقديم السلع والخدمات العامة للمواطنين، تحقيق العدالة الإنتقالية، تدعيم دور المجتمع المدني، تعزيز الطلب المجتمعي على الديمقراطية ونشر ثقافتها في المجتمع، وإعادة صياغة العلاقات المدنية-العسكرية، على أن يتم ذلك بشكل تدريجي ومن خلال التفاوض. ان مسعى التحول الديمقراطي في العراق هو هدف ليس من المستحيل تحقيقه، ولكن ليس في المستقبل القريب المنظور، لأن الديمقراطية تتطلب وقت وممارسة، وتوعية ونضج على كافة الأصعدة. ضعف ثقافة المجتمع المدني في العراق، حيث تفتقر معظم المنظمات المدنية الى الخبرة وحسن الإدارة وحتى النزاهة، ناهيك عن غياب الأطر القانونية السليمة التي تنظم نشاطها، وبالتالي فقدان دورها في مسيرة التحول الديمقراطي.على الرغم من فكرة التقادم بالممارسات الديمقراطية وبأنها الوحيدة القادرة على تصحيح مسار بناء النظام السياسي، إلاّ أن تحدي فشل الديمقراطية بات يُهدد التجربة العراقية، فعدم وجود قيادات حقيقة تؤمن بالنظام الديمقراطي وبالممارسات والسلوكيات الديمقراطية جعلت المواطن العراقي يتساءل عن جدوى الانتخابات والنظام الديمقراطي، إذ يمكن القول بوجود حالة من الجزع والتفكير بعدم جدوى الديمقراطية باتت تظهر بصورة واضحة في الرأي العام العراقي، فالعراقيون اتجهوا نحو صناديق الاقتراع للمرة الخامسة منذ 2003، إلا أن مشكلة الانتخابات أنها لا تزال غير قادرة على إنتاج نظام ديمقراطي حقيقي. وهنالك شعور عام يفيد بأنها (أي الانتخابات) لن تنتج تغييرًا يمس حياة المواطن العراقي.
أن تحويل اقتصاد البلد إلى نظام ريعي، يجعل يد القوى تتطاول على إبقاء العراق في الفوضى دون الاستقرار ولا ديمقراطية حقيقية من أجل استنزاف النفط من جهة، وكذلك عدم بروز طبقة برجوازية تدفع إلى سياسة جديدة بحكم وضعها الاجتماعي . أن "الشعور بالهوية الاجتماعية، وضرورة تفعيل دور المثقف، وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز قيم الإنسانية والمواطنية، دون الانخراط في العمل الثوري أو الاصلاح بنحو مباشر، هو بالصميم من السياق النظري، الذي يعرفنا على النموذج في اولياته وآلياته، يتيح لبيئة لفكر مرجعي مستقل ليس ذا دلالة ايديولوجية انتقائية . وقيمة العدل تشير إلى تمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم مع ضمان تكافؤ الفرص، بحيث تكون الجدارة هي معيار التمييز بين الأفراد ،وهو ما دفع الديمقراطية عبر التاريخ إلى ان تكون موضع ريبة وشك من قبل النخب، خوفًا على الامتيازات التي يمتعون بها. وترتبط قيمة العدل بمبدأ المواطنة بأبعاده المختلفة، حيث أن النظم الديمقراطية تجعل من مبدأ المواطنة اساسًا لنظام الحكم، والمواطنة تشير إلى الانتماء إلى وطن يتمتع فيه المواطن بوضع قانوني وسياسي معين، مع توفير الاحتياجات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية الأساسية للمواطن، مع الإقرار بمبدأ المساواة السياسية، في المشاركة في المجتمع، وكذلك فإن مبدأ المواطنة له مستويان رئيسيان، المستوى الأول وهو الجانب الإدراكي والذي يرتبط بالتعليم ومؤسسات التنشئة والدافعية والحوافز على المشاركة، أما المستوى الثاني فهو مرتبط بمضامين المواطنة القانونية ( كالمساواة أمام القانون واستقلال القضاء)، السياسية (كالمشاركة في صنع القرارات، وشفافية العملية السياسية)، والاقتصادية ( مثل الحصول على الاحتياجات الرئيسية للإنسان)، والاجتماعية (كالحياة ضمن مجتمع منضبط بجملة من الضوابط الاجتماعية والقيمية والقانونية. يستلزم استمرار وازدهار الديمُقراطية بعض القيم الثقافية المرتبطة بها، مثل المسئولية الفردية، والمشاركة المجتمعية، والتسامح، بل أن استمرار الديمقراطية يستلزم الاعتقاد بأنها النظام الأمثل من قبل النخبة والعامة على حد سواء. وهو ما يرتبط برسوخ قيم الديموقراطية وإجراءاتها باعتبارها البديل الوحيد المتاح، وتفعيل عمل المؤسسات الديموقراطية، وتتعدد مؤشرات هذه المرحلة لكن أكثرها شيوعا تكرر التداول السلمي للسلطة في إطار المؤسسات والترتيبات الانتخابية القائمة على الحرية والنزاهة. وتشهد هذه المراحل صراعات عديدة بين من استفادوا من مناصب فى ظل النظام السلطوى لكنهم اقتنعوا بضرورة احداث تعديلات عليه لاعادة بناء شرعيته بين الناس ، وبين من يرفضون احداث اى تحول ديمقراطى ويدافعون عن بقاء النظام السلطوى، ويحدث هذا الصراع فى ظل الانقسامات داخل النظام القائم، وفى ظل ضغوط دولية لتَبني التحول الديمقراطى مقابل تقديم المساعدة الدولية.
ان الطائفية تمثل اكبر خطر للدولة ومؤسساتها ومسيرتها نحو التحول الديمقراطي، و لا يمكن تحقيق المشروع الوطني الديمقراطي في بناء العراق الديمقراطي دون وأد الطائفية وتحجيمها سياسيا تعتبر حرية تكوين الأحزاب السياسية من اهم المستلزمات الضرورية لقيام الديمقراطية، وتعزيز المبادئ السياسية الديمقراطية في الإرتقاء بالمبادئ الأساسية التي تضمن قيام الديمقراطية بعيدا عن المصالح الضيقة لفئة أو جماعة اجتماعية معينة، و بشرط ان تبتعد عن الأهواء والتحزبات المذهبية الضيقة.
التدهور الاقتصادي يثقل كاهل المواطنين لأنهم هم من يتحملوا عبء ارتفاع الأسعار والبطالة والديون الخارجية، كما أن التدهور الاقتصادي يهيئ بيئة جيدة لانتشار الفساد وإهدار المال العام وهروب رأس المال الأجنبي وكل الآثار السلبية المترتبة على هذه الأوضاع يتحملها المواطن. تردي الأوضاع الاقتصادية يعجل بالاتجاه نحو مزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية في محاولة لامتصاص الغضبة الشعبية، وهذه الإجراءات الإصلاحية تدعم التحول الديمقراطي، فالعلاقة بين التنمية الاقتصادية من ناحية والديمقراطية من ناحية أخرى هي علاقة معقدة، وقد تتفاوت من مكان إلى آخر، وإن كانت هناك مؤشرات على أن النمو المعتمد على آليات السوق يشكل أساساً جوهرياً للديمقراطية. تواجه عملية الدمقرطة في العالم العربي الكثير من التحديات، ويرتبط معظمها بعدم وجود ثقافة أو وعي سياسي حقيقي لدى جموع المواطنين، وعدم وجود رغبة لدة النخب الحاكمة في الكثير من الدول العربية بالسير نحو عملية دمقرطة النظام، هذا بالإضافة إلى الدعم الخارجي من بعض القوى الدولية، الذي أدى إلى ترسيخ أنظمة استبدادية، وذلك مراعاة لمصالحها في المنطقة. يُلاحظ أنه لإقامة ديمُقراطية حقيقية في العالم العربي عامة والعراق خاصة ، يستلزم الدفع نحو توسيع دائرة التوعية بالقضايا السياسية على المستوى المجتمعي، والدفع بمشاركة المجتمع المدني في هذه العملية، وتنشيط دور المعارضة، ودعم المبادئ الليبرالية كطريق نحو إقامة ديمقراطية حقيقية.