عقد في مدينة مالمو السويدية مؤخرا مؤتمر كبير لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست ولمكافحة معاداة السامية. ويشاد في مختلف أنحاء العالم بالتزام السويد بنهج مكافحة معاداة السامية والأفكار والقوالب النمطية المعادية للسامية على الإنترنت وتزايد الهجمات المستوحاة من معاداة السامية على اليهود. ولكن هذا الألتزام يواجه أيضا بالأنتقاد كونه تحول كما يرى المنتقدون الى كابح لتوجيه أي إنتقاد مشروع لأسرائيل، وإدراجه في إطار معاداة السامية.
وكانت السويد وبمبادرة من رئيس الوزراء الأسبق يوران بيرشون قد شكلت قبل عشرين عاما تحالفا دوليا للتذكير الدائم بجرائم المحرقة النازية، ووضع التحالف 11 مبدأ لتعريف معاداة السامية. وتوجه منذ فترة ليست بالقصيرة انتقادات شديدة لتلك المبادئ من قبل مؤرخين ومفكرين إسرائيليين وسويديين. وقد ألتقت مراسلة الأذاعة السويدية في الشرق الأوسط سيسيليا أودين بأثنين من أهم منتقدي تلك المبادئ وهما الأكاديميان الإسرائليان بروفيسور التأريخ أموس غولدبرغ وبروفيسورة علم الأجتماع أيفا أيلوز، التي ترعرت في صباها في فرنسا والتي قالت أن إسرائيل تستخدم موضوعة العداء للسامية، للتغطية على إحتلالها لفلسطين، وتوحي بأن أي نقد للاحتلال أنما هو تعبير عن كراهية تأريخية لليهود:
ــ أن أكثر ما يثير قلقي هو أن موضوعة معاداة السامية، قد أصبحت سلاحا سياسيا، يمكن أن يؤدي سوء أستغلاله الى تنفير أولئك الذي يريدون حقا محاربة العداء للسامية، ويشعرون بان تعريف العداء للسامية قد تم التلاعب به، لخدمة إغراض سياسية للحكومة الإسرائيلية. قالت أيلوز.
آموس غولدبرغ بروفيسور التأريخ الأسرائيلي الباحث في موضوع المحرقة النازية ومؤلف كتاب الصدمة الذي يتضمن يوميات ضحايا المحرقة، يشارك إيلوز أنتقادها لمواد التحالف المناهض لمعاداة السامية الأحد عشر، مشيرا إلى أن سبعا من تلك المواد تتعلق بأسرائيل كدولة، وهي تستخدم لتبرير سياساتها، حتى إن لم يكن المقصود منها ذلك عند وضعها. وهي تستخدم الآن عمليا لإدانة أي نقد للسياسة الإسرائيلية، ويسوق أمثلة على ذلك توجيه الأعلام الإسرائيلي، أستنادا الى مبادئ التحالف المذكورة، تهم معاداة السامية إلى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ألأونوروا، والى وزيرة الخارجية السويدية السابقة مارغوت فالستروم كونهما أنتقدا السياسة الإسرائيلية:
ــ كل دول العالم توجه لها تهم بالعنصرية، الولايات المتحدة، السويد، الصين، لماذا يحرم توجيه هذا النعت لأسرائيل؟ يتساءل غولدبرغ ويضيف: أن هذا يؤدي الى إخراس المنتقدين، لأن وصمهم بمثل هذه التهمة ((معاداة السامية)) يمكن أن يدمرهم مهنيا. ويؤكد أن إسرائيل وعلى إثر قضية فالستروم، قد أبتزت رئيس الوزراء الحالي، وأرسلت له ما معناه أهلا بك ستيفان لوفين، سنشارك في مؤتمر مالمو، ولكن بشرط أن يتم الألتزام بالمواد الأحد عشر.
من جانبها نفت خليفة فالستروم وزيرة خارجية السويد حاليا آن ليند أن تكون السويد قد تعرضت لأية ضغوط إسرائيلية، لكنها أقرت بوجود مشاكل في ترجمة المبادئ الأحد عشر لمناهضة العداء للسامية:
ــ صحيح أن كثير من تلك المبادئ مثير للجدل في عديد من جوانبها، لكن إقرارنا لها كان إنطلاقا من اننا نراها تشير الى مخاطر معاداة السامية، وتكشف عن تجلياتها، لكن تلك المبادئ ليست ملزمة لنا قانونيا، وعند مصادقتنا عليها أكدنا أنها لا تعني عدم السماح لنا بانتقاد إسرائيل في مختلف المجالات. قالت آن ليند وأضافت أدرك تماما أن ثمة أنتقادات كثيرة لتلك المبادئ والنقد مهم في هذا السياق.
غولدبرغ يشير الى جانب بالغ الأهمية، أرتباطا بتضاؤل من باتو يعتقدون بإمكانية حل الدولتين، وتزايد من يدعون الى حل الدولة الواحدة الذي يعني توحيد المناطق الفلسطينية المحتلة بأسرائيل ومنح الفلسطينيين حقوقا متساوية في الدولة الموحدة، ففي إسرائيل تدرج مثل هذه الدعوة على أنها معاداة للسامية، فحل الدولة الواحدة يعني، على المدى البعيد أن إسرائيل لن تبقى دولة يهودية، فمن بين المبادئ الأحد عشر مبدأ يؤكد أن معاداة السامية تشمل حرمان البهود من حقهم في إقامة دولتهم. هنا يتساءل غولدبرغ:
ــ كيف أنتهى بنا المطاف إلى أعتبار المطالبة بحقوق متساوية للإسرائيلين والفلسطينيين معاداة للسامية؟
هناك أيضا حق العودة، أي عودة الفلسطينيين من مناطق اللجوء في مخيمات لبنان وسوريا والأردن، الى بيوت الأجداد، وكثير منهم يحتفظون بمفاتيح بيوت كانت لأجدادهم في الجليل، صحيح أن معظم الفلسطينيين يدركون الآن أن هذا الحلم غير واقعي، لكن حتى المطالبة به يعتبر وفق تلك المبادئ، معاداة للسامية، لآنه سيعني أيضا أن إسرائيل ستفقد صفتها كدولة يهودية.
أبرز خبير إسرائيلي في موضوع المحرقة النازية أيهودا باوير ذو الـ 95 عاما والذي ساهم مع يوران بيرشون في وضع مبادي التحالف لا يتفق مع انتقادات غولدبرغ وأيلوز لتلك المبادئ، وينفي أن تكون أساسا لأسكات أي انتقاد لإسرائيل، وأعتباره معاداة للسامية، لكنه في ذات الوقت يرى أن مطالبة الفلسطينيين بحق العودة قد تؤدي الى معاداة السامية.
الأكاديميان الإسرائيليان أيفا إيلوز و آموس غولدبرغ اللذان ينتقدان تعريفات معاداة السامية ينبهان في الوقت ذاته ألى أنماط مستترة من معاداة السامية مثل تلك المنتشرة بين بعض أوساط اليسار التي تخفي موقفها المعادي لليهود بانتقادات لأسرائيل، وكذلك بين مجموعات المهاجرين في أوربا. لكن غولدبرغ يؤكد أن أكبر المخاطر التي تواجه اليهود في الغرب تتمثل باليمين الفاشي والنازي، وأولئك الذين يهتفون: لن يحل اليهود محلنا كما صرخ المتظاهرون في الولايات المتحدة.
هذا المادة ترجمة لتقرير إذاعي للأذاعة السويدية أعدته مراسلتها في الشرق الأوسط سيسيليا أودين Cecilia Uddén