و فيما يصف مراقبون مايجري بكونه، بسبب تغيّر و (تطور) الاستعمار و السيطرة الاستعمارية الاحتلالية السابقة و شكلها و مضمونها مع تطوّر شعوب العالم و معارفها و تطور الرأسمال، كما تغيّر الى امبريالية بتسابق الدول الامبريالية و صداماتها بينها و (فوز) الاكثر قوة و سطوة و واجهة برّاقة بالكعكة . . و يتحوّل في عالم تعدد القطبية في حال صعوبة انفراد قطب واحد بالكعكة لوحده، الى سيطرة كومبرادورية ( بتفاهم (توافق)عدة اقطاب دولية لإمتصاص بلد ما) و السيطرة على ثرواته، مشكلاّ مظهراً متزايداً جديداً لإسلوب نفوذ القوى العظمى في دول العالم لايشبه السابق.

وفي الولايات المتحدة فإن السياسات الحربية و المغامرات الاميركية على عدة اصعدة امام الصعود المذهل المالي و الاقتصادي للصين و لبضائعها الارخص ثمناً التي اخذت تغزو العالم بالدخول الواسع للرابوت في صناعاتها ( كما دخل في صناعات اكثر الدول الصناعية ) و الذي تسبب بكساد البضائع الاميركية و ضيق الاسواق امامها لغلاء اسعارها، و تسبب بافلاس عدة مشاريع صناعية كبرى فيها، امام الانفاق المتزايد على الصناعات العسكرية و برمي مئات آلاف الايدي العاملة الى البطالة و الشارع، اضافة الى اللامبالاة بالتغييرات المناخية و البيئوية الحادة و تزايد انتشار الاوبئة القاتلة، و خاصة بين الاوساط الفقيرة الواسعة.

و تسبب كل ذلك و غيره بتناقص الاهتمام بالمواطن الاميركي و عمله و سلامة حياته، الأمر الذي غيّر الوضع الداخلي الاميركي الذي اخذ يشهد انواع الاحتجاجات و المظاهرات الجماهيرية السلمية و الاحتجاجات العنفية، بسبب تآكل و نقصان الحقوق الاقتصادية و الخدمية للمواطن و لمواجهة صعود انواع العنصرية، بل و اخذت ولايات اميركية ترفع مطالب الاستقلال عن الولايات المتحدة و في مقدمتها كاليفورنيا . .

و صار فيها وضعاً يشبهه مهتمون مستقلون بوضع الاتحاد السوفيتي في زمن البيريسترويكا و التغييرات العاصفة فيه منتصف و اواخر الثمانينات مع انواع الفوارق، التغييرات التي ادّت الى تغيّر السياسات و الستراتيجية و الانفراط المؤسف للجمهوريات السوفيتية، حين توقّع و بخطوط عريضة علماء و مفكرون روس، بأن الولايات المتحدة قد تواجه ماواجهه الاتحاد السوفيتي لينفرط عقد ولاياتها، لغياب القطب العالمي الذي كان مواجهاً لها و الذي فرض عليها نوع بناء بيتها الداخلي و تحالفاتها لمواجهته، حينها. الأمر الذي يلزمها باعادة بناء بيتها و ستراتيجيّتها في العالم الجديد. 

و يرون ان الازمات و الاضطرابات الداخلية التي تهدد كيانها و وحدتها و ضرورات تلبية تلك الحاجات المكلفة، ادى و يؤدي الى اضطراب سياساتها و نشاطاتها الخارجية و جعلها لا تستطيع تحمّل اعباء وعودها و سياساتها التي سارت و تسير عليها، و وصلت الى ان هدفها هو تحقيق اعلى الارباح مهما كانت الوسائل، و بلا مبالاة بنتائجها على دول العالم (ولا حتى على حلفائها)، مستفيدة من موقعها الجغرافي البعيد الذي يقيها من موجات تدفق اللاجئين و طالبي الثأر و الرد، و من الرافضين لانظمة حكم دولهم التي لعبت الولايات المتحدة ادوارا هامة بتنصيبها . .

و في زمن تطور و صعود الإعلام و مصادر الاخبار في انواع المواقع اضافة الى تزايد تأثير الاعلام و الكذب الاعلامي . . تعددت تفسيرات اسباب الانسحاب الاميركي الفوضوي من افغانستان، لتستقر اكثر على تفسيرين كبيرين بنظر سياسيين و خبراء هما بين: محاولة قطع طريق الحرير (مشروع الحزام الصيني) المدوّي، او اعاقته و تأخير انجازه . .

فالانسحاب الاميركي الفوضوي، و اندفاع طالبان للسيطرة على الولايات مقابل انسحاب و ذوبان القوات الحكومية الافغانية و تسليمها و تسليم اسلحتها لطالبان، خلق مناخ حرب و حالة من صعود المشاعر الاسلاموية (السنيّة) في دول المنطقة و (انتصار الفكر الاسلاموي المتطرف)، في : جنوب روسيا، شرق ايران، اوزبكستان، قرغيزيا، تركستان اضافة الى الاقليم الصيني الاسلامي المتمرد منذ سنوات على الدولة الصينية الذي يسكنه الإيغور . .

و يعيش الايغور في المنطقة الاكثر حساسية للاقتصاد الصيني، فاضافة الى احتوائها على احد اهم المراكز النووية الصينية، فإنها تحتوي على الممر الجبلي العاصي الوحيد بين جبال افغانستان الصخرية العملاقة، الذي يمر فيه خط السكة الصيني الوحيد المار الى ميناء كادار (غوادر) الباكستاني احد عُقَدْ طريق الحرير.

و يرون التفسير الثاني للانسحاب الاميركي، انه يحصل بعد ضمان الولايات المتحدة و عقدها مع طالبان عقد احتكار مناجم الاملاح و المعادن النادرة بعد ان استثمرت اهمها خلال العشرين سنة الماضية و التي يقدّر متخصصون قيمتها الاولية بستة تريليونات دولار . .  و تعتبر المعادن النادرة دُرّة الصناعات الفضائية الحديثة و الرقوق الالكترونية و الصناعات العسكرية الدقيقة و اجهزة المراقبة و النواظير المتنوعة و الرادارات العملاقة، و تضمن التنفيذ الدقيق للعمليات العسكرية و العلمية ( المعادن التي تحتكرها الصين حالياً، و توجد غير مستثمرة و محاطة بانواع السرية و الصراعات غير المعلنة في بلدان قليلة في العالم في مقدمتها العراق و افغانستان . . ).

و يصف متخصصون مستقلون سلوك الولايات المتحدة الحالي بكونه سعي للحد من خسائرها و للحصول على اعلى الارباح لإيجاد حلول لأزماتها الداخلية . . و تتوجه لمواجهة منافسيها و اعدائها الذين يصيبون ارباحها بالضرر، باشعال الحروب و الازمات بوجههم و تكبيدهم خسائر هائلة للحد من منافستهم لها و خاصة الصين و روسيا و بالتالي ايران ايضاً . .

و على ذلك فان الولايات المتحدة صنعت ازمة يمكن ان تكون حادة و لسنوات، في منطقة آسيا الوسطى بترك احدث الاسلحة لطالبان بطرق غير مباشرة سواء كان لفشلها و لسوء تقديرها لما يجري في افغانستان، او بطرق خططت لها سرّاً و هي عليمة بما يدور هناك و عليمة بدرجات صراع القوى الداخلية و دور عشائرها فيها.

و في ذلك المناخ الحربي، اعلنت عدة ولايات رفضها لإستلام طالبان الحكم و في مقدمتها ولاية "بانشير" التي يقود تمرداً فيها احمد شاه مسعود الابن، الذي ينتظر دعماً فرنسياً و اوروبياً له و التحقت به وحدات من القوات العسكرية الافغانية النظامية، للوقوف بوجه تشكيل امارة اسلامية متطرفة بدأت ملامحها بمواجهة الشعب بالعنف و التهديد و راح ضحاياه العشرات من المدنيين رجالاً و نساءً، كما دار حول مطاركابل و في مواجهة المظاهرات النسائية و الشعبية المنددة بما يحصل و لخوفها من عودة نظام طالبان السابق الذي تسبب بقتل و موت و هروب مئات آلاف الافغان نساءً و رجالاً. (انتهى)

عرض مقالات: