لعبت مرجعية النجف الشيعية ادواراً تاريخية هامة في تأريخ العراق القريب، وكانت حصناً للمطالبين بالتحرر والتقدم والحرية والسلام ـ عدا فترات لا يتسع المجال هنا لها ـ، حتى صارت مرجعية عليا تحترمها الاطياف العراقية بأجمعها وصارت بياناتها مرجعاً لكل من ناضل من اجل خير العراق واستقراره وامنه، ولعب سماحة المرجع الاعلى السيد علي السيستاني، ادواراً هامة في توحيد كلمة العراقيين بأطيافهم، وفي الدفاع عن ارواحهم وممتلكاتهم..

ولا تنسى البلاد وقفاته التأريخية من اجل استقلال العراق، حماية ابناء اديانه وطوائفه والدفاع عن حقوقهم في الحياة والحرية، ولا تنسى بيانات المرجعية ووصاياها بضرب الفاسدين بيد من حديد، وفتواه في الجهاد الكفائي لحماية البلاد من داعش الاجرامية الإرهابية، ونصائح المرجعية بان يتفرغ رجال الدين للإرشاد والنصيحة، وتتالي نصائحها بإنصاف الشعب وفقرائه ومعدميه.. حتى وصل عدم اهتمام الحاكمين (الشيعة) بنصائحها، الى تعبيرها بأن " بحت اصواتنا " من النصح واغلق المرجع الأعلى ابوابه بوجه حاكمي الاسلام السياسي الظالمين.

الاّ ان الكتل الحاكمة ـ بديل دكتاتورية صدام ـ سارت على طريق المحاصصة الطائفية والعرقية وثبّتته بكذبها وبأجنحتها المسلحة وباتخاذها زوراً المرجعية العليا ستاراً لها.. على ان المحاصصة هي الطريق الدستوري، وخضعت لمصالح دول الجوار القوية ومصالح الدوائر الأميركية والاقليمية وغيرها من القوى العظمى التي لا تهتم الاّ لمصالحها هي.. لتحقيق مصالح انانية ضيّقة لتلك الكتل دون التفكير بحال الشعب واوسع فئاته الفقيرة والمعدمة التي صارت تزداد سوءاً حتى صارت تأكل من المزابل، بل وخالفت حتى ادعاءاتها بأنها من " شيعة علي"، خالفت قواعد الإمام علي في مقولته الخالدة " لو كان الفقر رجلاً، لقتلته ".

حتى صار الشعب لا يثق بهؤلاء الحكام لأنهم لم يجلبوا الاّ الدمار، والعار لبلادنا بين الامم باسم (العقيدة والمذهب)، الذي ادىّ الى رفع شعار بارز في انتفاضة تشرين البطولية " باسم الدين باكونا الحرامية”.. الحرامية الذين ظلموا حتى ابناء حشد السواتر الذين دافعوا عن البلاد بدمائهم وحموا كراسيهم، وسرقوا حقوق عشرات الآلاف منهم، واكتنزوا اموالاً فلكية هائلة من عمليات (فساد عابر للطوائف) التي تحكم، بالكذب والحيل والديماغوجيا الايمانية.

وفيما يرى قسم بأنه لابد للمرجعية المحترمة من مسوّغات لدعوتها للمشاركة في الانتخابات وكونها بعيدة عن اي مرشح او قائمة، رغم اشارات واسعة لسياسيين وبرلمانيين وخبراء على انواع الفضائيات ووسائل الإعلام، بأن ما يجري هو تدوير للوجوه الكريهة التي حكمت ذاتها، بأشكال الحيل والماكياجات وعسل الوعود والكلام المنمق، وبالسلاح والمال السياسي..

ووسط ذهول وتساؤلات اوسع الاوساط وبتجاربها المرّة طيلة ثمانية عشر عاماً، لماذا نطقت المرجعية الآن؟ وهي تعيش وترى المشاركة الفعالة للأحزاب ذات الاجنحة المسلحة، حيتان الفساد،

الدور الهائل للمال السياسي، استمرار وتصاعد مطاردة الناشطين واعتقالهم واغتيالهم.. وطالبت تلك الاوساط المرجعية منذ انطلاقة تشرين بإصدار فتاوي بحقهم لأنهم لا يلتزمون بالدستور، ولكن لا جواب ولا استجابة من المرجعية..

الامر الذي جعل اوساطاً متزايدة ترى بأن المرجعية وكأنها تقف الى جانب الكتل الحاكمة التي ينخرها الفساد علناً، وكأنها تبتعد عن المطالبات الشعبية الواسعة بعد ان تراكم الفساد والسرقات وخربت البلاد من جهة، وتراكم الفقر والبطالة والعدم وازدادت اعداد ونسب من هم دون خط الفقر زيادة رهيبة من جهة اخرى.. ليتكوّن قطبان متناقضان لا وسطية بينهما.

ويتصاعد سؤال من اوساط تحبُّ وتحترم المرجعية وتتمناها حلماً يوعد بالتحقق.. هل تخاف المرجعية العليا من الميليشيات؟؟ وهل تخاف من غدر الكتل الولائية الحاكمة لها؟؟ بعد ان ضاعت المقاييس القانونية والأخلاقية والدينية، وهل تحرص على مواردها أكثر من حرصها على الشعب وعلى فقرائه وكادحيه؟؟ الذين هم اصحاب الحق واصحاب البلاد، في هذه المحن القاسية، ويحرصون على الوقوف وقفة الإمام الحسين الخالدة، التي مرّت الآن اربعينيّته وتمر الذكرى الثانية لانتفاضة تشرين الشبابية الجريئة التي اعادت للشعب وعيه ووحدته، وذكرى شهيداتها وشهدائها الثماني مئة الابرار، وأبرز ناشطيها بين عشرات آلاف المعوقين، المختفين، الملاحقين، والذين يعانون الفقر والحرمان.. فيما يترنّم بوقاحة بها العديد من الفاسدين والحرامية والقتلة والمدّعين!!

عرض مقالات: