بدءاً لابد من القول إن مفهوم التوافق هوَ شيء غريب على آليات الديمقراطية في الحكم ، حتى وإن كان التوافق على إدارة مؤسسات الدولة ، وحذر الحزب الشيوعي العراقي منذُ زمن تشكيل مجلس الحكم من صيغة التوافق على تقاسم الطوائف للحكم ، لأن توافق الكتل السياسية المسيطرة ، على كيفية إدارة الدولة ومؤسساتها ، هو إجراء من شأنه تجاوز دستور البلاد الذي يقضي اعتماد آليات الديموقراطية ،وتخطي مهمة البرلمان في تشريع وإقرار القوانين التي تنظم عمل الدولة والمجتمع وبالاستناد الى دستور البلاد.

والتوافق لدى الكتل المتنفذة هو تعبير محور لتقاسم المغانم من أموال الدولة المخصصة للبناء والإعمار وتقديم الخدمات للشعب العراقي.

وطيلة ثمانية عشر عاما وعملية تقاسم مغانم السلطة (التوافق) تعيد نفسها مع تغيير بعض الوجوه ، بالرغم مما خلفتهُ من مآسي للشعب العراقي حيث جعلت أزمتهُ مركبة وشديدة التعقيد حتى تكاد تصيبه بالعوق الذي لا يبرء منه في الزمن المنظور، ومع ذلك تناضل قوى الإسلام السياسي الشيعي ضد بعضها البعض ، من أجل الوصول الى صيغة التوافق، وتقاتل القوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات، على أساس أن هناك مؤامرة من أمريكا والأمم المتحدة بشخص ممثلهم في العراق ودولة قطر وجهات أخرى ، لتزوير الانتخابات لغرض اقصائهم من الحكم ، وكونوا تحالفا برئاسة المالكي المتهافت على رئاسة الوزراء ، واجتمعوا في بيت المالكي يوم 23 اكتوبر وانظم اليهم أياد علاوي وسليم الجبوري ، و محمود المشهداني، وخالد العبيدي وفؤاد حسين ، ولم يحضره الصدر والحلبوسي وعمار الحكيم ، اتفق الجميع على الاستمرار بتظاهرات الاحتجاج ، والاعتصام أمام مداخل المنطقة الخضراء ، وراحت سرادق القوى الخاسرة تحاصر المنطقة الخضراء وتهدد باستخدام سيناريو اقتحام  المنطقة ، في ذات الوقت بعث الاجتماع رسالة تستنجد برئيس الجمهورية بالتدخل لتهدئة الأمور ، والضغط على مفوضية الانتخابات لتعيد العد يدوياً، واليوم قررت المفوضية العد اليدوي في 2000 محطة ابتداء من مدينة الموصل ثم الحلة ...ويبدو أن هذا القرار جاء بعد اجتماع رئيس الجمهورية بممثلي الكتل السياسية وممثل مفوضية الانتخابات. وقراءة تصعيد الموقف الاحتجاجي من قبل تنسيقية المالكي، هو بهدف تقديم التنازلات من الصدر، والجلوس للحوار وصولاً ( للتوافق ) على مقادير الحصص، لآن السنة والاكراد أوصلوا رسائلهم ، وهي ان يتفق فرقاء الشيعة بينهم ، من ثم نتحاور حول الحصص . وهنا تجدنا قد عدنا الى المربع الاول، التوافق والمحاصصة !! ، عموم الحال الذي يؤكد ما ذهب اليه الحزب الشيوعي العراقي  في بيانه الأخير بأن لا تغييرا في ظل المحاصصة الطائفية والاثنية، ويبقى الأمل معقودا على الحراك الشعبي الذي يُفعْل بتطوره قوى مجلس النواب الجديدة والتي تستعين به في نضالها داخل البرلمان ، ومن هنا ينتظر انفراج الأزمة .

عرض مقالات: