الى اين يتجه نظامنا التعليمي؟ لم اعد متأكدا مما إذا كان الشخص الحاصل على شهادات اولية او عليا هو شخص متعلم حقا أم لا. انا غير متأكد مما إذا كانت السيرة الذاتية التي تحتوي على قائمة بأسماء الشهادات تعني أن الشخص يمكنه فهم كتاب او بحث او مقالة او نص أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو حتى تقييم المواقف المتعلقة بوظيفته بشكل صحيح.

ألا يجب أن يمكّن التعليم الفرد من الوصول إلى إمكاناته الكاملة في الحياة، ومن القيام بالاعمال التي تفيده والمجتمع ككل؟ الا يجب أن ينتج التعليم فردا يمكنه التفكير بنفسه ويمتلك المهارات الأساسية؟ الا يجب أن يكون الانسان المتعلم قادرا على الحكم على العواقب وتقييم المواقف في الحياة ورؤية آثارها على الذات والآخرين؟

ألا يحتاج الطلاب إلى توجيههم نحو تطوير الأفكار المبتكرة التي تمثل حلولا لمشاكل عالمنا الحالي؟ كل معلم ومدرس لديه القدرة على خلق عالم أفضل. طلابنا لديهم القدرة على تحقيق ذلك. لكن لماذا لا يحدث هذا في الواقع العملي؟

لماذا يستمر هذا الانفصام بين المدرس والطالب؟  الا يمكن أن يكون المعلم مدربا لطلبته بدلا من مجرد تلقينهم الاسئلة والاجوبة وكل ما يشعر بأنه جزء من التعليم؟ تدريب المدرسين والطلاب على التفكير النقدي الحر هو أكبر وأفضل استثمار يمكننا القيام به من أجل مستقبل أفضل.

الا ترى ان الجهل في بلد مثل العراق هو السبب الجذري للعلل السياسية والشرور الاجتماعية، وان محاربته بالتلقين المدرسي والعائلي والديني لا فائدة يرجى منها؟ برأي انه هنا تكمن أهمية التفكير النقدي في مكافحة الجهل والأفكار العبثية والمتطرفة والخاطئة. فغالبا ما يكون عدم القدرة على التفكير النقدي عقبة رئيسية في المناقشات بين العراقيين. إن عدم المرونة وانعدام المنطق قد سمما قدرتنا، كأفراد وكشعب، على تقييم المواقف وتقديرها.

غالبا ما يكون البيت والمدرسة هو المكان الذي تبدأ فيه هذه الإعاقة.

يتم قمع الأطفال بسبب التمرد بأشد الطرق. ويتم استخدام الدين للتحقق من صحة السلطة الأبوية، ويستخدم مفهوم عدم الاحترام لقمع الأسئلة ويتم الترويج للإيمان الأعمى كأسلوب حياة. لا عجب إذن أن التكييف الاجتماعي يفوز على الأداء الإدراكي الكفء. ومن المفارقات أن الوضع يزداد سوءا في المدرسة والجامعة.

في العراق، يذهب الطالب إلى المدرسة، ثم يعود إلى المنزل ويؤدي ساعات من الواجبات المدرسية، وإذا كان الوقت متاحا، يلعب ألعاب الكمبيوتر. هناك عدد قليل جدا من الفرص لممارسة الرياضة أو الموسيقى أو الأنشطة الأخرى بعد المدرسة. إن معرفة الطالب العراقي العامة بالعالم أقل بكثير من معرفة الطالب الغربي. وتتأثر قدرته على العمل في مجموعات، لأن التدريس كله ينبع من النسخ والحفظ والتكرار في الامتحان لما يتذكره. إنه يتدرب على الامتحانات وخوضها في كل وقت. مما يجعله بارعا جدا في إجراء الامتحانات بالمقارنة بالطلاب في المدارس الغربية، لا اكثر ولا اقل.  

يعاني الطلاب من الميل إلى أساليب التدريس التقليدية فضلا عن ندرة المدرسين الذين يمتلكون المعرفة الكافية حول متطلبات المهنة. يتم ببساطة نشر المعلومات، ويفشل المعلمون في بذل جهد إضافي لتوفير موارد مفيدة أو ترتيب أنشطة محفزة داخل الصف. في كثير من الأحيان، لا تعطى اهمية للحوار بينما يكون إكمال المنهج الدراسي له الأسبقية. في معظم الأحيان، تعتبر محاولة خلق مساحة للحوار بمثابة هجوم على معرفة وسلطة المعلم. بالطبع يظل المرء في حيرة من أمره لمعالجة مأزق أولئك الاميين والاميين المقنعين، والذين يعتمدون على المعلومات المضللة الصارخة التي تقدمها الفضائيات والسياسيين الفارغين والشيوخ ورجال الدين، لذلك يظل نطاق التربية والتعليم محدودا.

هناك إحساس زائف من اليقين فيما يتعلق بدور المعلم في تلقين الطلاب. كما يبدو ليس من شأن المعلم فتح النقاش والاستماع الى الاراء. النظام التربوي العراقي لا يؤمن بأن الحجج والمناقشات هي مقدمة للتعلم الفعال، وأنه على الرغم من أن الرغبة في أن تكون على حق هي رغبة جامحة، إلا أنها تمنع سعة الاطلاع وتعزز وباء النظرة الضيقة المتوطنة للغاية في عراقنا. هذا التمسك بالمعتقدات والأفكار دون تفكير مقنع هو بالضبط ما يغذي انعدام الأمن والفوضى السياسية والفساد المستشري.

مع هذا، الوضع ليس مروعا تماما حيث توجد استثناءات معينة للوضع العام السيئ. لكن ما نحتاجه هو شديد التعقيد: مراجعة مكثفة للسياسات المدرسية والأكاديمية، وإدخال طرق بديلة للتدريس، وتدابير تهدف إلى مراقبة تنفيذ السياسات، والاهتمام باراء وتعليقات الطلاب، والإجراءات الأخرى ذات الصلة التي تشكل طريقة عمل على المستوى الكلي مصممة خصيصا لتعزيز الحوار وخلق مساحة للتفكير الحر والنقدي داخل المؤسسات الأكاديمية. نتيجة لذلك ، يمكننا توقع أن نرى تأثيرا متدرجا من المجال الأكاديمي إلى المجال المحلي وستصل في نهاية المطاف إلى كل مفاصل الحياة اليومية.

التفكير النقدي أمر حيوي لتقدم الفرد والمجتمع، ومن مصلحتنا، كشعب، إيلاء الاهتمام الواجب لهذه الظاهرة التي يتم التغاضي عنها مؤسساتيا ومجتمعيا، وإلا سنستمر ننظر الى تخلفنا ببساطة الى انه مجرد تخلف في بناء الحجارة.

 

عرض مقالات: