تتجلى معالم التسلط والتعسف بأشرس مظاهرها ليس بممارسة الضغط للمشاركة في انتخابات فاقدة لبعض قواعدها القانونية من خلال الدعوات السياسية والاعلامية. وانما استخدام السلاح المنفلت لإرهاب المقاطعين وقد تجلى مؤخرا باستهداف مقر {الحزب الشيوعي العراقي} في مدينة النجف وللمرة الثانية كوسيلة من وسائل الضغط والترهيب. ولكن هذه الاساليب لا تساوي حتى طنين بعوضة امام شموخ هذا الحزب المجيد الذي بني تأريخه في أقسى ظروف حكم الدكتاتوريات المتعاقبة على العراق، وعبر سبعة وثمانين عاماً كان خلالها مقارعاً لأعتى صنوف الارهاب والاعدامات واستشهاد الالاف من قياداته وكوادره واعضائه وحتى انصاره في اقبية التعذيب، ولم تثنه عن مبادئه الوطنية الديمقراطية الحقة الملخصة بشعاره العتيد {وطن حر وشعب سعيد.}

ينظر البعض وهم بحالة تنمر بطرف عين واحدة لرأي مقاطعي الانتخابات. حيث يتناولون موقف المقاطعين وكأنه ارتكاب اثم وينبغي التكفير عنه بالعودة الى المشاركة. دون أدني التفاتة والنظر بالعين الاخرى لمسؤولية الطرف الذي بيده تحقيق مطالب المقاطعين. مما يمهد لمشاركة الجميع.. هذه المعاملة التي تشبه الطقوس الدينية، واعتبار موعد الانتخابات الذي حدد في العاشر من اكتوبر 2021 " مقدساً " ولا يجوز تغييره او حتى تأجيله، وجعلوه بمصاف {الصلاة} مثلاً التي لا يجوز تركها وفق مبادئ الاسلام.. وهنا يكمن الخطأ، علماً قد تم تأجيل مواعيد سابقة أكثر من مرة ولم يعترض أحد.. ان الذين أعلنوا مقاطعتهم أشفعوها بتشخيص الاسباب القانونية والامنية المفقودة وفي وقت مبكر، التي دعتهم الى اتخاذ هذا الموقف. على ان يكون تحقيقها هو البديل المطلوب.. وهذا ما يتغافله الذين يطالبون المقاطعين بالمشاركة دون إزالة الاسباب التي دعت الى الانسحابات من معترك الانتخابات القادمة.

ان الذين قاطعوا لم يتخذوا قرارهم اليوم. انما تواصلوا بطرح شروط المشاركة، وبالترافق مع طرحها كانتخابات مبكرة ابان انتفاضة تشرين وقبلها.. وكان ذلك قبل ما يقرب من عام ونيف، وهم من احرص الناس على اجرائها على ان تكون معمدة بشروطها، بمعنى توفر مقوماتها القانونية، غير ان المعنيين بالاستجابة لهذا المطلب الجماهيري، قد لعبوا لعبة {الثلاث ورقات} حيث يكشفون الورقة الرابحة الى اللاعب وببراعة مكرهم يغيبونها بالورقتين الخاسرة. والنتيجة يصبح اللاعب خاسراً. وهذا ما جرى بتشكيل المفوضية وكذلك بقانون الانتخابات. حيث افرغوهما من مضمونهما الدستوري.

واليوم يسعى الذين لم يصبهم الضرر من قانون الانتخابات وآليات تطبيقه الملتبسة. حيث فصّل على ما يناسب صانعيه.. ولن يخشوا من السلاح المنفلت، فهم يمتلكون السلاح ايضاً، ولم يضرهم استخدام المال الفاسد لكون قواهم التصويتية محفوظة بحكم الارتباطات الحزبية والوظيفية والتجارية والمنافع الاخرى، وعليه لن يحصل لديها بيع مزدوج للأصوات، لذا يتعجلون بإجراء الانتخابات للإفلات من عواقب التغيير طالما الانتفاضة خامدة. وليستمر غياب الدولة وتبقى قوى اللادولة لاعبة في الميدان دون اي رادع قانوني.

وبحكم النظرة القاصرة لدى الداعين الى المشاركة، غدوا يأملون بان الانتخابات ووفقاً لهذا السيناريو ستتحقق نهاية الازمة، دون ان يدركوا ان ما بعد الانتخابات ستتفجر بقوة لا سابقة لها، لأنه لم يتغير اي عامل من اسباب الخراب انما تضاعفت بتوسع المقاطعة. كما سيخلق شعوراً محبطاً مضافاً وفاقداً لاي امل في التغيير، من خلال انتخابات على هذا النحو، الذي يمنع اية صيرورة لنهج سياسي جديد بعيد عن المحاصصة والفساد، ودون الاتيان بوجوه جديدة مؤمنة بالدولة المدنية الديمقراطية.. من جانبها الاخر وعندما تعود ذات الطغمة الحاكمة وبذات المنهج السياسي سيتاح للفاسدين وبصورة حتمية، الفرصة السانحة الجديدة الامنة للإيغال أكثر في النهب والتعسف والتفريط في مصير البلد.

عرض مقالات: