ما صدر من بيان مقتضب عن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان بقادة الأحزاب الإسلامية في " الإطار التنسيقي الشيعي " الخاسرة بالانتخابات والمتهمة بتدبير محاولة اغتيال رئيس الوزراء باستهداف مقر إقامته في المنطقة الخضراء بطائرات مسيرة "درون "، لم يكن مذيلاً بتواقيع المشاركين، وهذا يدلل على عدم استعداد أطراف اللقاء الالتزام ببنوده، بسبب وجود خلافات لا يمكن تجاوزها، استدعت اصداره ضرورات إعلامية.
هذا البيان دعا إلى الاتفاق على التهدئة ومتابعة قضية قتل متظاهري الأحزاب الخاسرة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة وكذلك بالنسبة لقصف مقر اقامته، قانونياًَ، ثم " البحث عن معالجات قانونية لأزمة نتائج الانتخابات غير الموضوعية "!!!
لقد كان التوقع الشعبي من رئيس الوزراء الكاظمي أن يمارس صلاحياته الدستورية بحزم في محاسبة الفاعلين لا الجلوس معهم، وكان امتعاض المواطنين من الأمر كبيرا كما تابعناه على مواقع التواصل الاجتماعي، وشكك البعض من غايات اللقاء وعودة " سليمة إلى عادتها القديمة " بتوافقات مشبوهة. والرأي الغالب كان يطالبه باستثمار هذا الهجوم الارهابي على، أولاً، المنصب الاعتباري السيادي لرئيس وزراء العراق وعلى أمنه الشخصي، ثانياً، لتحجيم دور المنفذين وتأديبهم.
يُعرف عن شخصية السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالهدوء، والتأني وطول النفس ولا تتعامل برد الفعل، تذهب نحو حلحلة الإشكالات السياسية بالحوار والتفاوض.
ولكني لا أعتقد بأنه سيتعامل مع محاولة الانقلاب بسماحة ووداعة " الأم تيريزا "، ويقبل باتفاق ساذج بالتهدئة على أساس " عفا الله عما سلف " مع جهات تتلبسهم الجريمة، محبس، كما يقول المثل العراقي.
فمصطفى الكاظمي ليس كما عبد الكريم قاسم، فالأول يحاول أن يرسي دولة قانون ومواطنة، بينما الثاني كان يقرر بفردية الزعيم الأوحد باعتباره هو صاحب القوانين.
وقد كان ذهاب الكاظمي إلى مواجهتهم وجهاً لوجه بالحقائق، لا يخلو من شجاعة وتحد، وهو متسلح بتعاطف شعبي كبير ورفض عالمي كاسح لمحاولة الاغتيال، حتى من جمهورية إيران الاسلامية الداعمة للميليشيات، على لسان العديد من قادتها، ومدعم ببيان صريح لمجلس الأمن الدولي يدين المحاولة عملية الهجوم ويساند العراق وحكومته ضد التهديدات الإرهابية ووجوب مكافحتها.
هل يا ترى سيضيع الكاظمي الفرصة التاريخية في استغلال شطط وطيش أعدائه لإدانتهم بعد أن وضعوا أنفسهم، طوعاً، في الزاوية الحرجة؟
خرج اجتماع الإطار التنسيقي الشيعي بحضور الرئاسات الثلاث، ببيان بخمس نقاط، بدون توقيع، الأخطر فيها هو:
" البحث عن معالجات قانونية لأزمة نتائج الانتخابات غير الموضوعية ".
هذه الفقرة، لو أخذت طريقها للتنفيذ، وبموافقة هذه الرئاسات، لكانت بمثابة انقلاب ثانٍ على العملية الانتخابية والسياسية عامة ونسف لها بعد محاولة الانقلاب الأولى لتصفية رأس السلطة التنفيذية، رئيس الوزراء.
لا بد من التذكير بأن لقاء الإطار التنسيقي مع الرئاسات الثلاث وما تمخض عنه، كان بمعزل عن التيار الصدري الفائز الأول في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو رقم صعب، وقوة شعبية ومسلحة لا يمكن تجاوزه، لذا فإن الاتفاق من وراء ظهره، غير قابل للتنفيذ، لاسيما بمشاركة شخص رئيس الوزراء الكاظمي المدعوم صدرياً.
ولو افترضنا جدلاً، صدق أطراف الإطار الشيعي وبيانها، بلغته الجديدة التي تتحدث عن الركون للقانون في محاسبة مرتكبي الجرائم، فإن ذلك يعني نجاحاً باهراً لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في إخضاع الميليشيات واحزابها، اخيراً، لسلطة القانون والقضاء، وهو بذلك يكون قد حقق تطوراً جوهرياً في الواقع السياسي العراقي ولدولة المواطنة، لأنها لطالما اعتبرت نفسها كيانات مقدسة، فوق القانون ولا يمكن المساس بها وترفض التعامل معها بنفس مستوى التعامل القانوني الرسمي مع المواطنين الآخرين.
ولكن فرحتنا ما تمت! بعد التهديدات الغاضبة لقادة الأحزاب الإسلامية الخاسرة في الانتخابات، بعد يوم من اللقاء، بمقاطعة العملية السياسية بأسرها وليس الاكتفاء بمعارضتها، والذي يعني نسف كل ما جاء به البيان، جملة وتفصيلاً، ويؤكد فشل اللقاء بين الرئاسات الثلاث وأحزاب الإطار الشيعي، والتوجه نحو إلهاب الوضع وتأجيج الموقف.
عندها سيكون انتحارها السياسي خيار اليائس!!
الأم تيريزا - راهبة مسيحية من أصل ألباني كانت مثالاً للوداعة ونكران الذات ورائدة العمل الخيري.